لماذا ينبغي إلغاء الديون العالمية من على الدول الفقيرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/05/01 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/01 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
آبي أحمد

في 15 أبريل/نيسان، عرضت دول مجموعة العشرين إعفاءً مؤقتاً لبعض الدول الأقل دخلاً في العالم من خلال تعليق سداد الديون حتى نهاية العام الجاري. يُعدُّ ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح ويتيح فرصة لإعادة توجيه الموارد المالية نحو التعامل مع جائحة فيروس كورونا.

لكن، إذا كان للعالم أن ينجو من التداعيات المرهِقة الناتجة عن الجائحة وأن يضمن استعادة توازن اقتصاد دولٍ كبلادي، فإن هذه المبادرة يجب أن تكون أكثر طموحاً.

على أقل تقدير، يجب أن يستمر تعليق مدفوعات الديون ليس فقط حتى نهاية عام 2020؛ بل إلى بعد انتهاء الجائحة فعلياً. لا ينبغي أن تشمل المبادرة تعليق الديون فحسب؛ بل إلغاء الديون أيضاً. يجب على الدائنين العالميين التنازل عن كل من الدَّيْن الثنائي والتجاري الرسمي للدول ذات الدخل المنخفض.

ينبغي اتخاذ هذه الخطوات على وجه السرعة. سوف تُنقذ الموارد المحررة الأرواح وسُبُل العيش على المدى القصير، وسوف تعيد الأمل والحيوية إلى الاقتصادات منخفضة الدخل على المدى المتوسط وتمكنها من الاستمرار كقوى محركة للازدهار المستدام للعالم على المدى الطويل. في عام 2019، أنفقت 64 دولة، نصفها تقريباً في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على خدمة الديون الخارجية أكثر من الإنفاق على الصحة. تنفق إثيوبيا على سداد الديون الخارجية ضعف ما تنفقه على الصحة. نحن ننفق 47% من عائدات صادرات السلع على خدمة الديون. ووصف صندوق النقد الدولي إثيوبيا بأنها معرضة بشدة لخطر مواجهة محنة في سداد الديون الخارجية.

المعضلة التي تواجهها إثيوبيا قاسية: هل نواصل الدفع لسداد الديون أم نعيد توجيه الموارد لإنقاذ الأرواح وحفظ سُبُل العيش؟ لا يمكن استرداد الأرواح المفقودة خلال الجائحة، وتكلف سبل العيش المعرضة للخطر المزيد وتستغرق استعادتها وقتاً أطول.

من شأن اتخاذ إجراءات فورية وحازمة بشأن الديون أن يمنع وقوع كارثة إنسانية اليوم وأن يدعم اقتصادنا في الغد. يجب أن نحوِّل وجهة الموارد فوراً من خدمة الديون إلى الاستجابة كما ينبغي للجائحة. يجب أن نحُول دون تحوُّل أزمة صحية مؤقتة إلى انهيارٍ ماليٍّ حاد قد يستمر سنوات أو حتى عقود.

ينبغي أن تنفق إثيوبيا 3 مليارات دولار إضافية بحلول نهاية عام 2020 لمواجهة عواقب الجائحة، بينما بدأ ميزان مدفوعاتنا في التدهور. زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية مسألة ضرورية، بصرف النظر عن مستويات الديون، لا نملك بحوزتنا الكثير من المال، ويُعزى جانب كبير من ذلك إلى الدائنين.

سوف يوفر وقف مدفوعات الدين الثنائي والتجاري للفترة المتبقية من هذا العام لإثيوبيا 1.7 مليار دولار. كذلك سوف يوفر تمديد تأجيل السداد حتى نهاية عام 2022 ما مقداره 3.5 مليار دولار إضافية.

يمكن للدول منخفضة الدخل أن تستخدم الموارد المالية المُحرَّرة عن طريق إلغاء مدفوعات الديون أو تأجيل سدادها للاستثمار في معركتنا ضد الجائحة، بدءاً من توفير الرعاية الطبية اللازمة لمواطنينا إلى تحسين الصعوبات المالية التي تواجهنا.

في أكتوبر/تشرين الأول، أفاد صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات الخمسة الأسرع نمواً في العالم كانت في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومن بينها إثيوبيا. بينما أفاد البنك الدولي، في بداية شهر أبريل/نيسان، أن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ستواجه أول ركود اقتصادي لها على مستوى المنطقة منذ أكثر من 25 عاماً، وقد ينكمش اقتصاد المنطقة بنسبة تصل إلى 5.1%.

ليس هذا نتيجة للسياسات السيئة أو سوء الإدارة أو أي داء آخر يقترن عادة بالدول ذات الاقتصادات النامية. سيكون هذا الركود وليد تفشي فيروس كورونا.

يُعدُّ منع الركود أو على الأقل تقليله أمراً بالغ الأهمية من أجل الحفاظ على سنوات من المكاسب الاقتصادية التي تحققت بمشقة بالغة في جميع أنحاء القارة. سوف يساعد التأجيل الراهن لتحصيل الدين الثنائي حتى نهاية العام، لكنه لن يكون كافياً، نظراً لخطورة التحدي الذي نواجهه.

يجب تمديد تأجيل السداد حتى انتهاء حالة الطوارئ الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا أو إلغاء السداد كلياً. يجب أن يفعل الدائنون ذلك دون قيد أو شرط.

لم يعد الدائنون الثنائيون الرسميون هم المصدر الرئيسي لتمويل الديون الخارجية بالنسبة للعديد من الدول النامية. أصبح الدائنون من القطاع الخاص، بما في ذلك البنوك الاستثمارية والصناديق السيادية، هم المصدر الرئيسي لتمويل تلك الديون. عليهم أداء دورهم في الجهود المبذولة لإنقاذ الاقتصادات الإفريقية من الشلل الدائم بدافع من الشعور بالتضامن والمسؤولية المشتركة. من شأن ذلك أن يساعد على تجنب شيوع التخلف عن سداد الديون السيادية والفوضى في الأسواق المالية.

لن يمكن الدفاع عن الأمر أخلاقياً إذا استُخدمت الموارد المُحرَّرة نتيجةً لتأجيل سداد دينٍ ثنائي للدفع لدائني القطاع الخاص بدلاً من استخدامها لإنقاذ الأرواح.

تمكنت أغلب بلداننا من اقتراض أموال على خلفية الأداء الاقتصادي القوي ومخططات ومسارات التنمية الواعدة للغاية والقائمة على الأدلة. لم يتوقع أحد أن تحيد هذه البشائر عن مسارها بفعل حدثٍ من النوع الذي يحدث مرة واحدة في القرن مثل جائحة فيروس كورونا.

في ظل هذه الظروف، لا مجال للخطاب التقليدي مثل المخاطر الأخلاقية. تلتمس الدول منخفضة الدخل الإعفاء من الديون ليس لأننا أهدرنا المال؛ بل لأننا بحاجة إلى الموارد لإنقاذ الأرواح وحفظ سبل العيش.

من المصلحة الذاتية المستنيرة للجميع أن يُسمح للمقترضين بمتنفسٍ للعودة إلى صحتهم النسبية. سوف نتشارك جميعاً فوائد إعادة تأهيل اقتصادات الدول الأشد تضرراً، تماماً كما ستضر عواقب التجاهل بنا جميعاً.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة  The New York Times الأمريكية. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آبي أحمد
رئيس وزراء إثيوبيا، وقد حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2019
رئيس وزراء إثيوبيا، وقد حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2019
تحميل المزيد