عندما تصبح الخسارة ممتعة.. كيف قادت أكبر هزيمة في تاريخ البريميرليغ ساوثهامبتون نحو القمة؟

عدد القراءات
10,656
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/21 الساعة 16:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/21 الساعة 16:43 بتوقيت غرينتش
عندما تصبح الخسارة ممتعة.. كيف قادت أكبر هزيمة في تاريخ البريميرليغ ساوثهامبتون نحو القمة؟

ماذا لو سألك أحدهم: "هل الخسارة ممتعة؟".

ستتعجب بالتأكيد.. ما هذا السؤال!

الخسارة ليست ممتعة، إنها أسوأ أنواع العذاب، أنا أكره الخسارة بقدر ما يكره هتلر اليهود، لكن دعني أخبرك رأيي عن الخسارة بشكل موسَّع، ومتى أعتبرها ملهمة. تكون الخسارة ملهمة إذا ما نهضتَ منها وحاربتَ بكل ما أُوتيت من قوة، كي لا تخسر مرة أخرى.

كيف قاد فيلم "Moneyball" ثورة ساوثهامبتون؟

في فيلم "Money Ball"، ينطلق من داخل فريق "أوكلاند أثليتيك" الذي تذيّل ترتيب دوري البيسبول في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافةً إلى خسارة نجومه الأساسيين، الذين رحلوا باتجاه فرق أخرى.

براد بيت في فيلم Moneyball

تلك البداية دفعت مدير الفريق، الذي جسد دوره الفنان براد بيت، إلى أن يبحث عن طريقة أخرى للنجاح غير شراء نجوم الفرق الأخرى، لأن ميزانية الفريق لا تسمح بذلك. فيذهب يبحث ويبحث، حتى يستقر على اتباع طريقة جديدة في بناء الفريق، ألا وهي شراء اللاعبين عبر الإحصائيات وتحليل البيانات، يدفع ذلك بطلنا لاجئاً إلى شاب تخرَّج لتوه من الجامعة، ليعمل محللاً للبيانات سواء كانت تلك البيانات متعلقة بقوة اللاعب أو سرعته أو عمره أو شيء يخص اللاعب من قريب أو من بعيد؛ وهو ما يؤدي إلى وضع تشكيل مناسب لمجموعة من اللاعبين بشكل أفضل، ورغم خسارة 11 مباراة في البداية، وبدا أن النظرية في طريقها للفشل، وهو ما أسعد المعارضين لطريقة العمل الجديدة داخل النادي بالتأكيد، فإن الفريق انتصر في 20 مباراة متتالية، محققاً رقماً قياسياً في الدوري الأمريكي، جعله يصل إلى المباراة النهائية أمام أحد أكبر الفرق الأمريكية "اليانكيز".

رالف هازنهاتل لم يستسلم!

ماذا لو أخبرتك بأن مدرباً ما، انهزم بفارق 9 أهداف في مباراة واحدة. بالتأكيد ستستنتج فوراً مدى فشل ذلك المدرب، وانهيار ذلك الفريق ووصوله بالفعل إلى الحضيض، وأنه على مشارف الهبوط.. ولكن هذا لم يحدث في ساوثهامبتون!

في أحد أحاديثه، يقول توفيق الحكيم: "إنَّ ألم الهزيمة مهما عظُم يتضاءل كلما اشتركنا فيه معاً". على النهج نفسه، بقيت إدارة ساوثهامبتون واثقة بمدربها، ولاعبو الفريق كانوا على أهبة الاستعداد لقلب تلك الهزيمة إلى قصة ملهمة، بعد 78 يوماً واجه ساوثهامبتون ليستر سيتي مرة أخرى، ولكن تلك المرة كانت مختلفة، انتصر لاعبو ساوثهامبتون وأعادوا الاعتبار لأنفسهم .

لكن ماذا تغير في الأيام الـ78؟

فريق في مراكز الهبوط، بالتأكيد هناك خطأ ما، لذلك علينا الجلوس والبحث عبر الأخطاء؛ لإنقاذ الموسم، وهو بالضبط ما فعله المدير الفني هازنهاتل. لاحظ رالف في أثناء تحليله لفريقه في فترة التوقف الدولي، أن فريقه نادراً ما امتلك خطة وتشكيلة ثابتة عبر الموسم الكروي، حتى داخل المباريات تبديل واحد كفيل بتغيير شكل الفريق تماماً داخل الملعب.

كان ساوثهامبتون يبدأ مبارياته دائماً برسومات خططية لا تمتلك أي أجنحة، في بعض الأحيان بثلاثة مدافعين، أو أحيان أخرى بخطة اشتهر بها مع لايبزيغ 4-2-2-2، والجميع في عمق الملعب، لكن ما كان واضحاً هو أن تلك الخطط ليست ناجحة في ساوثهامبتون والدوري الإنجليزي.

نتيجة لفشل الفريق بالثلث الأول من الموسم في ممارسة الضغط العالي وهو أهم ما يميز هازنهاتل كمدرب، احتل الفريق المركز الرابع كأكثر فرق البريميرليغ استقبالاً للتسديدات، أضعف خط دفاع في الدوري باستقبال 29 هدفاً.. كل هذا في الثلث الأول فقط من الموسم. 

أسبوعان بعد مباراة ليستر، بدأ هازنهاتل بتغيير شكل الفريق تماماً إلى الـ4-4-2 التقليدية التي تعطي الفريق توازناً عبر الدفاع والهجوم. بعد اختيار ذلك الرسم بدأ هازنهاتل حل مشكلته الأخرى، ألا وهي الثبات على التشكيلة، فاختار كل من يناسب تلك الخطة من لاعبيه كتشكيلة أساسية لا تتغير إلا في أضيق الحدود.

ذلك التغيير في الخطة والثبات على التشكيلة منحا ساوثهامبتون ما أراده من الموسم، حيث استقبلوا 67 تسديدة أقل في الثلث الثاني من الموسم، وهو ما نتج عنه استقبالهم 16 هدفاً أقل في الثلث الثاني من الموسم، لكي يصبح ساوثهامبتون ثالث أقوى دفاع في البريميرليغ بالثلث الثاني من الموسم بعد ليفربول وكريستال بالاس. أما هجومياً فسجلوا 9 أهداف أكثر من الثلث الأول من الموسم، الأهم من ذلك أن يحصد الفريق في الثلث الثاني من الموسم 23 نقطة بالتمام والكمال، كثالث أكثر فرق البريميرليغ حصداً للنقاط في آخر 12 مباراة بعد ليفربول ومانشستر سيتي. 

نصل الآن إلى التساؤل عن الطريقة التي نجا بها الفريق من الدمار والانهيار؟ وكيف أصبح قريباً جداً من مراكز المشاركة الأوروبية؟

نهج اللعب هو الأهم!

سأل رالف هازنهاتل نفسه سؤالاً: ماذا لو غيَّرنا نهج اللعب قليلاً أيضاً؟

لأن 4-4-2 التقليدية أسلوب مباشر في كرة القدم، علينا الاعتماد أكثر على الكُرات الطويلة، في 4-4-2 الخاصة بهازنهاتل تكتيكات الحصول على الكرة في نصف ملعب الخصم، تعتمد على إرسال كرات طولية عالية مباشرة للهجوم. ولكن الطريقة التي يتفاعل بها الفريق مع خسارة تلك الكرات الطويلة ليست بالعودة إلى الوراء والدفاع. لكن بدلاً من ذلك يعتمد على تشكيل ضغط مضاد مصمم خصوصاً من رالف في كل مباراة تسمح لهم بالفوز بالكرة في نصف ملعب الخصم، أو ما يسمى "الفوز بالكرات الثانية". ومن ثم يكون الفريق في وضع يمكنه من خلاله الهجوم بسرعة وكفاءة، حيث يهاجم الفريق في وقت واحد، عندما لا تكون الخصوم في الوضع الدفاعي المفضل لديهم.

إذا لم تنجح الكرة الطولية ولم تصل إلى لاعب ساوثهامبتون المقصود، تصبح العودة إلى الوراء أمراً يرتبط عادةً بـ "فرق الكرة الطويلة". وبدلاً من ذلك، يشرعون في الضغط، حيث يحاول خط الوسط استعادة الكرة، هذا هو المكان الذي تأتي فيه ميزة 4-4-2 هازنهاتل، حيث لاعبو الأجنحة ينتقلون إلى مكان أعلى وأضيق، ويشكلون مع ثنائي المهاجمين وثنائي خط الوسط شكلاً دائرياً نوعاً ما، حيث يمكنهم بسهولةٍ "اصطياد" حامل الكرة، وهو ما يجعل الضغط على نحو فعال وكفء وأسهل بكثير.

حياة مشجع

إذا لم تكن حتى الآن مقتنعاً بنظرتي بأن الخسارة ممتعة إذا ما نهضتَ منها وحوَّلتها إلى انتصار، فدعني أخبرك بقصة مشجع لساوثهامبتون شاهَد فريقه ينهار، ينهزم بأقصى درجات الإذلال الكروي، الجميع يستهزئ بفريقه، يتساءل: لماذا لا تشجع ليفربول؟

فريقك كارثي يا رجل! لكنه لم يستسلم، حارب الجميع، وثق بفريقه وبأنه لن ينهار.

كانت أقصى درجات طموح ذلك المشجع أن يبقى فريقه في الدوري الإنجليزي، ثم ماذا حدث بعد الخسارة والنهوض منها؟ أصبح الآن ذلك المشجع يحلم بتأهل أوروبي، يحلم لفريقه بأقصى درجات الطموح، لقد شاهد فريقه ينهض من منطقة ما تحت الصفر، فمن يضاهي ذلك المشجع وفخره بفريقه؟

لا تأخذ من كلامي فقط أن الهزيمة أمر مقبول، لا أبدا أنا لم أقل ذلك، لكن لا تأخذ الهزيمة كنهاية المسار، متعة المسار تكمن في الرحلة نفسها التي دائماً ما تبدأ من فشل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد الزير
طالب بكلية الطب ومدون رياضي
طالب بكلية الطب ومدون رياضي
تحميل المزيد