منذ 2017 أصبح النظام الرئاسي هو النظام الذي يحكم تركيا بدلاً من النظام البرلماني، وقد تكرس تطبيق النظام مع فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بانتخابات يونيو/حزيران 2018.
كان حكم حزب العدالة والتنمية منذ 2002 يتميز بالعمل على منع تدخل الجيش في السياسة والعمل على الحد من نفوذ الجيش وأن يبقى دائماً تحت هيئة مدنية، وبالتالي أثر هذا الأمر على منح قطاعات الدولة المدنية مثل الصحة والمواصلات ميزانيات كبيرة بعكس دول أخرى التي يستأثر الجيش بميزانياتها، على حساب القطاعات الأخرى، مما جعل حزب العدالة والتنمية مميزاً في تطوير القطاع الصحي وقطاع المواصلات في البلد بشكل كاف، واليوم يستعين حزب العدالة في مواجهة أزمة كورونا بهذه الإمكانات التي استثمر بها خلال السنوات السابقة. وتدير هذه الأزمة مؤسسة الرئاسة التي على رأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ومع ذلك لم تقصر حكومة حزب العدالة والتنمية مع الشق الدفاعي، وخاصة في مجال التصنيع العسكري، حيث ارتقت به لدرجات مرموقة، خاصة في مجال طائرات بدون طيار التي أحدثت تفوقاً كبيراً في عملية نبع السلام الأخيرة في إدلب.
خلال الشهر الماضي قامت شركة متروبول التركية للاستطلاعات بإجراء استطلاع لشعبية القيادة التركية خلال شهر مارس/آذار 2020، وقد كان هناك نتائج مهمة جديرة بالملاحظة توصل إليها الاستطلاع حول شعبية الرئيس أردوغان وخاصة لدى أوساط ناخبي الأحزاب المعارضة. وتعتبر هذه الملاحظات مهمة، خاصة أن حزب العدالة والتنمية قد خسر السنة الماضية في الانتخابات البلدية بعض البلديات المهمة مثل أنقرة وإسطنبول. مما أحدث شعوراً بالقلق لدى محبي الحزب ومؤيديه خشية من أفول تجربته أو تراجعه بشدة أمام الزخم الذي حققته المعارضة في الانتخابات البلدية.
وقد كانت أبرز نتائج الاستطلاع هي نتيجة الإجابة على سؤال هل تؤيد أسلوب قيام رجب طيب أردوغان بمهامه كرئيس جمهورية؟ حيث قال 55.8% إنهم يؤيدون الرئيس أردوغان فيما قال 41.1% إنهم لا يؤيدون طريقة قيام الرئيس بمهامه. وتعتبر هذه النتيجة مهمة جداً خاصة أن أردوغان حصل على قرابة 53% في الانتخابات الأخيرة في 2018 وهذا يشير إلى ارتفاع بحوالي 3% في نسبة تأييد الرئيس أردوغان، وهي نسبة مهمة بالنظر إلى تأسيس أحزاب جديدة انبثقت من حزب العدالة والتنمية، مثل حزب المستقبل الذي أنشأه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وحزب دواء الذي أنشأه وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان.
لعل اللافت للانتباه في نتائج شركة متروبول هي المقارنة بين آراء ناخبي الأحزاب المعارضة في فبراير/شباط 2020 ومارس/آذار 2020، ومع أن دعم أردوغان داخل ناخبي حزبه قد ارتفع من 86.1% إلى 92.6% فقد كان واضحاً ارتفاع الدعم له لدى ناخبي الحركة القومية من 60.9% إلى 73.3% وقد يكون هذا منطقياً لأن حزب الحركة القومية حليف لأردوغان، ولكن الأبرز هنا ارتفاع الدعم لأردوغان من ناخبي حزب الشعب الجمهوري من 4.3% إلى 19.6% وناخبي الحزب الجيد من 9.7% إلى 23.8%.
ويشير الكاتب التركي عبدالقادر سلفي الذي كان أول من سلط الضوء على نتائج استطلاع متروبول في مقال له في صحيفة حرييت إلى أن على حزب العدالة والتنمية الاهتمام بالناخب الكردي، لأن دعمه للرئيس أردوغان في شهر مارس/آذار وفق الاستطلاع وصل إلى 25.8%.
يرى كثير من الخبراء أن هذا التأييد المتزايد للرئيس أردوغان مرتبط بطريقة إدارة الدولة لأزمة فيروس كورونا، حيث قامت بتدابير مبكرة وافتخرت الدولة التركية ببنيتها الصحية، وبنقل مواطنيها من الدول الموبوءة بطريقة لائقة، وبإجراءات التعليم عن بعد، وتميز البلد عموماً عن البلدان الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وخاصة إيطاليا وإسبانيا. وبإنشائها المجلس العلمي، وربما يأتي في هذا السياق تزايد شعبية وزير الصحة التركي فخر الدين كوجا.
وعلى كل، قد يكون صحيحاً أن تزايد شعبية أردوغان جاء بسبب إدارة ملف كورونا بنجاح، ولكن لأن الأزمة مازلت متفاعلة ولم يتم تقييمها بشكل شامل فإن التأثير المتراكم لملفات أخرى حصلت منذ بداية العام الجديد ما زال حاضراً مثل العملية في سوريا والاتفاق مع ليبيا وعثرات المعارضة.
وهنا نذكر أن تأثير موقف التركي خلال العمليات الأخيرة في سوريا وقيام الجيش التركي بردع قوات نظام الأسد وتحدي روسيا نسبياً كان له أثر تراكمي على هذا التزايد في إيجابية نظرة الرأي العام لقيادته، وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان. حيث منعت تركيا حتى الآن روسيا والنظام من استعادة إدلب. بالرغم من أن الأرقام تقول إن نسبة التأييد في فترة عملية نبع السلام كانت حوالي 48% ولكن هناك اعتقاد بأن ما تلا ذلك من تداعيات مرتبط بالأداء التركي في سوريا وفي مواقف داخلية وخارجية أخرى.
ويرتبط الارتفاع في الشعبية هذه أيضاً بالأداء السلبي لرؤساء بلديات المعارضة سواء في أنقرة أو في إسطنبول.
وقد رأينا أمثلة من هذا بتقليل أعداد الباصات مما رفع من عدد الركاب فيها بدلاً من تقليل العدد، كما قامت البلديات ببيع مواد غذائية لكبار السن عبر توصيلها للبيوت بقيمة سعرية أكبر من قيمتها الحقيقية بما يعادل الضعف تقريباً. أو امتناع بلدية إسطنبول عن تنفيذ طريق فرعي مؤدٍّ لمستشفى ايكتللي الجديد، الذي ينظر إليه على أنه أحد أكبر إنجازات الحكومة ووزارة الصحة في إسطنبول.
بالإضافة إلى جهود تركيا في الاتفاق مع حكومة الوفاق الليبية التي كسبت فيها تركيا مساحات بحرية أكبر، كما قطعت الطريق على الاتفاق البحري بين إسرائيل وقبرص واليونان، الذي يستبعد تركيا.
ولا تعد نسبة 55.8% هي أعلى نسبة تأييد لأردوغان في أوقات الأزمات فقد وصلت نسبة التأييد، كما تشير نتائج نفس الشركة، إلى وصول نسبة التأييد بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز 2016 إلى 67.6%. ووصلت إلى 71% في ظل مواجهة أردوغان مع جماعة غولن في 2013.
تمر تركيا بأزمة كورونا، وقد يكون لهذه الأزمة تداعيات كبيرة على السياسة الداخلية في تركيا، وقد رأينا ما حدث مع وزيري الداخلية والمواصلات، كما أن الأزمة تؤثر على حياة كل إنسان اجتماعياً وفي كل تفاصيل الحياة تقريباً، وبالتالي فإن القائد الذي سيحظى بتقدير وإعجاب المواطنين من خلال أدائه ونشاطه سيحصل على الدعم الانتخابي في أي سباق قادم، ويبدو أردوغان متقدماً على المعارضة حتى الآن. ولكن تبقى أمامه معضلة التراجع الاقتصادي، التي ستبدأ آثاره بالظهور بعد أسابيع قليلة بشكل أكبر.
ومن الأرقام والنسب الجديرة بالذكر التي أعلنتها الشركة هي أن الفئات التي حظيت بثقة أكبر لدى الرأي العام التركي في استطلاع مارس/آذار 2020 هي على الترتيب: الأطباء، والأطباء الاستشاريون، العلماء، الجيش، علماء الدين، السياسيون المنتخبون من الشعب، رجال الأعمال، الإعلاميون.
أما فيما يخص الاقتصاد فقد قال حوالي 73% من المستطلعة آراؤهم إن الاقتصاد سيتأثر سلباً بسبب أزمة كورونا مما يشير لنظرة تشاؤمية بخصوص مستقبل الاقتصاد.
ناقشنا في هذا المقال النتائج التي أعلن عنها من استطلاع شركة متروبول في الجزئية المتعلقة بتأييد الرئيس أردوغان ونسب تأييده المختلفة من ناخبي الأحزاب الأخرى، وسوف نناقش في مقال قادم مع الإعلان عن بقية نتائج الاستطلاع ملفات أخرى تناولها الاستطلاع وبقيت مغلقة حتى الآن، مثل تأثير كورونا على الاقتصاد والحياة الاجتماعية التركية والثقة في القطاع الصحي، إضافة إلى أهم المشاكل التي تعيشها تركيا حالياً من وجهة نظر المواطن التركي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.