وتُعرف الخبرة بأنها "المعرفة المُسبقة بالأشياءِ والأمور الحياتية والعلمية وغيرها، يمتلكها أفراد أو مجموعة من البشر، والتي بُنيت على أساس المعرفة المتراكمة للأمور، قد تكون بسبب التكرار المتماثل لعملٍ معين، أو الطموح المعرفي الذي يجعل الإنسان يتعلمُ أموراً قد تكون خارج اختصاصه، لأجل إثبات ذاتهِ، أو لإجل حاجة خاصة مُلحة تتعلق به".
حيث أصبحت الخبرة من ضروريات الحياة، فهي لا تتعلق بكم المعلومات التي يملُكها الإنسان بقدر الطريقة المناسبة التي سيوصل بها معرفتهُ للمتلقي بدون نمطيةٍ، فمثلاً الفيزياء لمجرد أن يسمع المتلقي اسمها سيشعرُ بالمللِ، لأن الصورة النمطية التي بُنيت عليها تتخذُ من المعادلات والأرقام الصم شكلاً لها، بعيداً عن التجارب الفيزيائية الحية الضرورية لإثبات معادلةٍ ما، لتنحصر بـ "التخيل" فقط مما يؤدي إلى نفور البعض منها، كذلك علم الرياضيات أو الكيمياء. الخبرة هنا مهمة، حيثُ ستلعب دورها في تقريب الصور العلمية للمتلقي بدونِ نمطيةٍ كلاسيكية، حتى وإن كانت الأدوات المتوفرة فقيرة أو شبه معدومة، المهم هو إيصال الفكرة بأبسط الطرق، لمخاطبة أكبر عددٍ ممكن من الناس المتباينين بطريقة تلقيهم للمعلوماتِ، وهذا العمل يتطلب مرونة بالفكر وارتجالاً في استخدام أبسط الأدوات المتوفرة.
لابدَّ من الإشارةِ إلى أن الخبرة لا تنحصرُ بشخصٍ أو مجموعةِ شخوص ذوي تخصصٍ واحد، ففي بعض الأحيان هناك مواقف تتطلب تضافر عدة جهود وخبرات لأجل الوصول إلى الهدف المرجو. فمثلاً في أفلام الكوارث، وعلى سبيل المثال، فيلم "يوم ما بعد الغد" أو (The Day After Tomorrow)، الذي يتحدث عن تغير المناخ -وهذه الكارثة نشهدها اليوم فعلاً- بشكل فجائي متسبباً بمناخ جليدي يضرب دول العالم، لتتضافر فيما بعد عدة جهود لتخطي الأزمة، ولو تمعنا جيداً في الفيلم لوجدنا أن العالم الجيولوجي والعسكري والطبيب وعامل المكتبة وغيرهم، صحيح أن تخصصاتهم بعيدة كل البعد عن الآخر، إلا أن كل الجهود والاختصاصات تضافرت لأجل هدفٍ واحد هو (حماية البشرية)؛ حيث استطاعوا أن يتعدوا الكارثة بسبب خبراتهم المتراكمة والأهم هو الإرادة. بعضهم ضحى بحياته لأجل استمرار الحياة، إيماناً منهُ بأن بقية البشر سيُكملون الطريق. وبغض النظر عن أنهُ مُجرد فيلم سينمائي أو سيناريو مُقترح لكارثة بيئية واقعة، لكن لو فعلاً تضافرت الجهود اليوم لتم إيجاد حلٍ لمشكلة التغير المناخي التي ستتحول إلى أزمة كبيرة ستعصف بنا بأي لحظة، بدل أن نعيش الفيلم واقعاً!
والجدير بالذكر أنهُ سينمائياً تُصورُ الأفلام العُلماء وأصحاب المعرفة المتراكمة الخبرات بأنهم غريبو أطوار، فمنهم شكلهُ غريب أو زيهُ فانتازي، أو هوسهُ في السيطرة على العالم!. لكن واقع الحال يختلف تماماً، فإنهم فقط يفكرون بصورة بعيدة عن النمطية التي تحيط بنا، وينظرون للأمور من زاويةٍ مختلفةٍ تماماً، بسبب التراكمات العلمية والفكرية والبحث والتطوير المستمر، لذا يمكن القول إنهم خُبراء في مجالِ عملِهم.
وبالتأكيد الخبرات المتراكمة لم تأتِ من الفراغ، بل ترتب عليها بذل المزيد من الجهد والوقت لتعلم وتطوير الخبرات الحالية، لتتبلور بصورة نجاحاتٍ ملموسة، من خلال التجارب الفعلية الحياتية الكثيرة، والأهم فإن أي خبرة لا تأتي إلا من خلال المحاولة ولمرات متعددة، أي إن الخبرة وليدة مجموعة من الأخطاء السابقة، وليست مجرد نجاحات متوالية أو مايعرف بـ (حظ المبتدئين).
وللخبرة عدة أوجه، أهمها:
1- الخبرة العملية: خبرات تتطلب رؤية شاملة ولا تحتمل أي أخطاء، مثل العمليات الجراحية في الطب تتطلب خبرات طبية مُتخصصة، أو الهندسة المعمارية التي تتطلب خبرات بناء وتصاميم عصرية.
2- الخبرة الذهنية : وتعتمد بالشكل الأساسي على الرؤية العقلية للموضوعات قبل البدء بتنفيذها كونها معقدة أو مكلفة أو أنها تحتاج إلى صياغة خاصة، مثلاً كتابة القصص والحكايات تتطلب مَلَكَة الكتابة والتعبير كونها العامل الأساس في التأثير بالمتلقي.
3- خبرات فطرية: وتتمثل بالأشخاص الذين يولدون بمواهب فذة تميزهم عن غيرهم، مثلاً الرسم أو الصوت الغنائي المميز أو السرعة في الحسابات الرياضية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.