لم أكن من بين الغاضبين بشأن قرار غلق المساجد في وجه المصلين يوم الجمعة "المصلحة تحتم ذلك" قلتها في نفسي، لكنني حين وقفت في الشرفة يوم الجمعة الماضية أرقب صوت الأذان وخطوات المصلين نحو المسجد، فلم أجد أثراً لأي منهم، شعرت بتلك الغصة، أو لنقل القهر في قلبي، واكتشفت أنني فقط لم أكن مستوعبة للقرار المرعب بشأن "منع الصلاة".
حاولت استحضار كافة السيناريوهات بشأن الأمر "كي لا نكون مثل إيطاليا"، كما استشعرت صعوبة الموقف مع قرارات الحظر والإغلاق الكامل للمحال يومي الجمعة والسبت، وشعرت براحة حين خمنت أن هذا سيتضمن وقف التصوير للمسلسلات التي تلتهم بركة الشهر الكريم، وقلت في نفسي "على الأقل سيكون أول رمضان بلا مسلسلات"، لكني لم ألبث أن صعقت حين قرأت تصريح نقيب الممثلين المصريين أشرف ذكي حين أكد استمرار تصوير مسلسلات رمضان نافياً صحة ما تردد حول إيقافها بسبب انتشار فيروس كورونا.
"هل إمتاع الناس أهم من تطبيق الإجراءات الاحترازية؟" تردد السؤال في رأسي بقوة وأنا أستمع إلى تحذيرات مسؤولي الصحة في مصر عن خطورة الأسبوعين الأخيرين باعتبارهما "وقت ذروة المرض"، كيف يمكن لوزير الإعلام وبقية الممثلين الذين راحوا يظهرون بـ "البيجاما" ليطالبوا الناس بالمكوث في المنزل، أن يواصلوا عملهم كأن شيئاً لم يكن.
لماذا لا يتوقفون ببساطة!
يبدو الموقف معقداً بعض الشيء، فشركات الإنتاج تعاقدت بالفعل مع القنوات من أجل مسلسلات الموسم الرمضاني، ومن ناحية أخرى يبدو الوقت ضيقاً للغاية كي يتوقف التصوير فترة أسبوع أو اثنين حيث لم يعد أحد يعلم متى ستتحسن الأمور، التي من المرجح أنها قد تسوء أكثر.
ربما بسبب تلك الالتزامات لم تجرؤ أكثر الجهات الرسمية في بعض الدولة العربية على إجبار شركات الإنتاج بوقف التصوير، تاركة الأمر لـ "ذوق" المنتج، مع توجيهات بـ "أخذ الحيطة والحذر" وهو ما جعل ردود الفعل متباينة من دولة لأخرى ومن شركة إنتاج لأخرى داخل البلد نفسها، تبعاً لدرجة تفشي المرض وعوامل أخرى.
في لبنان "حضت" النقابات الفنية في بيان لها، كافة الممثلين والفنيين اللبنانيين على التزام منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، مؤكدين "زملاءنا الأعزاء إذا كانت المراجع الدينية كافة في العالم قد أعفت الناس من التجمع لعبادة الله فحري بنا أن نتوقف عن العمل لفترة زمنية معينة حفاظاً على المصلحة الوطنية".
صحيح أن البعض استجاب إلا أن كافة التحذيرات لم تمثل شيئاً لآخرين ظلوا يظهرون بالكمامات في صور جماعية كفريق عمل مسلسل "أسود فاتح" بطولة هيفاء وهبي ومعتصم النهار، حتى توقف التصوير إجبارياً عقب تحول الفيروس لجائحة على الأراضي اللبنانية التي تشهد تصوير عدد غير قليل من المسلسلات التي توقفت تارة بسبب الفيروس وتارة أخرى بسبب تدخل جهات رسمية مثل وزارة السياحة اللبنانية التي أوقفت تصوير مسلسل الهيبة.
جاء القرار الأكثر صرامة من جانب الحكومة السورية، بعد إعلان رئاسة الوزراء إيقاف عمليات التصوير التابعة للقطاع الخاص، وذلك بأعقاب توقف المؤسسة العامة للسينما في وزارة الثقافة ومؤسسة الإنتاج التلفزيوني في وزارة الإعلام عن عمليات التصوير الجارية فيها.
في تونس، وبأمر من السلطات التونسية تقرر إيقاف تصوير المسلسل الليبي "الزعيمان" على أراضيها، كما توقفت في الكويت معظم المسلسلات، على الرغم من البعض الذي راح يواصل التصوير تحت شعار "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، إلا أنه على الجانب الآخر توقف آخرون حرصاً على الصحة العامة، من بينهم شركة "ديتونا برودكشن" التي قالت في بيان لها: "حرصاً منا على سلامة وصحة الفنانين والطاقم الفني وسلامة أهل الكويت والمقيمين عليها، فإن الشركة توقفت عن تصوير أعمالنا لرمضان 2020".
فيما يبدو كأنه كوكب مختلف، واصل صناع الدراما في مصر عملهم بمباركة الجهات الرسمية، فها هي مدينة الإنتاج تعقد عموميتها وتناقش ميزانيتها، وتتعرض لعمليات تطهير وتعقيم بصورة دورية ضمن إجراءات مواجهة كورونا، كذلك لجأ صناع المسلسلات إلى حيل خاصة بهم كي يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم تجاه القنوات قبيل الشهر الكريم.
واعتمدت شركتا الإنتاج "سينرجي" و "العدل جروب" عدداً من الشروط خلال التصوير، منها عدم المصافحة وحفظ المسافة بين الأشخاص واتباع سبل نظافة وتعقيم اليدين، وأعلنت مدينة الإنتاج الإعلامي التي تشهد تصوير عدد من المسلسلات عن تعقيمها أماكن التصوير يومياً وإجراء فحوص قياس درجة الحرارة عن بُعد لكل من يدخل أو يخرج من المدينة، وتتابع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تصوير 16 مسلسلاً لديها، في ظل غياب أي قرار رسمي بوقف التصوير.
فيما نشرت غادة عبدالرازق الإعلان الترويجي لمسلسلها سلطانة المعز، مؤكدة أنها في طريقها للحاق بالموسم الرمضاني، كذلك الأمر مع الفنانة ياسمين عبدالعزيز التي تنتظر عرض مسلسلها "ونحب تاني ليه" على شبكة قنوات أبو ظبي خلال شهر رمضان المقبل، الأمر ذاته مع الفنان المصري حسن الرداد الذي عرض بدوره الإعلان الترويجي لمسلسله "شاهد عيان" والمنتظر عرضه على شبكة قنوات النهار، على المنوال ذاته سار كل من محمد رمضان ومسلسله "البرنس" وكذلك أمير كرارة ومسلسله "الاختيار"، تحد مصري خرج منه محظوظون كعادل إمام ومسلسله "فالنتينو" وكذلك مسلسل "اثنين في الصندوق" الكوميدي، وهي مسلسلات قديمة تم الانتهاء منها قبيل شهور وتأجل عرضها لأسباب عدة.
العبودية تنتصر
"القنوات ضاغطة على المنتجين عشان يعرضوا، والمنتجين ضاغطين على الفنانين والفنيين عشان يصوروا، والفنانين والفنيين مجبرين يصوروا عشان إحساسهم بالمسؤولية وخوفهم من قطع العيش في المستقبل، والنقابات بتتفرج علينا ومش قادرة تطلع بيان يلزم بوقف التصوير مع إنه بيجيلهم عشرات التليفونات يومياً من فنانين وفنيين مش عايزين ينزلوا التصوير.." في منشور لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي فضحت السيناريست المصرية مريم نعوم الحالة التي يعيشها صناع الدراما في مصر مؤكدة على الحالة المصرية الفريدة التي توضح كم الضغط و "الإرهاب" الذي يتعرض له الجميع برعاية النقابات الفنية التي تتجاهل الظرف الحالي "أنا بشتغل من البيت.. ومش من حقي أوقف شغل لإني مش معرضة للخطر بشكل مباشر.. وبالتالي لا ينطبق عليا حكم الـ "force majeure".. لكن حاسة إني مع كل مشهد ببعته بتسبب في أذية ناس بحبهم جداً.. للأسف الموضوع بالنسبالي تخطى فكرة مسلسل ولا موسم.. أنا شايفة الموضوع من منظور تاني خالص.. منظور كئيب جداً.. مخليني بعيد تقييم علاقتي بالصناعة كلها".
منشور نعوم "الفاضح" للحالة المصرية لم يبد أنه أثر في شيء، حيث لجأ العاملون في المجال إلى عدد من الحيل بينها "التصوير الداخلي" رغم كل التحذيرات من التواجد في أماكن مغلقة، كذلك استخدام "منيمم كرو" فرق عمل مصغرة لتجنب الزحام، فضلاً عن التعقيم المتواصل لمواقع التصوير حيث يتواصل العمل على قدم وساق.
مع ذلك يبقى قرار الفيروس فوق قرار البشر، فعلى الرغم من الإصرار الرسمي على عدم المساس بعمليات التصوير إلا أن الكلمة العليا لم تكن لأي من وزير الإعلام أو نقيب الممثلين، أو حتى رئيس الوزراء، حيث صرح نقيب الممثلين عن توقف تصوير 80% من مسلسلات رمضان بصورة مؤقتة.
خسائر بالجملة
لا يبدو أمر التوقف المؤقت هيناً لكثيرين، من بينهم الفنانة هند صبري التي حذرت من خسائر مادية كبيرة للمنتجين والقنوات الفضائية في حال عدم عرض مسلسلات رمضان "أظننا لن نلحق بالموسم"، كانت هذه هي رؤيتها عقب توقف مسلسل "هجمة مرتدة" الذي تشارك في بطولته مع الفنان أحمد عز.
لعل هذا ما دعا نقيب الممثلين المصريين أشرف زكي لمحاولة حفظ ماء وجهه، عبر إطلاق مبادرة بعنوان "ساعد زملاءك" كي يقوم الفنانون القادرون بمساعدة زملائهم غير القادرين، نظراً لما تمر به البلاد من انتشار فيروس كورونا وتوقف بعض الأعمال.
الدعوة ذاتها جاءت على لسان مدير التصوير المصري محمد حمدي الذي توجه برجاء لأصحاب الصناعة "أرجو من السادة المنتجين والفنانين اللي أعلنوا عن تحدي الخير وكفالتهم للأسر المحتاجة إنهم يوقفوا تصوير الأعمال الفنية تماماً ويوجهوا الإعانات للعاملين في الأعمال دي خلال فترة التوقف أعتقد دا حل ممكن جداً طالما قادرين على جمع مبالغ كبيرة يبقى ممكن دفع أجور رمزية للعالمين خلال فترة التوقف".
رمضان بلا مسلسلات
هل نشهد رمضان بلا مسلسلات؟ أمنية تراود الكثيرين وأنا منهم، لكني أعلم أن هذا لن يحدث أبداً، فبعض المسلسلات انتهت بالفعل، وباتت شبه جاهزة نظراً لتصويرها في فترات مبكرة نسبياً، كذلك الأمر مع هؤلاء الذين يسابقون الزمن للحاق بالموسم ضاربين بالحائط كل التحذيرات والمخاوف.
كما أنه وفي أسوأ السيناريوهات لن تتحقق الصورة الحالمة قط بتلفزيونات متسقة مع مبادئ الشهر الكريم، فعلى طريقة قنوات دريم، في المواسم الرمضانية الماضية، سوف تلجأ القنوات في أسوأ الظروف لإعادة عرض المسلسلات القديمة ليتواصل المسلسل السنوي الأكبر من إلهاء وتغييب عن قيم الشهر الكريم، لكن مع كثير من التكدير والارتباك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.