موجة انتقادات طالت الدكتور أحمد نوفل منذ فترة قصيرة بعد تداول مقطع يُظهره وهو يرفض أحد مشاهد رحلة الإسراء والمعراج، وهو في حقيقة الأمر -كما قال نوفل مراراً في حلقاته التي تملأ الشاشات والمواقع- نَبْذٌ للإسرائيليات التي دخلت على كتب التفسير وكتب الحديث، قد لا أكون مخولاً بسرد ما قاله الشيخ على نحو شرعي، فهو ليس من اختصاصي، وفي المقابل لن أكون كمن أنكر على الدكتور دون برهان ودون حجة، بل ونال من شخصه دون علم ولا معرفة بعلوم الشرع، بل إن البعض اتهمه غلواً بإنكار السنّة الشريفة، هنا سألقي الضوء على جانب مهم، وهو هدم القدوات الحاصل في بلادنا العربية، ولكن كيف؟
برز د. نوفل كأحد أبرز المفسرين للقرآن الكريم في العصر الحديث، وهو في الأصل يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر في علوم التفسير، كما أنه ظهر على نحو يربط الآيات وما جاء في سيرة النبي الكريم بالواقع الذي نعيشه، وهنا مفترق طريق يفترق عنده نوفل مع غيره ممّن تصدّروا الشاشات؛ حيث برز نوفل في نقده المباشر للأنظمة التي رآها مستبدة، كما أنه أنكر عليها المهادنة (أي الأنظمة) غير المشروطة التي تصل في بعض الأحيان حد التحالف مع إسرائيل، وما يرافقه من تضييع لحق فلسطين وشعب فلسطين في الأرض والمقدسات، هذا سبَّبَ لنوفل مشاكل، لحد منعه من زيارة عديد من الدول العربية وغير العربية.
على الضفة الأخرى وجدنا شيوخاً مسالمين بنقدهم، لا يتوجهون للأنظمة إلا بالدعاء نحو صلاح أمرها، أما سهامهم الحادة فتتوجه نحو الشعوب، على اعتبارهم عصاة، وأن ما يجري لهم غضبٌ من الله، وينبغي عليهم دوماً التوجه إليه حتى يغفر لهم ويخفف عنهم، وهنا لا خلاف على قيمة الدعاء كعبادة فضلى نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، ولكنه إنكار للتغاضي عن أوجاع الضحية ومطالبتها بتحمل ألم جراحها جرّاء سوط الجلاد!
من جانب آخر ظهر نوفل منحازاً للشعوب خلال الربيع العربي، بخلاف غيره ممّن شجعوا، بل ودعموا الثورات في البداية، ثم توارَوْ خلف الجدران، وفي هذا وضوح لأصالة المنهج وصدق النية لدى نوفل، وتضارب المصالح وضبابية الرؤية عند غيره.
أيضاً لم يُصدِر نوفل أي فتوى عن حمل السلاح، بل دعا لتفهم مطالب الشعوب والحوار معها، واستثمار الفرصة للنهوض وتحقيق التنمية، وهذا مخالف لما ظهر عليه بعض الدعاة الذين جيّشوا مشاعر الشباب، وحثوهم على الجهاد في غير مكانه، وعندما انزلقت الأوضاع وأصبحت كارثة رفعوا أيديهم وتبرأوا من دعواتهم.
من عرف د. نوفل عرف عنه التواضع، ولم يُرو عنه المكر أو التلاعب بالكلمات، في المحصلة ليست القضية تصفية حساب، ولكن الحق أبلج كما يقال، واليوم نواجه نهجاً متعمداً من السخرية من القدوات، بل ورغبة جامحة بهدمها.
ذلك موقفه من السياسة التي اختلف فيها الشيوخ بين معتزل لها وبين من دخلها فلطخت نصاعة ثوبه بآرائه، أما فيما يخص إنكاره لبعض الروايات مما يراه من الخرافة، فالحقيقة أن الفهم السليم هو ما يوصلنا إلى الحقيقة، أما النقل الأعمى فلن يجعلنا نسير إلا في دائرة مغلقة، ستقودنا إلى كبح العقل والتخلف بعيداً عن مواكبة الحضارة، وهذا يُحسب للشيخ نوفل؛ فمن صفة الإسلام المرونة ومواكبته لكل زمان ومكان، ونسأل: هل النقل وحده يلبي ويحقق هذه الصفة الحميدة بالإسلام؟
من هنا نادى د. نوفل بضرورة جعل العقل هو عنوان المرحلة القادمة، فقد ثبت فشل المنهج الذي يستند إلى تغليب النقل ورأي رجل الدين في كل شيء، بعيداً عن أصحاب الاختصاص، حتى أصبح المجتمع العربي أشبه بمجتمع ميثوقراطي -نظام يحكمه رجال الدين- وكما نقول فإن هذه دعوة كانت وستبقى نحو الانعتاق من السلطة السياسية التي تبناها كثير من علماء جماعة الإخوان والسلفية والصوفية، وهي تغليب السنة على القرآن، وهو ما فتح المجال نحو الوضع والتبديل، أو تحريف المعنى الحقيقي لما يتواءم مع السلطة أو مع الشخص، والنتيجة أننا صرنا إلى العبثية والفوضى المنهجية، والهادمة للقيم، والرافضة للثوابت، بل إن الكثير بدأ ينعتق من الدين بسبب من يتصدون للإلقاء والخطابة والتوجيه.
وسط حالة من عدم اليقين وسقوط الأقنعة عن كثير من أصحاب العمائم، ظهر د. أحمد نوفل شمساً بازغة، ومنارة تهدي سفننا التي تلاطمتها أمواج العولمة والليبرالية الجديدة، بل والإسلام الغربي الذي يُغلِّب رأي الحاكم وإن كان مستبداً، في هذا يخالف نوفل غيره، ولقد رأينا كثيراً من الأشخاص ينالون من شخصه، وهو ما ينمّ عن حقد دفين عليه، وليس رغبة في حوار معه، وهو ما يفقد الحوار أبسط قواعده، وهو تقبل الاختلاف في الرأي.
وإن الرأي القائل إن أحمد نوفل ينكر ما جاء في السيرة النبوية أمر لا أساس له، وإنما الرجل يضع السنة في مكانها، أي أنها شارحة لما جاء في القرآن الكريم، وإن حصل خلاف فالغلبة لكلام الله تعالى، وفي هذا فهم سليم لمقاصد الدين، وبُعد عن سلطة أشبه بسلطة الكنيسة في أوروبا في القرون الوسطى، وكذلك هو قطع الطريق على سلطة سياسية ترى رجال الدين أحد بواكيرها في السيطرة على الشعوب وتخديرهم، والقول الأفضل هو: إن المستقبل يصنعه القلم لا المسبحة، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة، والمنطق لا الخرافة!.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.