لو حُقَّ للفلاسفة وعلماء الاجتماع والمختصين في علم النفس الاجتماعي أن يطرحوا سؤالاً، لكان عن ماهية الفرد الإنسان في زمن الكورونا؟
فبعد الحصار الذي فرضه الفيروس على الحياة والناس والطبيعة، وغيَّر مجرى ومسار حياتهم بطريقة خيالية يصعب توقعها في أي سيناريو أو رواية وبالطريقة الدراماتيكية، من مدينة صينية محاصرة في شهور إلى عالم محاصر في ساعات؛ بمدنه وقراه؛ وشوارعه وأزقته؛ وإنسانه وطبيعتها. لكن الكورونا على خطورتها وسرعة انتشارها، كشفت عن أسوأ ما في بعضنا ودولنا، وساستهم. ولكل أزمة -كما قيل- أسرارها التي تبوح بها.
جاءت أزمة الكورونا كاشفةً وفاضحةً، للأسف، لبعض من كنا نحسبهم نخبة ويتابعهم ملايين منا احتراماً لفنهم؛ فأظهروا مدى عنصريتهم وحقدهم على المهاجرين إلى بلدانهم، ولهم في رقابهم ورقبة بلدهم دَين وأمانة، والحديث هنا عن الفنانة الكويتية حياة الفهد، التي دعت ظلماً ونكراناً إلى طرد الوافدين -وهُم بالآلاف- من بلادها، ثم تلتها إعلامية كويتية في زيارة للوافدين، مستخدمةً ألفاظاً خارجة عن الإنسانية واللباقة والاحترام وحسن الجوار المعروف عن الكويت، وللوافدين في الكويت هذه الأيام قصص تُحكى وتُسرد، ونأمل أن تتوقف الهجمة بأقل الأضرار.
أما في باريس عاصمة الأنوار والثورة والحرية، فقد خرج طالبان فرنسيان بما في نفوس المستعمر من تكبُّر وتعالٍ وعنصرية، داعين إلى تحويل القارة الإفريقية المستعمرة السابقة، إلى حقل للتجارب، كأن الإنسان الإفريقي هيكل تجارب وحقل، وليست لديه مشاعر ولا أحاسيس ولا حق في الحياة، مثل الكائن الفرنسي الناهب خيرات الأخير وعقوله! وللمجنَّسين الأفارقة في فرنسا قصص ملهمة حتى قيل إن فرنسا لا تساوي شيئاً من دون الأفارقة. دعوات لقيت استهجاناً واسعاً، فصعد هاشتاغ "إفريقيا ليست حقل تجارب للعالمية".
ولم تكن التجارب العنصرية الفردية وحدها، فقد أثبتت أزمة كورونا مدى ضعف لغة الاتحاد بين الدول خاصةً الأوروبية، فلم تكتفِ تلك الدول بغلق الحدود فيما بينها؛ بل جاءت فضيحة قرصنة أجهزة التنفس الصناعي بين دول أوروبية عريقة لتلقي بظلالها على مدى هشاشة الاتحاد حين يأتي الطوفان على شكل كورونا العابر للقارات والدول والقصور.
يضاف إلى ذلك وقبله نجاح كورونا في إحياء نظرية التباعد الاجتماعي والنظريات الفردانية، وأن الإنسان -كما قيل- أناني بطبعه، يميل إلى العدونية، وقد كانت للفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز كلمته الشهيرة: الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ما اقتضته الحاجة والضرورة.
وقد عُرف عن هوبز إحياءه لنظرية الشر لدى الكائن الحي، أي إن الإنسان شرير بطبعه، والشر بمعنى المادية والمصلحة الفردية، وقد ثبتت مادية بعض الدول وبعض الأفراد داخل تلك الدول.
لقد جاء الكورونا قاسياً على الجميع، ليس في إحصائياته وأرقامه التي وصلت إلى حد الساعة إلى 1900 ألف مصاب وأكثر من 60 ألف قتيل حول العالم؛ بل فيما خسره العالم على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، فقد تفككت الدول واقتربت المجتمعات من التفكك في عصر الكورونا.
لكن في الأخير تزول الأمراض الطبيعية وتبقى الأمراض النفسية والداخلية التي لا يستطيع أن يعالجها الطب بقدر ما يعالجها الفرد بنفسه.. فهل نعي دروس كورونا ونتعلم منها.
سيرحل كورونا ولترحل معه العنصرية..
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.