تتشابه الموسيقى مع كرة القدم في كونهما قابلين للتجديد، لا حدود فيهما للإبداع. إذا كان زرياب قد خرق قاعدة الموسيقى بصناعة الفن الكلاسيكي، مبدعاً طفرة جديدة بآلة العود، فإن صناعة فرد قادر على تحطيم الخصوم من الخلف، ربما لا تقل شأناً عن آلة العود. بل إن هناك تشابهاً بين الطفرتين، فالأولى قد تحتاج آلةً لإظهار ألحانها، بينما الثانية تملك قدرة بقدمين وعقل، تستطيعان عزف لحن كروي بطابع عصري.
التغيير سنة الحياة
التغيير قادم لا محالة، في شتى المجالات، كرة القدم لن تكون يوماً بعيدةً عن هذه القاعدة. إذا وُجدت تسمية أو تقنية أو حرفة تكتيكية في زمن ما، فلا بد أن يأتي في زمن لاحق من يطورها أو يبتكر مهارة تندرج ضمن إطاراتها السابقة.
قبل أن ندخل في شق التفاصيل، نعود قليلاً بعجلة الزمن إلى أول ظهور للـHolding في دوريات كرة القدم، أو ما يسمى بمحور الارتكاز، تعود الإطلالة التكتيكية الأولى لما سمي بالقفل نسبة إلى خصوصيته الميدانية، إلى ما بعد إخفاق خطة الــW-M الهجومية البحتة.
بعد تحول كرة القدم إلى لعبة عقل وتأن واستراتيجيات، بدأ ظهور مركز الارتكاز كمحطةٍ أساسية لحماية الفريق دفاعياً أثناء أداء المهمات الهجومية، هنا بدأت الفرق التي تسعى إلى خلق نماذج متوازنة، في العناية بمحور الارتكاز الخلفي، ومن هنا حتى أول الألفية الثالثة، كانت الـZone14 ملكاً لمن يختزنون جهداً وطاقةً في حماية ظهر الفريق.
ميلاد جديد..
قد تكون الرواية المتضاربة في أول ظهورٍ لصانع الألعاب الخلفي دليلاً على شيئين، إما أن هناك تاريخاً قديماً قد تشابهت فيه الأدوار فأقرت التضاربات بنشأة هذه التسمية منذ أوائل القرن العشرين. فنعتمده دليلاً على تطور المركز، أو أن هذه مجرد أحاديث عابرة لا أساس لها، فنقول إن صانع الألعاب الخلفي ذو عهد حديث.
وأياً كانت الصورة المتكهنة حول ظهور لاعب يحمل تشابهاً مع أدوار صانع اللعب المتأخر في صفوف مانشستر يونايتد في عمق خطة الــW-M قبل ظهور الشاشة الملونة، فإن هذا يعد تناقضاً، لأن هذه الخطة ليست مدعومة بتكتيكات من شأنها الاعتماد على صناعة اللعب المنظم من الخلف.
قد تبدو الرواية القريبة للصواب هي القائلة إن كرويف مع بيب صنعا جيلاً حديثاً من صانعي اللعب المتأخرين، أو إن كارلو مازوني الخبير الإيطالي كان مبتدعاً في هذه المنطقة بالتحديد -أي Zone14- بتغيير تقنية المعتادين على قتل المنافسين فيها، إلى أفراد أكثر تقنية ومساهمة في بناء شكل الفريق هجومياً، لهذه الإقدامات على التعديل أسباب تكتيكية منطقية لها أساس تقوم عليه.
جيل المتحولين كروياً
بيرلو، تشابي ألونسو، جورجينيو، وبوسكيتس، هنالك تشابه ظاهر عند ذكر هؤلاء، جميعهم يلعبون دور الــDeepLyingPlayMaker في التسلسل بالكرة والصعود بها، يركضون دائماً في الزمان والمكان المناسبين، يرفعون رؤوسهم لاستعراض كامل أرجاء الملعب ثم يكسرون خطوط الخصم بتمريرة، يتقدمون عمودياً لخرق المساحة كلما سنحت الفرصة.
هؤلاء يكونون جيلاً متحولاً، لماذا؟
في إحدى الأطروحات كان بإمكانهم اللعب في مركز الـ"10″ ولأسباب متعددة أجبرتهم الظروف على التغيير، كالقوة البدنية والموهبة الفردية، والسبب الأكبر هو بداية اندثار مركز التريكوارتيستا بشكل واضح.
رب ضرة نافعة، فجرائم هؤلاء متعددة، فهم من الخلف يملكون رؤية أوسع، يهدفون إلى مساحة أوسع، ويحتفظون بالكرة بميزة أعلى وهي التوقيت، عندما يستلمون الكرة يرجع الخصم خطوة إلى الوراء، بذلك هم يظفرون بعديد الأشياء، أهمها القدرة على تنظيم اللعب والإيقاع. المشكلة العويصة هي أدوارهم الدفاعية، فالتابعون لمذهب صناعة اللعب من الخلف، لا يعيشون خارج فرق لا تهاجم طيلة الوقت، ولا تفوز بالاستحواذ دائماً.
لا شيء أهم من الثقة
هذه الطفرة أحدثت تاريخاً حديثاً في الكرة الهجومية، أضافت حلاً ومنطقة مفاجأة لصالح منظومة الفريق، في اللحظة التي يستلم فيها صانع اللعب المتأخر الكرة يمكن لكل من في الهجوم أن يتحرك، أن يركض مغمض العينين ثم ينتظر الكرة أن تصله، تلك هي ميزتهم، أن تدب الثقة في كل فرد من الفريق.. وأيُّ شيء أكبر من الثقة؟