من المؤكد أنَّ القارئ الكريم قد لاحظ من خلال هذا السرد القصير عن طفولة بلفوضيل أنَّ اللاعب الجزائري كان كثير الترحال في مرحلة تكوينه الرياضي، ولم يستقر ضمن مدرسة واحدة.
نعود إلى مرحلة تكوين بلفوضيل لنشير إلى أنه انضم لمركز نادي ليون، في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، بعد تألقه مع فريق أقل من 16 عاماً لنادي كليرمون فوت، بتسجيله لـ13 هدفاً في بداية موسم 2008-2009، فلم تتردد إدارة ليون في منحه عقداً شبه احترافي لمدة 4 سنوات، وإدراجه مباشرة في فريق الشباب لأقل من 18 عاماً، الذي قاده إلى الدور نصف النهائي لكأس فرنسا لنفس الفئة العمرية، بفضل تسجيله لـ7 أهداف في 6 مباريات.
وفي الموسم التالي (2009-2010) تمت ترقية بلفوضيل إلى الفريق الأول لليون، فشارك في أول مباراة له كلاعب محترف، يوم 22 أغسطس/آب 2009، أمام نادي أوكسير لحساب الدوري الفرنسي، وهو في الـ17 و8 أشهر من عمره، ثم دخل كلاعب بديل في الدقيقة الـ60 بمباراة فريقه أمام نادي أندرلخت البلجيكي في الدور الفاصل لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم، يوم 25 من نفس الشهر.
وفي ظل المنافسة الشديدة على المراكز الأساسية في خط هجوم نادي ليون اكتفى إسحاق بخوض 12 مباراة رسمية فقط في موسمين ونصف الموسم، ودون تسجيل أي هدف، ما جعله يغادر نحو نادي بولونيا الإيطالي في يناير/كانون الثاني 2012، على سبيل الإعارة، ثم الانتقال في صيف نفس السنة إلى نادي بارما الإيطالي، مقابل 2.5 مليون يورو.
وكسب بلفوضيل في موسم 2012-2013 ثقة مدرب بارما الإيطالي دونادوني، حيث شارك في 34 مباراة رسمية، سجل خلالها 8 أهداف وصنع 4 تمريرات حاسمة، وهو ما جذب اهتمام الأندية الإيطالية الكبيرة، على غرار إنتر ميلان الذي تعاقد معه بعد نهاية الموسم لمدة 5 سنوات مقابل 10 ملايين يورو.
صراع مع إيكاردي
وهنا نصل إلى صلب الموضوع، وإلى أحد أهم المنعطفات الحاسمة في المشوار الرياضي لإسحاق بلفوضيل، وهي القصة التي تكشف عن كواليس الصعوبات والعراقيل التي تعترض اللاعب في ناد من الأندية الكبيرة، والتي تؤثر لاحقاً على مساره الاحترافي وتمنعه من إبراز كل طاقاته وإمكانياته الحقيقية.
فقد غادر بلفوضيل إنتر ميلان بعد 6 أشهر فقط من انضمامه إليه، حيث اكتفى بالمشاركة في 10 مباريات رسمية، سجل خلالها هدفاً واحداً فقط، قبل أن يرحل على سبيل الإعارة إلى نادي ليفورنو الإيطالي، في يناير/كانون الثاني 2014.
ويعود سبب فشل التجربة القصيرة لبلفوضيل في إنتر ميلان إلى المنافسة الشديدة التي وجدها من طرف النجم الأرجنتيني ماورو إيكاردي على المركز الأساسي في الخط الأمامي للفريق، وهو الفشل الذي أرجعه زميله السابق في الإنتر، ومواطنه سفير تايدر إلى أمور خارجة عن الإطار الرياضي.
ويرى تايدر أنَّ إسحاق كان ولا يزال أفضل بكثير من إيكاردي، لكن لم تمنح له الفرصة لإظهار كل إمكاناته، حيث قال سفير في تصريحات لموقع "باسيوني إنتر" الإيطالي، الأسبوع الماضي: "لا أقول هذا الكلام لأن بلفوضيل هو ابن بلدي، لكنني أعتقد أنّه كان يمتلك قدرات أفضل من إيكاردي من الجانبين الفني والبدني" .
وأضاف: "أخذ كل منهما خياراً مختلفاً، وكما تعلمون في كرة القدم تدخل عوامل أخرى بعيدة عن الميدان. وبحسب رأيي فإن بلفوضيل أفضل من ماورو حتى في الوقت الحالي".
وتابع تايدر قائلاً: "لا يمكننا تفسير الأمر بمشاكل سيكولوجية، إسحاق قوي جداً من الناحية الذهنية، لكن في رياضة كرة القدم ليس شرطاً أن تكون الأفضل لتذهب بعيداً في مشوارك، لكن لا أنكر أن إيكاردي قد تألق كثيراً وقام بأشياء خارقة مع الإنتر".
لكن ما لم يقله تايدر علناً وقد يكون أشار إليه بتلميحات من خلال حديثه عن "عوامل أخرى بعيدة عن الميدان" هو معاناة إسحاق بلفوضيل من "اللوبي" الأرجنتيني الذي كان سائداً أو "مُتسيداً" في إنتر ميلان في ذلك الوقت، والمتشكل من قائد الفريق المدافع خافيير زانيتي والمهاجمين دييغو ميليتو وماورو إيكاردي والجناح رودريغو بالاسيو.
ويعتبر زانيتي بمثابة ابن فريق إنتر ميلان وأسطورته الحية، وقد أصبح بعد اعتزاله لعبَ الكرةِ في صيف 2014 نائباً لرئيس نادي إنتر ميلان، حيث لا يزال يشغل نفس المنصب إلى الآن، ما يؤكد الكاريزما والتأثير الكبير الذي يملكه داخل أسوار النادي الإيطالي العريق وفي محيطه.
كان يدور في الكواليس في ذلك الوقت أنّ زانيتي وزملاءه الأرجنتينيين في إنتر ميلان كانوا يمارسون الضغط على الجهاز الفني لإنتر ميلان، بقيادة والتر ماتزاري، للاعتماد على إيكاردي بدلاً من بلفوضيل في مركز المهاجم الحقيقي، وحتى في حالة مشاركة الجزائري إسحاق في المباريات فإنّه كان يجد نفسه معزولاً ولا يتلقى الكثير من الكرات.
قد يكون هذا هو السبب في فشل بلفوضيل مع إنتر ميلان، والذي جعله يتسرع بطلب الرحيل وينتقل إلى فريق ليفورنو الصغير الذي لم يساعده على التألق، ثم يقرر العودة إلى نادي بارما في موسم 2014-2015، فيجد مشكلاً آخر وهو معاناة النادي من أزمة مالية خانقة أدت بالاتحاد الإيطالي لكرة القدم لإنزاله إلى دوري الدرجة الرابعة، ما جعل المهاجم الجزائري ينتقل إلى نادي بني ياس الإماراتي، بحثاً عن تحسين وضعيته المادية.
واستعاد بلفوضيل حسه التهديفي في الدوري الإماراتي، حيث سجل 11 هدفاً في 26 مباراة رسمية في موسم 2015-2016، ليقرر بعدها العودة إلى أوروبا من بوابة نادي ستاندار لياج البلجيكي الذي استقر معه لمدة موسمين، سجل خلالهما 17 هدفاً وصنع 6 أهداف أخرى في 40 مباراة رسمية.
وتواصل ترحال "ابن بطوطة" عصره، فغادر بلجيكا في صيف 2017 نحو ألمانيا، حيث انضم بلفوضيل لنادي فيردر بريمن لموسمٍ واحدٍ على سبيل الإعارة، ثم في الصيف الموالي لنادي هوفنهايم، الذي تعاقد معه لمدة أربع سنوات في صفقة بلغت قيمتها 5.5 مليون يورو.
قصة غريبة مع هوفنهايم الألماني
وبدأت في يونيو/حزيران 2018 قصة بلفوضيل مع نادي هوفنهايم، وهي قصة غريبة مليئة بالتقلبات التي لم تنته حتى الآن.
فبعدما بدأ بلفوضيل موسم 2018-2019 بشكلٍ متعثرٍ استعاد توازنه من جولة إلى أخرى، ما سمح له بتسجيل 17 هدفاً في 28 مباراة رسمية، من بينها هدف واحد في مرمى مانشستر سيتي الإنجليزي، بدوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وذلك قبل أن يتعرض لإصابة خطيرة على مستوى الركبة في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي، أنهت موسمه المتألق مبكراً وحرمته من المشاركة مع المنتخب الجزائري في نهائيات كأس أمم إفريقيا الأخيرة، التي احتضنتها مصر في صيف 2019، وتُوّج بلقبها فريق "محاربي الصحراء".
وعند بداية الموسم الحالي (2019-2020) شارك بلفوضيل في 5 مباريات، قبل أن يكتشف أنه لم يتعاف من إصابته بالركبة، فيضطر لإجراء عملية جراحية، أبعدته عن الميادين طيلة الموسم مع احتمال عودته إلى الميادين، في نهاية شهر مايو/أيار الجاري، في حال استئناف النشاط الرياضي بألمانيا وفق تدابير البلاد في الوقاية من انتشار وباء كورونا.
ولكن من المؤكد أنه حتى في حال عودة إسحاق إلى المنافسة رفقة هوفنهايم قبل نهاية الموسم الحالي فإنّه من المحتمل جداً أن يغادر النادي في الميركاتو القادم، بعدما دخل في صراع علني مع إدارة الفريق، عندما صرّح في شهر مارس/آذار الماضي، أنَّ النادي قد عرَّض مشواره الرياضي للخطر عندما ما طلب منه تفادي إجراء العملية الجراحية عند تعرضه للإصابة في العام الماضي.
قصة بلفوضيل مع هوفنهايم لم تنتهِ بعد، مثلما لم تنتهِ أيضاً قصة كثرة ترحاله من نادٍ الى آخر، حيث نتمنى أن يحطّ الرحال هذه المرة ضمن نادٍ أوروبي كبير يحسن استغلال إمكاناته الحقيقية، ليعطي بذلك الدليل لمواطنه سفير تايدر على أنه أفضل من ماورو إيكاردي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.