يلعب القدر في كثير من الأحيان دوراً كبيراً في المشوار الرياضي للاعبين المحترفين، الذين يكتسبون تجربةً وإدراكاً كبيرَين بأنّ الصبر والإيمان بقدراتهم سيمنحانهم، لا محالة، فرصة التألق والنجاح، وما عليهم سوى الانتظار وعدم التسرع في اتخاذ القرارات.
وُلد زكريا لَبيض يوم 9 مارس/آذار 1993، بمدينة أوترخت الهولندية، من أب وأُمّ مغربيَّين تعود جذورهما لمدينة الحسيمة بمنطقة الريف المغربية.
وبدأ زكريا ممارسة رياضة كرة القدم بالحي الذي كان يقطن به في مدينة أوترخت، قبل أن ينضم في سن السادسة من عمره إلى فريق إيلينكوياك الهاوي، بعدما اكتشفه مسؤولو هذا النادي الصغير خلال دورة كروية نظمها نادي أوترخت لأطفال المدينة.
وقد يفاجأ كثير من القراء عندما يعلمون أن زكريا لبيض قد بدأ نشاطه الكروي في مركز حارس مرمى، قبل أن يكتشف مدربه في نادي إيلينكوياك، علي أفيلاي، إمكاناته المميزة ويُشركه كلاعب وسط ميدان.
وفي ظل تألقه المميز بذلك الموسم، سارع مسؤولو نادي آيندهوفن لمحاولة تجديد عقد لاعبهم المغربي الموهوب، لكن زكريا رفض التجديد وفضَّل الرحيل نحو نادي سبورتينغ لشبونة البرتغالي، الذي تعاقد معه في يوليو/تموز 2012، لمدة 5 سنوات، في صفقة بلغت قيمتها 900 ألف يورو فقط، ولكن براتب شهري كبير، أدى بصحيفة "باو نيد" الهولندية إلى أن تقول إن انتقال زكريا إلى البرتغال جعل والده محمد لَبيض "مليونيراً".
ومن غرائب ومفارقات الحياة أنّ زكريا لبيض طلب العودة إلى نادي آيندهوفن، بعد موسمٍ واحدٍ فقط رفقة سبورتينغ لشبونة، وذلك بعدما سئِم من نقص مشاركاته مع الفريق البرتغالي، إذ لم يخض سوى 19 مباراة في الدوري المحلي، سجَّل خلالها هدفين اثنين، وقدم 3 تمريرات حاسمة.
ولكن إدارة آيندهوفن اعتذرت عن عدم تلبية طلب "لبيض" العودة، وازداد موقف النجم المغربي تعقيداً في الموسم الموالي (2013-2014)، بعدما رفض طلب إدارة السبورتينغ تخفيض راتبه الضخم، فتم إبعاده عن الفريق الأول طيلة النصف الأول من الموسم، قبل تسريحه في يناير/كانون الثاني 2014، إلى نادي فيتيس أرنهيم الهولندي، على سبيل الإعارة لمدة عامٍ ونصف العام.
واستعاد "لبيض" متعة اللعب رفقة نادي فيتيس أرنهيم، حيث شارك بانتظام ضمن التشكيلة الأساسية طيلة موسم ونصف الموسم والتي قضاها مع الفريق، قبل أن يعود إلى سبورتينغ لشبونة في صيف 2015، بطلب من المدرب الجديد لفريق العاصمة البرتغالية، جورج جيسوس، المدرب الحالي لنادي فلامنغو البرازيلي.
وفي الوقت الذي كان يعتقد فيه زكريا لبيض أنّ وضعيته ستكون أفضل مع المدرب جيسوس، فإنّ الأمور لم تتحسن؛ بل تم تحويله للفريق الثاني لسبورتينغ لشبونة الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثانية البرتغالية. فأدرك حينها المغربي أنّ ارتباطه مع النادي البرتغالي لا بد أن ينتهي، فتمَّت إعارته في اليوم الأخير للميركاتو الشتوي لعام 2016 إلى نادي فولهام الإنجليزي 6 أشهر، ثم بقِي من دون فريق في الأشهر الستة الأخرى. قبل أن يمنحه نادي أوتريخت الهولندي طوق النجاة بالتعاقد معه في يناير/كانون الثاني 2017، لمدة 5 سنوات، أي إلى غاية 2022.
علاقة غريبة مع المدرب إيريك تيت هاج
ومن مفارقات الحياة أيضاً أنّ "لبيض" وجد على رأس الجهاز الفني لفريق أوتريخت، مدربه السابق في نادي آيندهوفن، إيريك تيت هاج، الذي يعرف جيداً قدراته الفنية والبدنية، وهو ما سمح للشاب المغربي بالتألق بشكل لافت، خاصة في الموسم الموالي (2017-2018)، الذي شارك خلاله في 39 مباراة رسمية، سجَّل خلالها 19 هدفاً وصنع 12 هدفاً آخر.
ولم يمر هذا التألق دون أن يلفت انتباه الأندية الأوروبية الكبيرة، على غرار آرسنال الإنجليزي، وفريقه السابق آيندهوفن وأياكس أمستردام الهولندي الذي نجح في خطفه عند نهاية الموسم، في صفقة بلغت قيمتها 6 ملايين يورو، حيث استقبله بالأحضان، مرة أخرى، مدربه السابق إيريك تيت هاج، الذي سبقه إلى أياكس في مطلع 2018.
ومع أياكس بدأت حكاية جديدة من المفارقات لزكريا لبيض، إذ كان ينوي المدرب هاج الاعتماد عليه كجناح أيسر؛ لتعويض الرحيل شبه المؤكد لمواطنه حكيم زياش، لكن بقاء النجم المغربي الآخر في أمستردام جعل الشاب زكريا يكتفي بخوض 20 مباراة رسمية فقط في الموسم الماضي (2018-2019)، أغلبها كلاعب بديل، سجَّل خلالها 4 أهداف، ومنح 3 تمريرات حاسمة.
ولم يكن الأمر مختلفاً بالنسبة لزكريا لبيض في بداية الموسم الجاري (2019-2020)، بحيث بقي في دكة الاحتياط إلى غاية تعرُّض الدولي البرازيلي دافيد نيريس للإصابة في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليستفيد متوسط الميدان المغربي من هذه الوضعية، ليلعب كأساسي في ثلاث لقاءات، من بينها تلك المباراة الملعونة التي تعرض فيها لإصابة على مستوى الركبة اليمنى يوم الـ27 من الشهر نفسه، أمام نادي لِيل الفرنسي لحساب دور المجموعات بمسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.
وقد يكون توقُّف الدوري الهولندي في مصلحة اللاعب المغربي "لبيض"، الذي سيأخد وقته بالكامل اللتعافي من الإصابة بشكلٍ جيد وعدم التسرع في العودة إلى الميادين والتي قد تسبب له انتكاسة جديدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.