الحزن يأتي من وجود بضاعة مصرية مئة بالمائة من لاعبين في أرض الملعب ومن حوالي 30 ألف متفرج في المدرجات بينما التاجر أو الصانع أو البائع أو الناقل أو صاحب الحقوق الاقتصادية ليس له علاقة بمصر، ولكنه يعرف بمهارة و "شطارة" أن يستغل تلك البضاعة ليحقق النجاح المالي والدعائي بشكل كامل.
نفس المباراة في نفس البطولة بنفس الفريقين أقيمت في الإسكندرية قبل 7 شهور وخرجت بفشل ذريع اقتصادياً وإعلامياً وسياحياً وتسويقياً.. لأن الفارق شاسع بين من يعمل للنجاح ومن يفكر فقط فى مصالحه الشخصية الضيقة وفي إرضاء أولي الأمر من أهل السياسة والحكومة ووزارة الداخلية.
أما الانحطاط الأكبر فكان من كبير الزمالك وقائده شيكابالا (37 عاماً) والذي اشترك احتياطياً في نهاية اللقاء ولم يلمس الكرة مرتين ولم يشارك في ركلات الترجيح. ولم يكن له أي دور في الفوز الذي حققه فريقه بكأس السوبر.. فتوجه شيكابالا عاري الصدر إلى مدرجات الأهلي باحثاً عن أعلى درجات الاستفزاز.. وأتى بعدد من الحركات، التي يعاقب عليها القانون، وكررها عدة مرات متتالية، متناسياً أن حركاته غير الأخلاقية تصل إلى عيون الأطفال والنساء.
وكم كان الأمر مخزياً في المؤتمر الصحفي الذي أعقب المباراة عندما قال السويسري رينيه فايلر، المدير الفني للأهلي، بكل صراحة وقسوة: أنتم لا تعرفون شيئاً عن الروح الرياضية.. لا الفائز ولا الخاسر.. كرة القدم رياضة تنتهي بثلاث نتائج وعلينا قبولها دون خروج عن النظام.
ثم توجّه للصحفيين قائلاً: أنتم تسألون أسئلة حادة جداً وتقومون بعمل لا علاقة له بالصحافة. وإذا كان ذلك هو مفهومكم عن كرة القدم فلا أجد حرجاً أن أعلن لكم أنني لا أفهم كرة القدم.
عمق المأساة الرياضية والأخلاقية في مباراة كأس السوبر المصرية لم ينتهِ.. فعندما انتظر الجميع معرفة تقرير المباراة للاعلان عن اللاعبين والاداريين المتورطين في جريمة الشغب من شاهد عيان في الملعب. كانت المفاجأة.. مراقب المباراة جمال الغندور وهو رئيس لجنة الحكام لم يحضر المباراة بل لم يسافر أساساً إلى أبوظبي؛ لأنه كان مشغولاً في عضوية لجنة حكام بطولة ودية للشباب في السعودية. وما ينتظره من مال في البطولة العربية الودية التي تمتد لأسبوعين أكثر جداً مما يناله عن مراقبة مباراة واحدة.
مصر مارست كرة القدم في منتصف القرن التاسع عشر وتأسست بها الأندية في مطلع القرن العشرين وشاركت في الألعاب الأولمبية في إمستردام 1920 وفي نهائيات كأس العالم 1934 في إيطاليا.. وصدرت اللاعبين المحترفين إلى أندية أوروبا لاسيما إنجلترا وفرنسا منذ عام 1911.. ولكنها لم تستفد من ريادتها ومن تعدادها ومن شعبية أنديتها ونجومها.. وتراجعت الكرة المصرية في كل شيء حتى صارت عاجزة عن مواكبة التقدم في إفريقيا وآسيا.
وها هو الاتحاد الإفريقي يعلن عن تنظيم المباراتين النهائيتين لبطولتي دوري الأبطال وكأس الكونفيدرالية في ملاعب محايدة في مايو/أيار المقبل.. ويطلب من الدول التقدم لتنظيمها وحدد يوم 20 فبراير/شباط موعداً نهائياً لطلبات التقدم.. وأغلق الباب ولم يتقدم سوى تونس والمغرب بينما مصر التي تملك أكبر ملعبين في شمال إفريقيا (ملعب القاهرة الدولي وملعب برج العرب بسعة تزيد عن 70 ألف متفرج لكل منهما) احتجبت واكتفت بالمشاهدة رغم وجود أربعة أندية مصرية (رقم قياسي في البطولتين) ضمن المتأهلين لنهائيات البطولتين.
كرة القدم في مصر هي العشق الأكبر لخمسين مليون مواطن.
عضو سابق فى لجنة الاعلام بالاتحاد الافريقي وعضو سابق فى الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصاءات كرة القدم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.