ينتشر وسم #فلسطين_ليست_قضيتي على تويتر كالنار في الهشيم، ويثير تساؤلات ويفتح ملفات كثيرة. والحقيقة أن هذا الوسم لا يعبّر عن نزوح الشعوب العربية عن فلسطين "كقضيةٍ" فحسب، ولكنّه يعبر كذلك عن دور هيمنة السلطات الرجعيّة على هذه الشعوب، وإن حاول البعض التشديد والتأكيد على وعي الشعوب بأهمية قضية فلسطين ومركزيتها. هنا نحن نحصد ثمار ارتكانٍ إلى وعيٍ متحرّكٍ ومتأثرٍ بعوامل عدة، على رأسها شكل السلطة المهيمنة وشكل الرسائل التي تبثّها وسائل هيمنتها "بالمفهوم الغرامشي"، خصوصاً مع نزوح هذه السلطات أكثر فأكثر نحو اليمين الرجعي وسقوط كلّ المشاريع التقدّميّة وتراجع جلّ مشاريع مقاومة الصهيونية لعوامل لا تعد ولا تحصى، هنا يتلاشى دور المقاومة الثقافية شيئاً فشيئاً لصالح ثقافة سلام مهادنةٍ مع العدو الصهيوني بما هو كيانٌ استعماري.
انتكاسة الربيع
لعلّ تحرّك الشعوب العربية في موجاتٍ ثوريةٍ كانت اندلعت نهاية عام 2010 في تونس، ولا تزال تتوالى حتى اليوم كما نشاهد في لبنان، لعلّها شكّلت بارقة أملٍ لفلسطين كقضيةٍ مرشحةٍ لاستعادة ألقها في حال وصول أنظمةٍ ذات نزعاتٍ تقدميةٍ وارتكازٍ إلى ثوابت قوميةٍ، ولكنّ ما حصل على الأرض هو تدخلٌ وحشيٌ من الأنظمة الرجعية ذاتها -التي تبثّ اليوم رسالة: #فلسطين_ليست_قضيتي عبر منابر هيمنتها الرجعية- حوّل فرص حلول الربيع إلى واقعٍ خريفيٍ بائسٍ، لعلّ آخر هذه المحاولات -المتماهية بالطبع مع إرادة حامي الرجعية العربية: اليانكي الأمريكي- كانت في التّقارب الّذي حصل بين المجلس العسكريّ في السودان والمجرم نتنياهو، في خيانةٍ للإرادة الثوريّة التي حرّكت السودانيين ضد نظام البشير.
صحيحٌ أنّ بعض الأصوات الليبرالية الانعزالية قد ظهرت مع موجات الثورات والاحتجاجات العربية، تنادي بإزاحة قضية فلسطين من موقعها المركزيّ، نكاية بأنظمةٍ تساند أو تدّعي مساندة نهج المقاومة الساعي للصمود في وجه الكيان الاستيطاني المحتل في فلسطين، ولكنّ هذه الأصوات كانت تضيع في خضمّ الموقف الثوريّ الذي لا يمكن له أن يكون ثورياً عبر إهماله لقضية فلسطين، على الرغم من هذا تظهر رواسب هذه الأصوات الانعزالية في أوقاتٍ كهذه لتتماهى مع الخطاب الرجعي المعادي لفلسطين "نعم هو يعادي فلسطين اليوم علناً"!
هيمنة تطبيعية
في إطار إثبات وتثبيت الهوية، قام الكيان الصهيوني بإعلان يهودية الدولة في إسرائيل، معلناً عن هويةٍ مناقضةٍ تماماً لمحيطه، ومؤكداً أكثر على هويته ككيانٍ استيطانيٍ غير منتمٍ للمنطقة التي استوطنها.
على الرغم من كل هذا تصرّ الأنظمة العربية الرجعية على اعتباره كياناً طبيعياً، مما يستلزم إقامة علاقاتٍ طبيعيةٍ معه، هذا ليس منطق المنهزم الذي يهرول لعقد اتفاقيات الاستسلام مع الصهاينة، بل هو أكثر من ذلك منطق العميل الذي أصبح يرتبط بعلاقاتٍ عضويةٍ مع هذا الكيان كداعمٍ وحليفٍ لمثل هكذا نظم.
لا يثبت الخطاب الثقافي والأعمال الفنيّة المعادية لفلسطين المهادنة لإسرائيل، إلّا تبعيته لإرادة القوى الرجعية الباثّة له، والتي تتحرّك في إطار مشروعٍ تطبيعيٍ متكاملٍ، يشمل الاقتصاد والسياسة وبالضرورة الثقافة، بما للثقافة من تأثيرٍ على تقبّل الجماهير التي تستهدفها لمشاريع التطبيع السياسية والاقتصادية التي تسير بالتوازي معها.
في النهاية ليست فلسطين قضيتنا لأنها قضيةٌ عادلةٌ أو لأنّ الفلسطينيين شعبٌ يفوق غيره كرامةً وعزةً، ولكن لأنّ فلسطين هي واجهة الصراع مع إسرائيل ككيانٍ استيطانيٍ مصطنعٍ، لا يصبح طبيعياً مع تقادم الزمن، تماماً كما لم يتحول الفرنسيون المستوطنون لجزائريين، على الرغم من 130 عاماً مكثوها في الجزائر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.