حين ظهرت الفكرة للمرة الأولى خلال شهر رمضان بأنّ الأذان سيُذاع علناً في المناطق ذات الأغلبية غير المسلمة؛ استشعر رادار الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) عندي خطراً كبيراً وأنا أُفكّر في ردود الفعل العكسية، التي جاءت سريعاً.
وأشارت حساباتي إلى أنّ السلبيات ستطغى على الإيجابيات بشدة، خاصةً في وجود قدرٍ كبير من الكراهية المُعادية للمسلمين بالفعل.
وفُوجئت بسرور حين شهدت دعم عامة الناس في المدن الغربية، إذ وقّع الكثير من غير المسلمين على عرائض تدعم تلك المبادرات، لدرجة أنّ المركز الإسلامي في تورنتو (المعروف باسم مسجد جامع)، أحد أقدم مساجد تورنتو، أذّن علناً للمرة الأولى وقدّم طعام الفطور للجيران.
كما رأيت بعض المنشورات على الشبكات الاجتماعية من المسلمين الذين قالوا إنّ رمضان هذا العام بدا مختلفاً بسبب كوفيد-19، لكنّ ذلك تغيّر حين سمعوا الأذان أثناء الجلوس في منازلهم أو سياراتهم بالقرب من مسجد. وهذا هو أقرب ما سيحصلون عليه من المسجد في رمضان هذا العام. وهذا منح البعض شعوراً جيداً.
تشجيع التنوّع
هذه هي كندا التي يسمع عنها غالبية الناس، حيث يُحتفى بالتنوّع، ويحمي الميثاق الكندي للحقوق والحريات كافة الحريات الدينية في البلاد، بما يُمليه الضمير الذاتي الفردي. ولا يكمُن الاختبار في ما يعتقده رجال الدين وجماعة الأغلبية في المجتمع، بل يكمُن في ما إذا كان إيمان الشخص قوياً.
إذ كتبت بوني كرومبي، عُمدة ميسيساغا، على فيسبوك: "يحتاج الناس إلى الراحة والألفة خلال هذه الأوقات العصيبة"، وذلك بعد أن انضمت ميسيساغا إلى تورونتو وغيرها من المدن الغربية في إعفاء المساجد من لوائح قوانين الضجيج.
وكتب جيم واتسون، عمدة أوتاوا، على تويتر: "آمُل أن يُساعد ذلك المسلمين في الاحتفاء بهذا الشهر المقدس بكل التفاني والتأمل الروحي. رمضان مبارك!".
هذه هي كندا التي أُحبها، كندا التي تقبل الجميع.
لكن ما لفت انتباهي حقاً لم تكُن له علاقةٌ برغبتي في سماع الأذان عبر مكبرات الصوت، بل كان يتعلّق بمواجهة الكراهية ورهاب الإسلام.
أحقاد العالم القديم
دعمت غالبية الناس هذا الترتيب الجديد الذي سيُسهّل على جيرانهم المسلمين اجتياز شهر رمضان وسط حالة الإغلاق المفروضة، لكن قلةً قليلة من ثلاث جماعات منفصلة لجأت إلى إظهار كراهيتها الخاصة عبر مكبرات صوت الشبكات الاجتماعية أيضاً.
إذ استعان مُؤيّدو الهندوتفا وقلة من النشطاء المسيحيين الأقباط بأحقاد العالم القديم من أجل الهجوم على هذه اللفتة الرمزية التي تُشجّع على التنوّع وقبول الآخر.
وعلى تويتر كتب مستشار العقارات والهجرة رافي هودا، الذي أُقيل من منصبه رئاسة مجلس مدرسة محلية بعد نشر تغريدته: "ماذا بعد؟ هل سنُوفّر ممرات للفصل بين راكبي الجمال وبين راكبي الماعز؟ أم هل سنسمح بذبح الحيوانات في المنازل من أجل الأضحية؟ أم هل سنُصدر قانوناً يُلزِم النساء بتغطية أنفسهن من الرأس إلى أخمص القدمين، والعيش في الخيام لإرضاء حفنةٍ من الحمقى والحصول على أصواتهم؟".
وحين تواصل معه بعض أفراد الجالية المُسلمة، قال إنّ كلامه قد أُسيء فهمه في البداية لأنّه لم يُحاول الإشارة إلى جاليةٍ بعينها. وذكر أنّه يُحاول الحصول على استشارة قانونية في هذا الصدد.
والمثير للاهتمام هنا هو أنّ حساب هودا على تويتر صار حساباً محمياً الآن. وكان يصف نفسه على الحساب في السابق بأنّه مُتطوّع في هندو سوايامسيفاك سانغ، الفرع الهندي لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، المنظمة القومية الهندوسية شبه العسكرية التي تنتقدها الجماعات الحقوقية وتعتبرها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مُروِّجة للكراهية.
توصيفٌ خاطئ
مُؤيّدو الهندوتفا ليسوا الوحيدين الذين يشعرون بالغضب، إذ أشار تقرير موقع Vice الأمريكي إلى أنّ العديد من النشطاء الأقباط، وبينهم جون جرجس وهاني توفيليس، أعلنوا معارضتهم لمبادرة الأذان.
وجرجس هو عضوٌ في الجالية القبطية المصرية بميسيساغا، كما يرأس أكبر شبكة ملاك صيدليات في كندا بحسب Vice. وأطلق جرجس عريضتين لمناهضة إعفاء المساجد من لوائح الضجيج، لكنّ موقع Change.org أزال العريضتين بسبب "انتهاك إرشادات المجتمع الخاصة بخطاب الكراهية"، قبل أن يعتذر جرجس بعدها.
وحصدت كل من العريضتين نحو 20 ألف توقيع. وقال جرجس بعدها إنّه "مُعارض بشدة لتعليقات الكراهية التي ظهرت أسفل العريضتين" بحسب موقع Vice. كما اقترح خطابٌ مُرفق بالعريضة، قال جرجس إنّه لم يكتُبه، أنّ "سماع الأذان الإسلامي قد يُثير اضطراب ما بعد الصدمة لدى الجنود الذين خدموا كندا في منطقة الشرق الأوسط" وفقاً لتقرير Vice.
وقاد الحملة الثالثة صيدلاني وناشط قبطي بارز آخر هو هاني توفيليس، الذي كرّر حجة اضطراب ما بعد الصدمة. واختتم توفيليس، الذي فشل في الفوز بمقعد محافظ في دائرة ميسيساغا-إرين ميلز خلال الانتخابات الفيدرالية الأخيرة، خطابه المفتوح بدعوة مجلس المدينة "إلى إلغاء قراره واحترام إرادة جميع المواطنين، أو إتاحة امتيازات مُشابهة لكافة الجاليات".
ووصف النقاد قرار إعفاء المساجد من اللائحة بأنّه انتهاك لحقوق الإنسان، لأنّه ينطبق على المسلمين فقط بحسب المزاعم. لكن تلك الحجة لا أساس لها من الصحة. إذ أشارت بوني وغيرها إلى أنّ طلبات الإعفاء مُرحّب بها من كافة جاليات وجماعات المجتمع.
وتخيّل مثلاً كم سيبدو الأمر جنونياً في حال طالب الناس بإغلاق كافة الكنائس، لأنّ الناجين من انتهاكات نظام المدارس السكنية الكندية الهندية -أو ضحايا الكهنة المُعتدين جنسياً- سيُعانون من اضطراب ما بعد الصدمة عند رؤيتها!
تجمع الكراهية بين أغرب الناس، ومن بينهم المشتبه بهم المعتادين: اليمين المُتشدّد. وعلى العقلاء أن يتحدوا من أجل التصدّي لتلك الحركات وكشف حقيقتها أمام.
جعلوا من الحبة قبة
هناك عدة اعتبارات جديرة بالاهتمام عند التفكير في هذه المسألة، أوّلها أنّ السماح بالأذان هو تدبيرٌ مُؤقّت سُمِحَ به خلال رمضان من هذا العام فقط بسبب حالات الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا، إذ يُفطِر الصائمون عادةً مع أذان صلاة المغرب.
وثانياً، يستمر الأذان لبضع دقائق فقط مع غروب الشمس خلال شهر رمضان، حين يُعتبر سماع الأذان إشارةً لكسر الصيام. والأذان الوحيد الذي سمعته من مسجد مدينة في تورونتو استمر لأقل من ثلاث دقائق.
ثالثاً، عدد المساجد التي استغلت الإعفاء من لوائح الضجيج قليلٌ للغاية، وغالبية المساجد لا تقع داخل مناطق سكنية من الأساس، علاوةً على أنّ الصوت يكون منخفضاً بعض الشيء، ويجب أن تكون قريباً من المسجد حتى تسمع الأذان فعلياً.
وأخيراً، ليست الإعفاءات من لوائح الضجيج أمراً جديداً، إذ يُمكنك التقدّم بطلب من أجل الحصول على إعفاء حين تقرر استضافة حدثٍ كبير. وفي تورونتو مُنِحَت أنشطة البناء وحدها 177 إعفاءً من لوائح الضجيج خلال عام 2018، ناهيك عن الكثير من الإعفاءات لأسباب مختلفة. كما تتمتّع الكنائس بهذا الإعفاء تلقائياً في العديد من المقاطعات، فضلاً عن أنّ الكثير من الفعاليات تحدث دون الحصول على إعفاء من الأساس.
ولخّص باتريك براون، عمدة برامبتون، الأمر بلُطف قائلاً: "لائحة الضجيج الصادرة عام 1984 لم تُعف سوى أجراس الكنائس. والآن سيشمل الإعفاء كافة الأديان بموجب الساعات ومستويات الضجيج المسموح بها. ويُمكن للجالية المسلمة أن تستمع لأذان المغرب لأنّنا في عام 2020 ونُعامل كافة الأديان بمساواة".
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ الأمر لا يُمثل مشكلة كبرى. وعلى حدّ تعبير صحيفة Toronto Star الكندية في افتتاحيتها: "كانت لفتةً بسيطة ذات معنى، في الوقت الذي بات من المستحيل فيه على المسلمين أن يجتمعوا جسدياً داخل أماكن عبادتهم بسبب جائحة كوفيد-19".
ويجب على الأشخاص الذين لا يكترثون لمسألة سماع الأذان من الأساس أن يُدرِكوا أنّ الأمر لا يتعدّى حفنةً من الكارهين الذين جعلوا من الحبة قبة لأغراض سياسية. ويُمكن لجراح العالم القديم أن تُصيب الآخرين بالعدوى سريعاً إذا سمحنا لها بالتشافي. يجب أن نهزم هذا الفيروس.
– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.