وفي أعقاب المنافسات التمهيدية التي حدثت بولايتي إيوا ونيوهامبشير، ونيفادا مؤخراً، هل نتفق على أنّ كل ما قيل لنا عن السيناتور بيرني ساندرز كان خاطئاً؟ وأنّ الصحافة والنقاد والساسة جميعهم مُخطئون بشأنه؟ وليسوا مخطئين فقط، بل مُخطئين بشكلٍ تام ونهائي وواضح ومحرج وكارثي؟
ولابد من الرجوع إلى غزو العراق عام 2003 لنجد مثالاً آخر على النخب السياسية والإعلامية التي خالفت الواقع تماماً، وخالفته كثيراً في توقعاتها وتكهناتها، بل حرصت كثيراً على إشاعة الخرافات والتضليل. (في ملاحظةٍ جانبية، حين نذكر العراق يجدر بنا أن نتذكر كيف عارض ساندرز هذا الصراع الكارثي، في حين أنّ خصومه مايكل بلومبيرغ وجو بايدن أيدوه).
ودعونا نفكر في هذا الهراء الذي جرى تقبُّله باعتباره "تقريراً" و"تعليقاً" و"تحليلاً" بشأن ساندرز على مدار العام الماضي أو نحو ذلك.
إذ قالوا إنّه لا يمكن انتخابه، لأنّ هذا السيناتور المُستقل (78 عاماً)، المنحدر من ولاية فيرمونت، عجوزٌ وغريبٌ جداً لدرجةٍ لن تُمكّنه من الفوز، كما أن الأميركيين لن يصوتوا لصالح اشتراكي من وجهة نظرهم. ولكن في أعقاب فوزه المفاجئ خلال المجمع الانتخابي في نيفادا يوم السبت 22 فبراير/شباط، صار ساندرز الآن المرشح الأول في تاريخ الأمة -لأي من الأحزاب- الذي يفوز في التصويت الشعبي بالانتخابات الثلاث الأولى. وربما تعتقد أنّ إمكانية انتخابك يجب أن تكون متصلةً بطريقة أو أخرى بتحقيق الفوز فعلياً في الانتخابات (مرحباً جو بايدن!).
لكن تلك الانتخابات تمهيدية، فماذا عن الانتخابات العامة؟ حسناً، وفقاً لآخر استطلاعات الرأي الوطنية التي أجرتها شبكة CBS بالتعاون مع YouGov حول المواجهة بين شخصين، فإنّ ساندرز يتفوق على دونالد ترامب بهامش أكبر (قليلاً) من أيٍّ من منافسيه الديمقراطيين.
ودعنا من أمر استطلاعات الرأي الوطنية. فماذا عن منافسات الولايات في منطقة نطاق الصدأ؟ وفقاً لآخر دراسة أجراها مركز أبحاث UW–Madison Elections Research Center، يتقدّم ساندرز بأسبقيةٍ كبيرة على ترامب في ولايات ميشيغان وبنسلفانيا مقارنةً بجميع منافسيه الديمقراطيين، وبنفس فارق النقطتين عن ترامب في ويسكونسن، على غرار بايدن وإليزابيث وارن. (بالمناسبة، هل يعتقد أيّ شخصٍ عاقل أنّ بلومبيرغ، الملياردير النخبوي من نيويورك، يمتلك فرصةً أفضل للفوز في منطقة نطاق الصدأ من ساندرز الاشتراكي من الطبقة العاملة من فيرمونت؟)
ويقول البعض إنّ تأييد ساندرز محدود. إذ يرى النقاد أنّه لن يكون قادراً على الوصول إلى أكثر من اليساريين، والناخبين الشباب، وقاعدته الانتخابية. ومع ذلك، فاز ساندرز بأصواتٍ في ولاية نيفادا أكثر من الديمقراطيين "المحافظين" أو "الوسطيين". وفي الواقع، كتب مات فايزر من صحيفة Washington Post الأمريكية على تويتر: "كان فوز ساندرز مؤكداً: إذ رجحت كفته بين أولئك الحاصلين على شهادات جامعية والذين ليست لديهم شهادات، وبين الأسر النقابية وغير النقابية، وفي كل فئةٍ عمرية باستثناء من تجاوزت أعمارهم 65 عاماً… لدرجة أنّه حافظ على دعمٍ محدود من الوسطيين والمحافظين".
وتجاهل نقاد ساندرز منذ زمن طويل، حقيقة أنّ السيناتور المنحدر من فيرمونت يتمتع بقاعدةٍ شعبية بين الديمقراطيين من جميع الفئات. فهو ليس فقط العضو الأكثر شعبية في مجلس الشيوخ، بل يتمتع بأعلى دعمٍ صافٍ لأيّ مرشح رئاسي له ناخبون ديمقراطيون. فضلاً عن أنّه المرشح الذي "تتوقع" النسبة الأكبر من الديمقراطيين أن يهزم ترامب. ومثلما أشار بيتر بينارت في مجلة The Atlantic الأمريكية: "يُفضِّل الديمقراطيون العاديون بيرني ساندرز في أنحاء الطيف الأيديولوجي كافة".
حاول البعض على يمين الحزب الجدال بأنّ ساندرز استفاد من معارضيه "الوسطيين" بتقسيم الأصوات بينهم، إذ أشاروا إلى حقيقة أنّ ولاية إيوا منحت 54% من أصواتها لبيت بوتجيج وإيمي كلوبوشار وبايدن مجتمعين، مقابل 44% لساندرز ووارن، في حين منحت نيوهامبشير 53% من أصواتها إلى ثلاثةٍ من الوسطيين، مقابل 35% لاثنين من التقدميين. لكن في نيفادا، فاز ساندرز بمفرده بأصوات أكثر من بوتجيج وإيمي وبايدن مجتمعين.
وفي المنافسات المباشرة، هزم ساندرز منافسيه الديمقراطيين كافة ومن بينهم بلومبيرغ بفارق 15 نقطة!
ويقول البعض إنّ ساندرز يُعاني مشكلة مع الأشخاص ذوي البشرة السمراء. وربما يكون هذا الجدال القائم منذ وقت طويل حول أنّ ساندرز يُعاني مشكلةً مع الناخبين السود واللاتينيين، وأنّ مؤيديه يميلون إلى أن يكونوا من ذوي البشرة البيضاء الذكور ويطلق عليهم لقب "بيرني بروس"- هو الجدال الأشد خبثاً والأقل نزاهة ضد ساندرز من بين جميع الجدالات المطروحة. فبعد ثلاثة سباقات انتخابية، من الواضح أن السيناتور اليهودي من فيرمونت يتزعّم الآن ائتلافاً متعدد الأعراق والأديان يضم كلاً من الديمقراطيين والمستقلين. وفي نيفادا، بنهاية الأسبوع الماضي، يُقدّر أنّه فاز بنسبة 70% من الأصوات اللاتينية.
وفيما يتعلّق بأصوات الناخبين السود على الصعيد الوطني، تعادل ساندرز مع بايدن، الذي قيل إنّه يتمتع بـ"سيطرةٍ كاملة" على مجتمع الأقلية هذا بعينه. فهل من الغريب إذن أنه في ولاية كارولينا الجنوبية، التي تُوصف عادةً بأنّها "جدار الحماية" لبايدن، لأنّ الناخبين السود فيها يشكلون 60% على الأقل من الناخبين الديمقراطيين، تمكّن ساندرز من خفض تقدُّم نائب الرئيس السابق من 29 نقطة، الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني) إلى خمس نقاط فقط في الأسبوع الماضي؟ (وباتت ولاية كارولينا الجنوبية الآن تُمثِّل جداراً حدودياً أكثر من كونها جدار حماية).
ويرى آخرون أنّ سياسات ساندرز مُتشدِّدة ومكروهة. فهو -بحسب جدالهم– اشتراكيٌ يدعم السياسات المُتشدّدة البعيدة كل البعد إلى يسار الناخبين إجمالاً، علاوةً على أشهر الديمقراطيين الوسطيين. ولكن في إيوا ونيوهامبشير، مثلما أشرت سابقاً، دعمت أغلبيةٌ واضحة من رواد المؤتمرات والناخبين الأساسيين قانون الرعاية الصحية للجميع بوصفه بديلاً لنظام التأمين الخاص الحالي. وفي نيفادا أيضاً، قال ستةٌ من أصل كل 10 ديمقراطيين، إنّهم يدعمون نظام الرعاية الصحية المدفوع لشخص واحد على غرار نمط ساندرز.
وعلى المستوى الوطني، تدعم أغلبيةٌ (أقل) من الأمريكيين قانون الرعاية الصحية للجميع، وفقاً لآخر استطلاع أجرته منظمة Kaiser Family Foundation. وبعكس الحكمة التقليدية، فإنّ ساندرز هو المرشح الوسطي الحقيقي -وليس بايدن أو بلومبيرغ- من حيث دفع السياسات الشائعة لدى معظم الأمريكيين.
فهل يضمن بيرني ساندرز الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي الرئاسي في المؤتمر الوطني الديمقراطي هذا الصيف؟ ربما. هل يغلب ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني؟ ليست لدينا أي فكرة.
لكن النقطة الفاصلة هي أنّه يستطيع تحقيق الفوز، إذ يحظى بفرصةٍ كبيرة مثل أيّ مرشح آخر، إن لم تكن فرصته أفضل. وأي شخص يقول خلاف ذلك كاذب أو أحمق أو كلاهما.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Intercept الأمريكي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.