أما قبل..
فقد كنا جسدين بروح واحدة..
قد كان قلبي.. عمري.. بل وطني.
وأما بعد..
فقد وقع الطلاق وحدث ما حدث، وليس المهم الآن مَن المخطئ، الأهم أن الجرح لم يجفَّ بعدُ، بل الأهم من هذا وذاك هم أبنائي، لا أعلم كيف أربيهم..
ماذا أفعل معهم؟
بماذا أُخبرهم؟
الأهم هو كيف الحياة بعد هذا الجرح، كيف سأتأقلم، وهل حقاً سيحدث هذا التأقلم كما يخبرونني دوماً؟
أسئلة كثيرة تدور في ذهن صديقتنا الجميلة، لا تجد لها إجابة، ولا تعرف كيف ستواجه هذا الكمَّ الهائلَ من التحديات والحياة الجديدة المجهولة بالنسبة لها.
الطلاق..
كلمة قاسية، نعم مازالت إلى الآن قاسية، مُرة رغم كل ما يقال عنه بأنه الحل الناجع إذا ما استحالت العشرةُ بين الزوجين، رغم أن الله قد أحلَّه فإننا أيضاً لا نستطيع الإنكار أن مرارته قاسية على الأم التي تتحمل تبعات هذا القرار سواء كان بيدها أم رغماً عنها.
رصاصة رحمة.. نعم رحمة لكنها مازالت رصاصة.
لا تبدأ الصعاب منذ وقوع الطلاق فحسب، لكنها كانت قد بدأت قبل ذلك بعدة أشهر، أو سنوات.
أيام يعاني فيها الطرفان، وبالتبعية يعاني الأبناء.
الأبناء الذين لا حول لهم ولا قوة.
أما بعد.. وبعد.. وبعد
رغم استمرار الألم فإن هناك بارقة أمل في بدء حياة جديدة بشرط واحد…
إذا ما قرَّرتْ صديقتُنا الجميلة النظر بشكل مختلف ولو قليلاً لنفسها وحياتها.
إذا ما أصرّت على خلع رداء جَلْد الذات، ولعن الظروف، واتهام نفسها في كل لحظة بأنها السبب، ويا ليت هذا ما حدث.
بارقة أمل لحياة جميلة.. منظمة.. خالية من التوجع والآه.
خالية من شجار أمام الأبناء ليل نهار
حياة جديدة تنطلق فيها وتطلق العنان لقلبها أن يستمتع بكل ما هو جميل في شخصيتها، مع أبنائها وحياتها المقبلة رغم غموضها وأنها مغلفة بالمجهول، لكن مَن قال إنَّ كلَّ مجهول وغامض هو بالضرورة سيئ أو قاسٍ.
إذن فلنربط الأحزمة ونستعد لرحلة نُبحر فيها معاً داخل نفسك الجديدة لنكتشفها معًا.
وقبل ذلك اسمحي لي أيتها الجميلة أن أشاركك بعضَ التحديات التي علمتها عنك، لم أعلمها فحسب، بل أراها كلَّ يوم بأُم عيني.
لن أشاركك تلك التحديات كي نبكي على الأطلال، بل لنعرض بعدها بعض الحلول البسيطة التي ستُسهل عليكِ يومك وتجعلك تقفين صامدةً أمام كل تحدٍّ بثقة وثبات.
من أهم التحديات التي تواجهها صديقتنا الجميلة:
1- الآخَر.
2- أبنائي وكيفة التعامل معهم.
3- أنا "أفكاري- مشاعري- احتياجاتي- هواياتي" وحياتها الجديدة التي مازالت مجهولة.
في الجزء الأول من تلك السلسلة سأقوم اليوم بعرض أول تحدٍّ وهو "الآخر".
أكبر التحديات التي تواجه المطلقة هو "الآخر".
والآخر لا يعني بالضرورة عموم المجتمع فقط، بل هو:
المجتمع
الأصدقاء
العائلة
شئنا أم أبينا فإننا مازلنا مجتمعاً يحتكم لعادات وتقاليد عقيمة ما أنزل الله بها من سلطان.
ندَّعي التدين.. نعم هكذا يُطلقون علينا "متدين بطبعه" ولا أراها سوى بروباغاندا إعلامية، لا أعلم الهدف منها في حقيقة الأمر، لكنه ليس موضوعنا الآن.
ورغم أنني لا أحب إلقاء اللوم دوماً على المجتمع، ولستُ من أنصار نظرية المؤامرة ضد المرأة، فإنه الواقع المؤسف الذي يفرض نفسه عليها فرضاً.
وبصفتنا مجتمعاً متديناً بطبعه فإننا نقوم معها بواجب عظيم يتلخص في التالي:
– مطلقة.. أي أنها مخطئة.. ما الذي جعلها تتحمل كل تلك السنوات وفجأة تطلب الطلاق.
– لماذا لم تصبر على زوجها؟
– هل اكتشفت الآن أنه مخطئ؟
– لماذا طُلقت بعد الزواج بشهر واحد.. مؤكد هناك ما يعيبها.
– نعم لم ينجبا فقد تكون طُلقت بسبب عدم الإنجاب.
قد تكون ناشزة.
قد تكون كذا.. وكذا.. وكذا
ولا يُلقي المجتمع باللوم على الرجل كثيراً إلا إذا رأى منه شيئاً عظيماً مثل الخيانة أو الزنا وما شابه.
وبالرغم من ذلك يُطل علينا بعض الفلاسفة بأنها من الممكن أن تتحمله حتى يتعافى، وأنه أقسم بعدم تكرارها وهكذا.
وقبل أن تتهمني بأنني نصيرة المرأة، أو من أتباع قاسم أمين، أو من مؤيدي الفيمنست فقط مرِّر الكلام على عقلك وحاوِل أن تسأل نفسك: هل يحدث ذلك في مجتمعنا حقاً، أم أنها هلوسات ليلية؟
– الأصدقاء.. عفواً الصديقات، أو اللاتي كانت تعتبرهن صديقات فجأة ومن دون سابق إنذار تجد بعضاً منهن قد بدأ في التنصل منها، أو الابتعاد عنها بأي حجة، ثم تكتشف بعد ذلك أن ذلك كان بداعي الخوف على أزواجهن، وهو ما يجعلها تنسحب من الوسط الاجتماعي وتكتفي بواحدة أو اثنتين فقط إن كانتا لا تزالان هناك.
– الأهل
بداعي الخوف عليها وعلى أبنائها، أو بدافع الخوف من تحمل المسؤولية قد يبدأ الأهل في التذمر من وضعها، سواء كانت مضطرة للعيش معهم أو العيش بمفردها.
ففي الأولى تبدأ الشكوى من الأبناء بسبب اختلاف طريقة العيش أو الهوة بين الأجيال، وفي الثانية يخافون عليها من العيش بمفردها بسبب القيل والقال في المجتمع المحيط بها.
وإن لم يكن لدى الأهل الوعي الكافي لاحتوائها والتعامل مع أزمتها بحكمة ورويّة فإنهم يكونون وسيلة ضغط عليها لا وسيلة راحة.
إذن كان هذا هو التحدى الأول "الآخَر".
كيف تتعامل معه صديقتنا الجميلة؟
أول شيء يجب أن تقومي به تجاه الآخر هو "اللامبالاة".
أعلم أن ذلك ليس بالشيء الهين، ولكنه ليس مستحيلاً
تستطيعين القيام به في حالة واحدة:
إذا ما تمكنتِ من نفسك، وتوقفتِ عن لومها وجلدها، وبالتالي تزداد ثقتك بنفسك فتكونين أقدر على المواجهة.
دعكِ منهم تماماً، وكلما انتابتك أي أفكار سلبية عن نفسك أوقفيها على الفور، وبدّليها بأفكار أخرى إيجابية.
لأن الأفكار السلبية ستُولد مشاعرَ سلبيةً مثل اللوم والنقد وجلد الذات وازدرائها،
أما الأفكار الإيجابية فستبدّل مشاعر الجلد واللوم والغضب إلى مشاعر رضا وراحة نفسية.
وذلك ما سنقوم بشرحه تفصيلاً في الحلقات القادمة.
أراكِ على خير أيتها الجميلة دائماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.