ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟! هذا عنوان ما كتبه خالد العبود، أمين سر "مجلس الشعب" السوري، على صفحته في فيسبوك (7/5)، مع إشارات الاستفهام والتعجب والتنقيط، في محاولته الرد على بعض كتابات (روسية) تحدثت "عن دور "روسيّ" جديد.. بـ"تحجيم" أو "تأطير" أو "مصادرة" دور الرئيس الأسد في سوريّا ومستقبلها".
بيد أن ذلك ليس السؤال الوحيد، فثمة سلسلة أسئلة، وبالأصح تهديدات، طرحها العبود في مقاله "أهم وأخطر"، ولا تخطر "في بال أحدٍ على الإطلاق" (بحسب توصيفه)، مثلاً:
– ماذا لو أنّ الرئيس الأسد أغرق بوتين في حريق طويل في جبال اللاذقية؟!
– ماذا لو أن الاستخبارات السورية فخّخت هذه الجبال بعشرات الآلاف من المقاتلين الذين رفعوا شعار المقاومة للاحتلال الروسي.. نتيجة تدخّل بوتين في الشؤون الداخلية لسوريّة؟!
– ماذا لو أنّ الرئيس الأسد غضب من بوتين ودفعه إلى أتون حريق في حوران، سهلاً وجبلاً؟!
– ماذا لو غضب الرئيس الأسد من بوتين وجرّه إلى تيه البادية السورية، وأغرقه في حرّها ورملها، وأطبق عليه هناك، بعد أن فخّخ له ما فوق الأرض وما تحتها؟!
يتحدث عبود بكل راحة، كما لو أن بوتين، مثلاً، طفل من أطفال درعا، الذين سحبت أظافرهم، أو لكأنه متظاهر يمكن سحقه أو سحله أو اعتقاله في ساحة النواعير في حماة أو ساحة الساعة في حمص أو في ساحة البيضا في بانياس، أو كأنه قاطن في دوما أو داريا أو حلب أو درعا أو في حمص يمكن قصفه ببرميل متفجر، وتنتهي الحكاية.
لا تتوقف أسئلة العبود، الجهبذ، حول ما يمكن أن يفعله الأسد بفلاديمير إيليتش بوتين في سوريا، بل إنها تصل إلى ما يمكن أن يفعل به في عرينه، في موسكو. يسأل العبود:
– ماذا لو أراد الرئيس الأسد أن يلحق الهزيمة ببوتين، وأن يسحب البساط من تحت قدميه، حتى في أروقة الكرملين؟!
– ماذا لو أراد أن يجرجه (ربما قصده يجرجره أو يجرحه) سياسياً في داخل روسيا؟! ثمّ ماذا يمكن أن يبقى لبوتين في روسيا أصلاً؟!
هكذا، ففي كل ذلك يتعامل العبود مع بوتين كأنه رئيس دولة مبتدئ، أو كأنه يقود دولة على هامش التاريخ، أو ربما اختلط عليه الأمر تماماً بين من هو رئيس سوريا ومن هو رئيس روسيا (لتشابه الأحرف) متناسياً، أيضاً، كيف تعامل حرس بوتين مع الأسد في عقر داره، وعديد الإشارات التي بينت احتقار الأول للثاني، بتعمد الحط من شأنه، صوتاً وصورة.
على أية حال، وحتى لا نصاب بالدهشة من كلامه، فإن العبود يحاول التخفيف عنا بمنطق السياسي النابغة، متقمصاً مكيافيللي، ربما، إذ يقول: "لم يكن الرئيس الأسد بحاجة لبوتين كي يدافع عنه.. الأسد كان يدرك تماماً أن هزيمته المؤكدة لأداة الفوضى، سوف تمنح الأطراف الرئيسيّة للعدوان إمكانية تطوير شكل العدوان عليه، من خلال دخول هذه الأطراف المباشر على خطّ المواجهة، وتحديداً دخول الولايات المتحدة".
هكذا بالضبط، ثم إن الرئيس العبقري احتاط سلفاً لأي التفاف روسي، لذا فبوتين لم يحضر إلى جغرافيا خاوية.. فقد حضر بشكل مدروس جيّداً من قبل الرئيس الأسد، ولاحظوا الفترة الزمنية التي انقضت من عمر المواجهة، ومن عمر دخول كلّ من حزب الله وإيران. في مقابل ذلك عمد الأسد إلى ربط الوجود الروسي وتثبيته ببعض المصالح والقواعد الجديدة في سوريا.. للدفاع عن هذه المصالح أمام إمكانية العدوان المباشر من قبل الأمريكي على سوريّا! قبول الأمريكيّ بالوجود الروسيّ في سوريّا.. جاء نتيجة فهم الأمريكي لخطورة ما أنجزه الرئيس الأسد من خلال حضور "حزب الله – إيران" إلى سوريّا، وإنتاج خرائط ميدان جديدة، سوف تكون أساسيّة في قلب موازين المواجهة مع كيان الاحتلال الصهيونيّ.
في ما تقدم يشطب الكاتب بجرة قلم، وعلى الأرجح بحالة ذهانية، تفقده صلته مع الواقع، حقيقة مفادها أن فصائل المعارضة السورية المسلحة كانت تسيطر على نحو 60% من المساحة السورية، وأن التدخل العسكري الروسي (سبتمبر/أيلول 2015) هو الذي مكّن النظام من استعادة تلك الأراضي إلى سيطرته، وليس الوجود الإيراني، الذي لا يستطيع الرد على اعتداءات إسرائيل المتوالية عليه.
اللافت أن العبود، في انفصامه عن الواقع وعن العالم، وعن التفكير المنطقي، لا يرى في الوجود الإيراني تهديداً للولايات المتحدة فقط، وإنما يراه تهديداً لروسيا ذاتها. وعن ذلك يقول: "يدرك الروسي أن الرئيس الأسد حدّد له خطوط حضوره ووجوده، السياسية والاقتصادية والعسكرية، في سوريا، ويُدرك أكثر أن الرئيس الأسد يستند إلى بنية تحتية رئيسيّة لا يعرف بوتين عنها كثيراً، ونعني بها خرائط العلاقات السورية – الإيرانية، العسكرية والاقتصادية والسياسيّة، خاصة خارطة الميدان العسكريّة التي تتطوّر شيئاً فشيئاً!
نعم لقد قيّد الرئيس الأسد الوجود الروسي في سوريّا، بفضل معادلة سياسيّة طالما أكدنا لكم عليها، وهي: "امنع عن عدوك ما يريد.. وامنح حليفك ما تريد".. والاستنتاج أنه لم يعد بمقدور بوتين أن يمليَ شيئاً على الرئيس الأسد، إذ بوتين أضحى بحاجة ماسّة للرئيس الأسد، كونه منحه ما أراد في سوريّا، وهذا إنجازٌ لبوتين داخل روسيا ذاتها، وبوتين يسعى جاهداً للحفاظ عليه..لأنّ بوتين يدرك أنّ الرئيس الأسد أعدّ بنية تحتية لعلاقات "سورية – إيرانيّة" أقوى بكثير من العلاقات "السوريّة – الروسيّة"، وأنشأ عليها خرائط عسكريّة وسياسيّة واقتصادية متينة جدّاً.
يُنهي العبود مقاله المدهش، بكلام أكثر إدهاشاً، باعتباره الأسد مهندس الكون، وحاكم العالم بأمره، بقوله: "لو أن شيئاً من هذه الفرضيات نفّذه الرئيس الأسد لأعاد ترتيب الكون كاملاً، سياسياً واقتصادياً وعسكريّاً، ولكانت الولايات المتحدة أوّل الذين يقفون في وجه بوتين في سوريّا، وهي التي سوف تبادر فوراً كي تعتبر الوجود الروسيّ احتلالاً يجب اقتلاعه.. لو أنّ الرئيس الأسد أراد أن يقف في وجه بوتين، سرّاً أو علانيةً في سوريّا، ولو أنّ استخباراته أدت دورها لجهة ترحيل بوتين من سوريّا، ودفعها إياه إلى معركة لا تُبقي ولا تذر من "إنجازه"، و"إنجاز روسيا"، على ضفاف المتوسط، لما انتهى بوتين في سوريّا فقط، وإنّما لتمّ انحسار المدّ الروسيّ خلال العقد الأخير من عمر العالم والمنطقة، ولتمّ شطب اسم بوتين من التاريخ الروسيّ إلى أبد الآبدين! ويا للهول.
كان الله في عون السوريين، فما أن كادت دهشتهم، من شرائط رامي مخلوف، تختفي حتى أتتهم من خالد العبود، دهشة أكبر وأمرّ، مع ما فيها من محاولة استخفاف بالعقول، واعتماد على عصبية الموالين الغلبانين، ومع ما فيها من انفصام عن الحقيقة والواقع والعالم، إنه العمى بكل معنى الكلمة، في عصفورية "الأسد إلى الأبد".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.