"هاشوف بس الحلقة الأولى بتتكلم عن إيه" هكذا وجدت لنفسي عذراً كي أشاهد الحلقة الأولى من البرنامج الذي أمتلك عدداً لا نهائياً من الأسباب والتحفظات كي أتجنبه حتى أموت، لكنني كملايين المصريين والعرب، تملكني الفضول كي أتعرف على سيناريو هذا العام، مانحة الشخص الأكثر إثار للجدل مشاهدة إضافية لبرنامجه "رامز مجنون رسمي" والمذاع عبر MBC مصر، وMBC1، وMBC العراق، وMBC5 لمُشاهدي شمال إفريقيا، ويُبث من الإمارات إلى جميع دول العالم، عبر الأقمار الصناعية المختلفة، إضافة إلى منصّة "شاهد" للفيديو حسب الطلب "VOD".
تملكني شعور بالنفور منذ اللحظات الأولى في البرنامج، لكنني ضبطت نفسي لأواصل المشاهدة رغم انزعاجي، ليس هذا فحسب، بل إنني وفي اليوم التالي تملكني الفضول ذاته كي أتعرف على الضحية الجديدة، وهل ستتغير أساليب الإهانة المتعمدة في البرنامج أم أنها ذاتها مع كل الضيوف، علمت سريعاً أنه لا شيء سيتغير، وأن التكرار سيكون سيد الموقف كما هو الحال في كل الأعوام السابقة، مع ذلك وجدتني أتابع الحلقة الثالثة، ممتعضة من الإذلال الشديد الذي يتعرض له الضيوف، لكن هذه المرة كان فضولي يتعلق بمعرفة ردة فعل الضيف، هل سيختلف عن الضيف السابق أم لا!
عبر صفحتي الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك راح الأصدقاء يعربون عن ضيقهم وغضبهم من البرنامج، ثم لم يلبثوا أن راحوا يفصلون أسباب غضبهم بدقة شديدة، مع بعض الملاحظات تارة حول ملابس الضيوف، وتارة حول بعض الكلمات التي قيلت خلال الحلقة، باختصار شديد شاهدوا مثلي الحلقات، ممتعضين غاضبين، مدفوعين بالفضول من جهة، وبتلك الابتسامة الماكرة على وجوهنا ونحن نشاهد البرنامج الذي نكرهه كثيراً، من جهة أخرى!
لماذا نشاهد رامز رغم فجاجته؟
باتت الأمور واضحة جداً هذا العام، لم يعد رامز يتخفى من ضيوفه، ولم يعد يجاملهم بأي شكل، الجرعة متكاملة من الإهانة والسخرية، الجميع يعلم أن هذا كله بالاتفاق المسبق مع الضيف، وهو أمر يبدو واضحاً من تعبيرات وجوههم الباردة التي تتعامل مع رامز على طريقة "خلصني"، أو يخرج في صورة سقطة لسان كما جرى مع غادة عادل حين خرجت عن النص قائلة: "إحنا ماتفقناش على كهربا"، لكن السؤال الذي يلحّ عليّ: لماذا رغم كل هذا "القرف" يواصل الجميع مشاهدته وإنجاحه ليبقى على رأس البرامج بحيث تختاره شبكة إم بي سي للعرض ساعة الإفطار؟
"إننا نتلذذ برؤية من هم أقوى منا في موضع الضحك، إلا أنها لذة ممزوجة بألم، وناتجة عن وهم أننا نعرف أنفسنا جيداً؛ إذ نعتقد أنا نرتفع فوق من نضحك عليهم في المنزلة الاجتماعية"، أعتقد أن هذا التفسير الذي ساقه الدكتور شاكر عبدالحميد في كتابه "الفكاهة والضحك" هو السبب الأقرب لتفوق برنامج رامز على ما عداه من برامج المقالب، هو يختار ضحاياه بعناية، من الجميلات جداً، والأثرياء، وبعض الشخصيات التي تمتلك قدراً لا بأس به من الجدية والمكانة، حتى أنه جاء بشاروخان، وباريس هيلتون، وأنطونيو بانديراس وستيفن سيجال.. ثم يتعمد إهانتهم وجعلهم موضعاً للسخرية والاستهزاء بشكل يشفي بعضاً من الشعور بالنقص والضيق وعدم التحقق في نفوس المشاهدين، ربما لهذا حذر أفلاطون من الوقوع في فخ الضحك؛ لأنه لا يأتي -بحسبه- إلا نتيجة الحقد تجاه من هم أكثر قوة منا، أو مكانة، لكن رامز يلعب على هذه النقطة بنجاح فيأتيك بالجميع بين يديك ليخبرك "انظر كم هو هش!".
كم ثمن الإهانة؟
افتضح سر برامج رامز بالنسبة لي كلياً عبر تصريح شقيقه ياسر جلال بصحبة منى الشاذلي، حين سألته عن السر الذي يمنعه من الظهور مع شقيقه، ليجيب الشقيق الأكبر بمنتهى الصدق والوضوح، حيث لفت إلى أنه لا يتقاضى مقابلاً مادياً عن ظهوره في البرامج، في إشارة إلى الاتفاق المادي والمكتوب مسبقاً بين رامز وضيوفه، كما أكد "مش بظهر غير مع مذيعين محترمين"، في إشارة إضافية لمعرفة ضيوف رامز بطبيعة البرنامج ومذيعه.
ربما لهذا لم يبدِ أيٌّ من الضيوف استغراباً يُذكر، أو اعتراضاً حقيقياً على التغير المفاجئ للمذيع، حين تنسحب أروى ويظهر رامز، ولهذا أيضاً يختتم الجميع لقاءهم معه، رغم الإهانة المتعمدة، والتعذيب، بابتسامة وضحكة من القلب، وأحياناً حضن، ناهيك عن أن أحداً من ضحايا الحلقات حتى الآن لم يخرج ليعلن عن مقاضاة رامز أو حتى الاعتراض على ما حدث، لكن يبقى السؤال: كم يتقاضون مقابل الصمت؟
رقم مرعب طرحته الإعلامية الكويتية ميّ العيدان بشأن المبلغ الذي تقاضته ياسمين صبري لقاء الحلقة الخاصة بها مع رام جلال، حيث قالت في تغريدة لها إن ياسمين تقاضت قرابة المليوني دولار. رقم مقارب أشيع أن علي معلول تقاضاه وهو ثلاثة ملايين دولار، إلا أن الأخير خرج لينفي مؤكداً: "كنت اعتزلت كرة القدم".
الأكيد أن الأجور تتراوح بين العملتين المصرية والأمريكية، فيتقاضى بعض النجوم بالدولار مثل شاروخان الذي تقاضى 450 ألف دولار في الموسم الذي حمل عنوان "رامز تحت الأرض"، كذلك حصل الشاب خالد على 200 ألف دولار في نفس الموسم، فيما حصلت فيفي عبده على 350 ألف جنيه، ولا شك أن الأرقام هذا العام تتراوح في النطاق ذاته.
موتو بغيظكم.. عاش يا رامز
أيها المشاهد الغاضب: مُت بغيظك، فالقناة التي تذيع برنامجه ضربت بعرض الحائط كافة المطالبات والمناشدات والقرارات المناوئة لرامز، وأكدت عبر المتحدث الرسمي للقناة أن البرنامج "لون موجود في كل شبكات العالم"، وأنه لا تتم عرض أية حلقة إلا بموافقة الضيف، في إشارة إلى أن كافة الإجراءات التي اتخذها الجانب المصري سواء بمنع ظهور رامز عبر أي قنوات مصرية، أو بمحاولة مقاضاته لا تخصهم في شيء، فالبرنامج مستمر ولتزأر العاصفة.
الضيوف الذين تلقوا الإهانة راضون، وتوقيعاتهم الرسمية على الموافقة ببث الحلقات مدفوعة الثمن، ناهيك عن أننا كمشاهدين رغم غضبنا واشمئزازنا ورفضنا نواصل المشاهدة، لهذا راحت إم بي سي تباهي في بيان لها بالأرقام الخاصة بالمشاهدات عبر مواقع التواصل فقط والتي بلغ إجماليها 118 مليون مشاهدة، بينما تجاوز عدد مشاهَدات الإعلان الترويجي الخاص بالبرنامج على شبكات التواصل الاجتماعي المُختلفة نحو 34 مليون مُشاهدة حتى الآن!
يعجبني ثبات رامز وإصرار القناة وتغاضي الجمهور، تلك حالة متكاملة واستثنائية من العبث الذي يصر الجميع على استمراره، فالشخص الذي تنصبّ فوق رأسه اللعنات والعبارات الغاضبة تحظى الصفحة الخاصة به عبر موقع فيسبوك وحده بأكثر من 6 ملايين مشترك، كما أن له عدداً غير قليل من الصفحات التي تضم معجبين لقَّب بعضهم نفسه بـ"ألتراس رامز جلال"، ويوافق ضيوف بحجم مفيد فوزي على الظهور معه، كما روى في لقاء أخير له مؤكداً: "تم التواصل معي للمشاركة في برنامج رامز جلال هذا العام، قالوا لي هنديك الفلوس اللي أنت تطلبها، وتم تجهيز التأشيرة والتذكرة ولكن في نفس يوم سفري للبرنامج وجدت معد البرنامج يرسل لي رسالة نأسف بشدة لأن ظروف البرنامج قد توقفت وسوف نتصل بك لاحقاً".
لم يضحكني في تلك السلسلة العبثية سوى تعليق تامر أمين حين خرج لينتقد حلقات رامز هذا العام -بالرغم من ظهوره معه في موسم سابق- ليقول: "إنت كدا بتوصم المرض النفسي وبتسيء للمرضى النفسيين"، ثم عاد ليناقض نفسه ويصم المرض النفسي بنفسه: "مسمي البرنامج رامز مجنون رسمي بتثبتها على نفسك!".
مَن يدفع الحساب؟
وسط كل الجنون، لم أجد سوى نقطة عقل واحدة خرجت واضحة في بيان مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، والذي راح يفند الثمن الحقيقي المدفوع في هذا البرنامج: "وجدنا أن البرنامج يحمل كثيراً من العنف والتعذيب والسخرية والاستهانة بالضيوف والتلذذ بآلام الآخرين وممارسة التنمر عليهم وسط ضحكات مقدم البرنامج بما يتنافى مع آدمية الإنسان".
باختصار شديد تحول البرنامج إلى "بؤرة عدوى" تسيء إلى المرض النفسي، وتخلق سلوكاً عدوانياً لدى جمهور ضخم من الأطفال الذين يجلسون حول الموائد بصحبة عائلاتهم، والذين يفتخر رامز بأنهم القطاع الأكبر من جمهوره ومحبيه، عدوى تخبر المشاهد بشكل مباشر وغير مباشر بأن المكتسبات المادة تبرر قبول الذل والخضوع وتحقير النفس -الشتيمة مابتلزقش- ناهيك عن خفض الحساسية تجاه الممارسات العنيفة وإيجاد رابط شرطي بين التعذيب بالكهرباء أو الماء وبين المتعة والدعابة والضحك -لن أتعجب من الحوادث التي ستقع على غرار البرنامج عقب انقضاء رمضان أو حتى خلاله- باختصار أشد عمل رامز جلال ليس سوى "عدوى" أخرى تسهم في نشر السلوكيات المشينة والاضطرابات النفسية بمباركة جميع الأطراف، والخبر الحزين أن البيان العاقل من مستشفى الأمراض النفسية سيبقى نقطة ضعيفة غير مرئية وسط جمهور يصفق، ومنتج يدفع، وضيوف توافق، وكورس في الخلفية يؤكد ويصرخ: "عاش يا رامز".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.