في نهاية شهر مارس/آذار، صدر قرار من رئاسة الجمهورية التركية يقضي بإقالة وزير المواصلات والبنية التحتية محمد جاهد طورهان، وتعيين مساعده عادل قره إسماعيل أوغلو خلفاً له. وقد جاءت الإقالة في منتصف الليل، ومن المرجح أن سبب الإقالة كان مرتبطاً بتعامل الوزير مع قضايا مهمة متعلقة بإدارة فيروس كورونا، حيث كانت الرئاسة قد أعلنت قبل ذلك بوقت قصير قرار منع التنقل بين المدن التركية، كما كانت هناك إشكالية بين بلدية إسطنبول ووزارة المواصلات، بعد عدم تمكن البلدية من إنشاء طريق يؤدي لمستشفى مهم سوف يتم افتتاحه هذا الشهر في منطقة بشاكشهير في إسطنبول، وسيكون من أكبر مشافيها، وقد استمرت عملية إنشائه لسنوات.
لقد أقيل الوزير وتم تعيين وزير جديد، ولم يُسلّط الضوء بقوة على هذا الموضوع، حتى إن أحد نواب البرلمان المعارضين انتقد في كلمة له، أن وزير المواصلات الجديد لم يأتِ للبرلمان لأداء اليمين أمام البرلمان، معتبراً أن ذلك أمر لا يليق. لكن يبدو أن النائب لم يكن على علم أن الوزير كان جاء قبل كلمته وأدى اليمين أمام البرلمان، ما جعل النائب في وضع حرج.
لكن تقديم وزير الداخلية سليمان صويلو لاستقالته مساء الأحد، 12 أبريل/نيسان الجاري، لقي اهتماماً كبيراً من الرأي العام الداخلي والخارجي، وربما يكون على سبيل المزاح، لكن الرأي العام التركي والشاشات التركية توقفت عن متابعة تداعيات فيروس كورونا مساء الأحد لقرابة ساعتين، قبل أن يقطع الرئيس أردوغان الشك باليقين ويعلن أن الاستقالة غير مناسبة، وأن الوزير سيبقى على رأس عمله.
بالرغم من محاولة ربط تقديم الوزير لاستقالته بخلافات سابقة داخل الحكومة أو الحزب، إلا أنه من المرجح أن السبب المباشر لاستقالة الوزير صويلو هو الانتقادات التي وُجهت له بسبب وقوفه وراء قرار منع التجوال في 31 مدينة تركية، حيث هرع قرابة 250 ألف مواطن تركي للبقالات والمخابز خلال آخر ساعتين قبل الإغلاق، وهي المدة التي وضعتها وزارة الداخلية حتى تسمح لمن هم خارج بيوتهم بالعودة إليها في غضون ساعتين، لكن هذه الأحداث وتجمع الناس في المخابز والبقالات شكلت مشهداً تم انتقاده من الجهات الصحية ومن وزير الصحة نفسه، ولذلك قال الوزير صويلو في رسالة استقالته: "كان من الواجب ألا أسمح بحدوث مشاهد كهذه في هذا الحدث الذي أتحمل مسؤوليته، كانت خطوة عن حسن نية لوقف انتشار الوباء ولو قليلاً خلال نهاية الأسبوع". "وأطلب الصفح من شعبنا العزيز، ومن السيد الرئيس، الذي سأبقى وفيّاً له حتى آخر عمري".
بعد إعلان خبر تقديم الوزير لاستقالته سارع كثيرون، صحفيون ونشطاء ومواطنون، إلى دعوة الرئيس إلى عدم قبول الاستقالة، خاصة أن الوزير من أكفأ الوزراء الذين تقلدوا منصب وزير الداخلية، وله إنجازات كبيرة في محاربة الإرهاب في الداخل، كما أن أغلب من ينتمون للفكر القومي في تركيا يؤيدون وزير الداخلية سليمان صويلو، وهو ما خلق حالة تضامن كبيرة مع الوزير.
خلال تغطية خبر استقالة الوزير ربط كثيرون الخبر بخلافات سابقة بين الوزير صويلو ووزير المالية بيرات البيرق، الذي يعتبر من الشخصيات المؤثرة في الحكومة، لكن لا يرجح أن الاستقالة مرتبطة بهذا الخلاف، وإنما مرتبطة بالحدث نفسه، لكن لا يعني هذا عدم وجود منافسات بين مراكز القوى المختلفة داخل الحكومة. يذكر أن صويلو كان قد قدم استقالته مرتين قبل هذه المرة، إحداها في حكومة أحمد داود أوغلو الأخيرة، عندما كان وزيراً للعمل والضمان الاجتماعي.
وكان صويلو قد أخبر الصحفي التركي الشهير أحمد هاكان، في اتصال بينهما قبل يوم من الاستقالة، أنه تلقى انتقادات وإهانات أيضاً بعد قرار حظر التجول نهاية الأسبوع، وأنه يتحمل المسؤولية عن ذلك. وأضاف هاكان، وكأن الانتقادات من داخل الحزب له كان "مبالغاً فيها أكثر من اللازم"، وبالرغم من ذلك قال هاكان إنه لم يتوقع أن يصل الأمر بالوزير إلى تقديم الاستقالة، بالرغم من أنه كان متضايقاً جداً. ويرى الصحفي المخضرم أن القرار برأيه اتُّخذ بسرعة، دون النظر للتداعيات، وأنه اتخذ بسياق شعوري.
وبالتأكيد فإن هذين المحددين للقرار مهمان لنقض وجود خطة وراء استقالة الوزير، وإن الأمر ليس مسرحية لشيء آخر.
كما أن الصحفية التركية هاندة فرات أشارت في مقال لها في صحيفة "حرييت"، أن مشادة حصلت بين وزير الصحة فخر الدين كوجا، ووزير الداخلية سليمان صويلو، على خلفية قيام الأخير بتنفيذ حظر التجول في 31 مدينة، وكان الوزير قد أخبر الرئيس أردوغان برغبته في الاستقالة، إلا أن الرئيس دعاه للصبر وطلب منه مواصلة عمله، ولكن الوزير على ما يبدو شعر بأن أحداً من الوزراء لم يقف معه، وبالتالي يبدو أنه كان مصمماً على الاستقالة، ما جعله يعطي تعليمات لأحد معاونيه بكتابة رسالة الاستقالة وإعلانها، وقام بإغلاق هواتفه. ولكن الكلمة الأخيرة كانت للرئيس أردوغان، الذي قدر ماضي الوزير واجتهاده، وبالتأكيد خطوة مثل استقالة وزير الداخلية بهذه الطريقة سيكون لها تداعيات على صورة الحكومة والحزب الحاكم، في ظل أزمة كورنا الذي تعيش البلد مواجهة معه.
لقد كان لافتاً أن حزب الحركة القومية كان دائماً ما يدعم وجود صويلو في الحكومة، وقد دعا رئيس الحركة القومية الرئيس التركي لعدم قبول استقالة صويلو وإبقائه في الحكومة، وبعد قرار الرئيس أشادت الحركة القومية بقرار الرئيس بإبقاء صويلو. وخرج الكثير من المواطنين على شرفات منازلهم ليلة القرار، للاحتفال ببقاء صويلو في الوزارة، وهو ما أظهر شعبية كبيرة للوزير صويلو.
فيما انتقد العديد من الأتراك إقدام صويلو على الاستقالة في ظل الأزمة، إلا أن الدعم الشعبي الذي حصل عليه كان بارزاً، ولعل جو أزمة كورونا الحالية فرض نفسه على إنهاء قضية الاستقالة برفضها، وإتمام الوزير لعمله.
وبالتأكيد هناك حسابات أخرى لدى الرئيس للمحافظة على شمل الحزب، منعاً لامتداد تداعيات الاستقالة إلى ما أبعد من الحزب. ولكن هذه الأزمة الصغيرة أقلقت المعارضة بقدر ما أقلقت المحبين لحزب العدالة والتنمية، فالمعارضة التي كانت تؤمل نفسها بمرحلة ما بعد أردوغان ها هي تجد شخصيات أخرى من نفس الإطار لها كاريزما وسند شعبي كبير. وعلى كل حال سيبقى أن ننتظر بعد أزمة كورونا لنرى هل سيكون لهذه القضية امتدادات أخرى أم لا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.