"مصر مذكورة في القرآن يا أولاد كذا"، على طريقة الفنانة المصرية فيفي عبده في معرض دفاعها عن مصر المحروسة من كل عدو أقول إن مصر وانتشار الفيروسات التي تحصد أرواح البشرية مذكورة ولكن هذه المرة ليس في القرآن وإنما في مسلسل أمريكي تم إنتاجه في عام 2014، مبني على رواية ويليام برينكي "السفينة الأخيرة"، ويحكي عن فيروس ووباء مجهول ينتشر فجأة في العالم ليحصد أرواح ملايين الناس.. فما علاقة مصر بذلك؟
في الحلقة الأولى من مسلسل "The Last Ship" تهبط طائرة هليكوبتر بجوار مخيم يقع بالقرب من أهرامات الجيزة، وبه ستة آلاف مصاب بفيروس مجهول ثم يتحول المشهد إلى حوار بين الدكتورة سكوت وهي بطلة المسلسل مع قبطان السفينة التي تعمل عليها لتخبره بأصل القصة "منذ سبعة أشهر انتشر وباء مجهول في العاصمة المصرية القاهرة ليحصد أرواح آلاف الناس هناك ثم ينتشر إلى دول العالم"، ثم قالت العبارة الأخطر على الإطلاق "السلطات المصرية ادعت أنها احتوت وسيطرت على هذا الوباء ولكنه للأسف لم يكن صحيحاً".
عند مشاهدتي لهذه الحلقة ظننت أن كاتب المسلسل يعيش معنا الآن ويرى بعينه ما تفعله وزيرة الصحة المصرية هالة زايد في تعاملها مع فيروس كورونا، فتعامل السلطات المصرية وتحديداً وزارة الصحة مع انتشار فيروس كورونا والأنباء التي تردنا يومياً من دول مختلفة عن إصابات عادت للتو من زيارة الأراضي المصرية يذكرني بإحدى أسخف النكات الشعبية المصرية والتي تعود الفنان المصري محمود عزب أو عزب شو أن يتحفنا بها في كل مرة يظهر أمام الشاشات والتي تحكي أن "شخصاً ذهب إلى محل ليشتري حلاوة طحينية فسأل البائع هل عندك حلاوة، فقال له البائع لا ليس عندي، وهو عنده في الداخل" لتنطلق الضحكات ويقابلها السباب من كل من استمع إلى هذه النكتة الغريبة. ولكن يا للعجب يبدو أن جملة "ليس عندي وهو عنده بالداخل" هي تجسيد الواقع بين مصر وكورونا وبينهما وزارة الصحة في هذه الأيام، فالوزارة تنفي والوزير ينفي ورئيس الوزراء ينفي ولكن يبدو أن لديهم في الداخل كورونا لا يريدون الإفصاح عنه.
ستة أشخاص أيها المؤمن جاؤوا من فرنسا إلى مصر وذهبوا إلى مكان ما أو قل أماكن ما في الأراضي المصرية وقابلوا ما شاء الله لهم أن يقابلوا من النفوس المصرية وصافحوا باليد على ما شاء الله لهم أن يصافحوا من الأيادي المصرية، ابتسموا هنا وعطسوا هناك، انتشر الرذاذ من أفواههم وتجولت أنفاسهم وزفيرهم في مكان مغلق أو مفتوح ساروا إليه وهم مبتسمون يستمتعون بجولتهم السياحية، لامست أيديهم أسطح عربات استقلوها وأزرار المصاعد في الفنادق التي أقاموا بها، "دفعوا أموالاً" لسائق عربة هنا أو صاحب بازار سياحي هناك، وهنا وجب أن أتوقف قليلاً لتتخيل معي ما الذي يمكن أن يحدث مع دفع الأموال من مصاب بفيروس كورونا في بلد مثل مصر.
في مصر يخرج الرجل حفنة نقود ورقية من جيبه ليعطيك منها ورقة من فئة الخمسة أو العشرة أو أقل أو أكثر ولأن النقود ملتصقة ببعضها البعض فيستخدم أسهل الطرق لنقل العدوى تاريخيا حيث يضع إصبعه على طرف لسانه ليحصل منه على بعض قطرات لعابه التي تمكنه من إزالة النقود عن بعضها البعض، وهكذا من يد إلى يد يمكنك أن تذهب بهذا الكورونا من سائح فرنسي مصاب بكورونا إلى مواطن في صعيد مصر أو بجوار أهرامات الجيزة، ومنها إلى من يقوده قدره إلى الحصول على نقود من هذا الشخص بتلك الطريقة الفيروسية.
في مترو الأنفاق تحصل على تذكرتك من موظف الشباك بنفس طريقة النقود، وفي مجمع التحرير يلصقون الدمغة على أوراقك بطريقة مشابهة، لا يتخلصون من المناديل الورقية في أماكن مخصصة وإنما يلقى بها في مواصلات عامة وفي الشوارع وبداخل وخارج كل مصلحة حكومية.
سألت نفسي لماذا ذكر المسلسل الأمريكي مصر تحديداً، ووجدت الإجابة في مسئولي وزارة الصحة المصرية وتحديداً وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد التي أتحفتنا منذ ظهور كورونا بحفنة من المشاهد والإجراءات والتصريحات المتناقضة وغير المسؤولة، وزيرة الصحة التي خرجت بكمامة على وجهها أثناء استقبالها للعائدين من ووهان الصينية وهي ترتديها بشكل خاطئ، ثم قالت إن ارتداء الكمامات ليس ضرورياً، ثم عادت وقالت إن وزارة الصحة لديها ما يكفي من الكمامات، الوزيرة التي أعلنت أن مصر خالية من كورونا ثم قالت على طريقة من ينتظر العيد أن كورونا سيأتينا لا محالة ولكننا في حالة استعداد تام، الوزيرة التي صنعت كميناً لأطباء شبان ألقت بهم في مستشفى مرسى مطروح دون تدريب أو ترتيب أو استعداد لمواجهة هذا الفيروس، الوزيرة التي تقول إن كورونا لا خوف منه ولكن البقاء في المنزل لعدة أيام سيذهب به دون الحاجة لعزل طبي أو إجراءات وقائية أو استخدام أي إجراءات طبية من تلك التي تصدرها وتعلن عنها يومياً منظمة الصحة العالمية.
آخر تقليعات الوزيرة المصرية هي عدم انتظار كورونا ليأتي وإنما سنذهب إليه، فقد أعلنت الوزيرة ذهابها إلى الصين لزيارتها وتقديم الدعم المصري للصين بتوجيهات من السيسي شخصياً، ولا أعلم هل ذهبت لتدعم الصين أم لتعود لمصر بحالة إصابة جديدة
في كل الأحوال أناشد السلطات المصرية أن تعيد الوزيرة هالة زايد مباشرة من الصين على الحجر الصحي، ولندعُ لمائة مليون مصري بأن يحفظهم الله من كورونا ومن سلطات تخفس الحقيقة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.