إذا كانت معاداة السامية هي أقدم قضايا الكراهية في العالم، فربما تعتبر "الإسلاموفوبيا" أكثرها غرابة.
وإلا فكيف نفسر حقيقة استغلال اليمين المتطرف جائحة فيروس كورونا المستجد ذات الأبعاد العالمية والتاريخية، والذي يصيب البشر في كل بلد وإقليم من مشارق الأرض إلى مغاربها، من أجل الهجوم على الإسلام والمسلمين؟
في الهند، على سبيل المثال، أطلق مناصرو حكومة حزب بهاراتيا جاناتا اليميني على انتشار الفيروس "جهاد كورونا"، وزعموا أن الوباء مؤامرة من المسلمين لإصابة وتسميم الهندوس. وأرجعت الحكومة نفسها إصابة نحو ثُلث حالات كوفيد-19 المؤكدة في الهند إلى تجمُّع عقدته جماعة إسلامية محافظة في دلهي تُعرف بـ"جماعة التبليغ"، ووصفها أحد أعضاء الحزب بـ"الجريمة الطالبانية". وكما ذكرت صحيفة The Guardian: "يشهد المسلمون الآن مقاطعة أعمالهم في جميع أنحاء الهند، ويُطلق عليهم المتطوعون في توزيع المؤن الغذائية (إرهابيو فيروس كورونا)، ويتهمهم آخرون بالبصق في الطعام وتلويث مصادر المياه بالفيروس. وظهرت ملصقات تمنع المسلمين من دخول أحياء معينة في ولايات مثل دلهي وكارناتاكا وتيلانجانا وماديا براديش". وهناك تقارير عن تعرُّض مسلمي الهند للهجوم والضرب والقتل.
هل كان تصرف "جماعة التبليغ" ينمُّ عن تهور وعدم المسؤولية؟ نعم. هل من المفترض أن يتحمل مسؤولية أفعالهم أكثر من 200 مليون مسلم في الهند؟ لا. كتبت المحققة الصحفية رنا أيوب في صحيفة Washington Post: "بين عشية وضحاها، أصبح المسلمون هم المذنبين الوحيدين المسؤولين عن انتشار فيروس كورونا في الهند".
ولكن الأمر لم يقتصر على السياسيين القوميين أو الغوغاء المتعصبين، بل انضمت الصحافة المحترمة في البلاد إلى تلك الحملة ضد المسلمين. إذ نشرت صحيفة The Hindu ذات الميول اليسارية رسماً كارتونياً يُظهر العالم بصورة رهينة محتجزة لدى فيروس كورونا، الذي يظهر في الصورة مرتدياً زيّاً إسلاميّاً. (اعتذرت الصحيفة لاحقاً عن قرارها "غير المقصود إطلاقاً" ربط الأزمة بالإرهاب الإسلامي، واستخدمت صورة أخرى أكثر حيادية).
وعرضت القناة الإخبارية India Today التي تعمل على مدار الساعة تحقيقاً سرياً عمّا سمته مدرسة البؤرة، حيث تشير المزاعم إلى أنها نقطة انتشار الفيروس، ونشرت أيضاً رسماً بيانياً عن أعداد الحالات المرتبطة بـ"جماعة التبليغ" على صورة قبعة الصلاة الإسلامية. وردَّت الناشطة اليسارية كافيتا كريشنان في مقطع فيديو لاقى انتشاراً كبيراً: "هذه ليست صحافة، هذا نشر للكراهية. سوف يذكُركم التاريخ ويحكم عليكم".
إنها مُحقة. في بلدي بريطانيا، تعمل قوات مكافحة الإرهاب على "التحقيق بشأن الجماعات اليمينية التي تحاول استغلال أزمة فيروس كورونا من أجل إثارة مشاعر الكراهية ضد المسلمين"، وفقاً لتقرير حديث نشرته صحيفة The Guardian.
وتلقت تلك الجماعات المتطرفة مساعدة شخصيات يمينية بارزة، مثل الإعلامية الإذاعية السابقة كاتي هوبكنز، التي اقترحت ضرورة أن تعتدي الشرطة البريطانية جسدياً على أي مسلم يصلي في الأماكن العامة، وتومي روبنسون مؤسس رابطة الدفاع الإنجليزية، الذي شارك مقطع فيديو يزعم من خلاله إقامة مسلمين بريطانيين للصلاة في "مسجد سري"، وهو الفيديو الذي رفضته السلطات التنفيذية وفضحت زيفه.
ووثقت منظمة Tell Mama، المعنيَّة بمراقبة جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا، عديداً من الأمثلة على حوادث التحرش والمضايقة التي تعرض لها المسلمون خلال الأسابيع الأخيرة، من بينها امرأة مسلمة ترتدي الحجاب في جنوب لندن، قالت إن رجلاً اقترب منها "ودنا إلى وجهها" وسعل، زاعماً أنه مصاب بفيروس كورونا، ووجَّه إليها أيضاً سيلاً من الإساءات العنصرية.
وكما هو الحال في الهند، لم يقتصر استخدام ذريعة الوباء لإثارة نيران التعصب ضد المسلمين على الشخصيات اليمينية؛ بل المنافذ الإعلامية العامة أيضاً. في تغريدة نُشرت يوم 23 مارس/آذار 2020، نشر حساب مجلة The Economist خبراً عن جزر المالديف بعنوان: "وصول كوفيد-19 كان متوقعاً، انتشار الإسلام الراديكالي كان أكثر مفاجأة".
ثم تراجعت المجلة وحذفت التغريدة، ولكن دون أن تحذف الخبر نفسه.
وفي الوقت نفسه، حاول صحفيون بارزون في بريطانيا وفرنسا استغلال اقتراب شهر رمضان للتخويف من خرق المسلمين في الغرب قواعد وتوجيهات التباعد الاجتماعي ونشر الفيروس، على الرغم من عدم وجود أي دليل يشير إلى نية أو تأييد المسلمين ببريطانيا أو فرنسا عدم الالتزام بالقواعد أو التخطيط لإعادة افتتاح المساجد. (بينما قالت امرأة مسيحية، وليست مسلمة، لشبكة CNN، إنها سوف تتحدى إرشادات التباعد الاجتماعي وتحاول حضور تجمُّع ديني، لأنها محمية بالدم المقدس!).
وفي الولايات المتحدة أيضاً، يعمل التيار اليميني على التعبئة ومحاولة استغلال أزمة فيروس كورونا لنشر الكراهية والعنف. في شهر مارس/آذار، تمكنت القوات الفيدرالية من استهداف المتطرف المناهض للحكومة تيموثي ويلسون بإصابات قاتلة عندما كان يخطط لتفجير مستشفى كانساس "الذي يوفر خدمات الرعاية الحرجة خلال أزمة جائحة فيروس كورونا الحالية". وكان تيموثي قد خطط من قبل لمهاجمة "المراكز الإسلامية"، من بين أهداف أخرى.
وقال مسؤولو الأمن الداخلي إنه "لم يكن عملاً فردياً"، وقالوا إن جماعات "النازيين الجدد" تشجع أنصارها على "بث الفزع بين الناس في أثناء العزلة الاجتماعية خلال تفشي فيروس كوفيد-19، وذلك عن طريق إطلاق الأعيرة النارية في المدن والتصويب على نوافذ السيارات".
ومجدداً، كما هو الحال في بريطانيا والهند، تتلقى تلك الجماعات دعماً وتشجيعاً من الشخصيات الإعلامية المعروفة بالتوجه اليميني المحافظ. كتب المؤلف والمقدم الإذاعي نيل بورتز على تويتر لمتابعيه البالغ عددهم أكثر من 200.000 متابع: "هل تعتقدون أن وباء كوفيد-19 سيئ؟ انتظروا حتى يصل تعداد المسلمين إلى الكتلة الحرجة في أمريكا. عندها سوف نتطلع بحنين إلى الأيام الخوالي التي نعيشها الآن".
ولم يكن هناك أبلغ من رد جوهانا بويان، مراسلة صحيفة Los Angeles Times، على حماقة بورتز:
المفارقة الكبرى هي محاولات المتعصبين المعادين للإسلام استخدام أزمة فيروس كورونا لتشويه وشيطنة المسلمين، في حين لم تكشف الأزمة إلا عن مدى حماقتهم وسخافتهم.
كانت حكومتا فرنسا والنمسا أقرّتا تجريم ارتداء أقنعة الوجه، في عامي 2011 و2017 على الترتيب، وذلك لاستهداف ومنع ارتداء النقاب الإسلامي. واليوم، تدعو الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا إلى جعل ارتداء أقنعة الوجه إلزامياً على أي شخص يغادر منزله، في حين جعلت الحكومة النمساوية ارتداء أقنعة الوجه أمراً إلزامياً على أي شخص يدخل إلى متجر أو محل بقالة.
في عام 2018، أصرت الحكومة الدنماركية على أن يتصافح المواطنون الجدد خلال مراسم التجنيس، وهي الخطوة التي ذكرت صحيفة New York Times في ذلك الوقت، أنها "تستهدف المسلمين الذين يرفضون مصافحة الجنس الآخر لأسباب دينية".
لذا قد تفترض أن الحكومة الدنماركية ألغت تلك المصافحة الإلزامية الآن، إلا أن ذلك غير صحيح. وفقاً لصحيفة New York Times: "طلبت الحكومة في الدنمارك من المحافظين تعليق مراسم التجنيس، من دون التخلّي عن شرط المصافحة لمن أرادوا أن يصبحوا مواطنين دنماركيين".
قد ننجح في التغلب على فيروس كوفيد-19 خلال الأشهر المقبلة، ولكننا سوف نحتاج وقتاً طويلاً جداً حتى نتمكن من التغلب على أمراض "الإسلاموفوبيا".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Intercept الأمريكي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.