مما لا شك فيه أن ما بعد جائحة كورونا بالمغرب ليس كما قبلها، وخاصة ما نلاحظه من تزايد للوعي الجمعي لدى كل الطبقات المشكِّلة للمجتمع المغربي (الطبقة الفقيرة، والطبقة الوسطى، والطبقة الغنية)، فهذه الجائحة جعلتنا نرى أفضل ما يتميز به المغاربة من قيم أخلاقية، كالكرم والتضامن والتعاون وحب الوطن، كنا قد افتقدناها بفعل الرأسمالية المتوحشة والعولمة التي أفسدت وقتلت روح الشعوب وأفقدتها خصوصياتها، هذه القيم التي طفت على السطح بسبب هذه الجائحة، جعلت كل المغاربة يفتخرون بانتمائهم لهذا الوطن، وما نشاهده على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات تعرض بعض المساهمات الخيرية على سبيل المثال لا الحصر: فيديوهات لشباب يقومون بحملات توعوية للمواطنين في الأحياء الشعبية والقرى والمداشر، بالإضافة لفيديوهات لبعض المواطنين الذين تضامنوا مع مواطنين آخرين من الطبقة الفقيرة التي توقفت عن العمل بسبب هذا الوباء الخبيث… إلى آخره، هذه الأمثلة التي سردناها خير دليل على عودة قيم ما قبل الرأسمالية المتوحشة التي كان يتميز بها المغاربة.
وما أثار انتباهي كذلك هو تزايد الوعي لدى الشعب فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعي، فقد عمل العديد من الشباب حملات منظمة لمحاربة التفاهة، التي للأسف الشديد أصبحت تؤثر في شريحة كبيرة من المجتمع، وتنشر الجهل والغباء، وتبيع الوهم للطبقات المسحوقة غير المتعلمة من المغاربة، وذلك بسبب سهولة التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة للجمهور الواسع الذي تصل إليه، أدى ذلك إلى ظهور ما يُسمى "ترميز التافهين" (انظر كتاب: آلان دونو، نظام التفاهة) أي تحويل التافهين (حثالة البروليتاريا) إلى رموز، ما يجعل تافهي مشاهير اليوتيوب والإنستغرام والفيسبوك يظهرون بمظهر الإنسان الناجح، على الرغم من أنهم مجرد أشخاص ليس لديهم أي تعليم جيد، كما أن العديد منهم من أصحاب السوابق العدلية (مجرمون)، هذا ما أدى إلى التقليص التدريجي لصور النجاح لدى مجتمعاتنا، ففي السابق كان النجاح مرتبطاً بالعمل الجاد والمواطنة الصالحة وحسن الخلق والتحصيل الأكاديمي، إلا أن كل هذا تم إلغاؤه في زمن العولمة المتوحشة، وأصبح كل تافه يقوم بإنشاء قناة على اليوتيوب أو حساب على فيسبوك من أنجح الشخصيات في المجتمع، وأكثرها تأثيراً في نفوس العامة، فالتافهون ينشرون الجهل والفساد الأخلاقي، ويدمرون كل قيم المجتمع الحميدة، زِد على ذلك تشويه وتنميط الثقافة المحلية وإرسال صور مغلوطة عن المجتمعات التي ينتمون إليها إلى الخارج.
لكن رب ضارة نافعة، فقد كان لجائحة الكورونا التي تمر بها الإنسانية دور كبير في كبح جماح ترميز التافهين، وبدأ العديد من الشباب بالعمل على إعادة بناء الوعي لدى الشعب، وذلك عبر محاربة هؤلاء التافهين وتعريتهم أمام الرأي العام، وما شهدناه في المغرب في ظل هذه الجائحة خير دليل على العمل الجبار الذي يقوم به الشباب الواعي، ففي هذا الأسبوع فقط تم إغلاق العديد من قنوات اليوتيوب وحسابات الإنستغرام التي تخص هؤلاء التافهين، كما أن حملة تطهير الويب المغربي من حثالة البروليتاريا نجحت، وكان لها وقع كبير في نفوس المغاربة، وأصبحت كل فئات المجتمع واعية للدور التخريبي الذي يقوم به هؤلاء التافهون، من تقديس للجهل والأمية ونشر للعبث واللاأخلاق.
وهكذا، فإن الوضع المجتمعي بالمغرب بعد كورونا ليس كما كان قبلها، حيث بدأت العديد من الشرائح المكونة للمجتمع تفكر في إعادة ترتيب الأولويات، ويتعلق الأمر بإعطاء أهمية قصوى لتعليم الأبناء تعليماً جيداً، وجعل الصحة هي قاعدة الهرم الأسري (الاهتمام بصحة كل فرد من الأسرة، وإعطاء الأهمية القصوى للنظافة والأكل الجيد…)، كما أن الشعب المغربي في ظل هذه الأزمة أصبح كتلة بشرية متجانسة كالجسد الواحد.
وفي النهاية، إن كل ما حدث في هذه الأزمة من وعي مجتمعي يُبشر بالخير، ويقدم لنا مؤشرات ذات دلالات جيدة على نضج المجتمع المغربي، هذا ما يجعلنا نتطلع لمستقبل أفضل بعد تجاوز محنة كورونا.
حسنيوي عبدالرحمن هو باحث ومدوّن من المغرب، حاصل على الإجازة في التاريخ والحضارة من جامعة المولى إسماعيل بمكناس، والآن باحث بسلك الماستر بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وتنصبُّ اهتماماته البحثية على التاريخ السياسي الراهن في المغرب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.