اتهم رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو؛ رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بأنه يقود الجناح السياسي للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة غولن، كما اتهم حزب العدالة والتنمية بتمرير قوانين أعدها التنظيم، وتسهيل هروب قادته من البلاد. وبعد تقدم أردوغان بدعوى قضائية ضد كليتشدار أوغلو يطالبه فيها بدفع 500 ألف ليرة تركية كتعويض للضرر المعنوي الذي ألحق سمعته من خلال اتهاماته الباطلة، قام الأخير أيضا برفع دعوى قضائية ضد رئيس الجمهورية بطلب دفع خمسة قروش لذات السبب.
قضية الجناح السياسي للكيان الموازي تتم إثارتها بين الفينة والأخرى، في ظل الاعتقاد السائد لدى الجميع بأن خلايا التنظيم السري تغلغلت في الأحزاب السياسية أيضا كما تغلغلت في أجهزة الدولة؛ لأنه من المستحيل أن يترك التنظيم الساحة السياسية دون أن يزرع فيها كوادره بهدف توظيفهم واستغلالهم في خدمة أجندته.
خلايا الكيان الموازي تغلغلت في الأحزاب السياسية المؤثرة، كما تغلغلت في الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات والقضاء، بالإضافة إلى المدارس والجامعات ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات رجال الأعمال ووسائل الإعلام، وحتى في الأندية الرياضية. ولذلك، يمكن الحديث عن خلايا التنظيم المتغلغلة في الأحزاب السياسية، ولكنه من الخطأ وصف أحد الأحزاب بـــ"الجناح السياسي للكيان الموازي".
جماعة غولن دعمت منذ نشأتها أحزابا عديدة وتيارات سياسية مختلفة، حسب ما تقتضيه مصالحها وأجندتها، مثل حزب الوطن الأم برئاسة تورغوت أوزال، وحزب اليسار الديمقراطي برئاسة بولنت أجاويد، كما دعمت حزب العدالة والتنمية، حتى تنبهَ أردوغان لخطورة الكيان الموازي، وتحركَ ضده. ولما علمت الجماعة أن رئيس الجمهورية التركي سيقدم خطوات عملية للحد من نفوذها، أعلنت حربا ضده، وحاولت إسقاطه بأي طريقة.
صحيح أن الجماعة دعمت حزب العدالة والتنمية بعد تأسيسه لمدة، وكان هناك نواب في صفوف الحزب منتمون إلى الكيان الموازي أو مقربون من الجماعة، إلا أنهم استقالوا بعد اشتداد التوتر بين الحزب والجماعة تضامنا مع الأخيرة، أو تم إبعادهم عن حزب العدالة والتنمية في إطار عملية تطهير الحزب من عناصر الكيان الموازي.
القول بأن أردوغان "رئيس الجناح السياسي للكيان الموازي"، منافٍ للعقل والمنطق. ولو كان أردوغان كذلك لما أعلنت الجماعة حربا شرسا ضد حزب العدالة والتنمية، ولا حاولت مرارا إسقاط أردوغان. ولو كان رئيس الجمهورية التركي يعمل لصالح الكيان الموازي الذي تدعمه الولايات المتحدة وتحتضن زعيمه، لكانت علاقات أنقرة مع واشنطن سمنا على عسل.
اتهام أردوغان بهذه التهمة لا يصدقه أي عاقل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "لماذا أثار كليتشدر أوغلو الآن هذا الموضوع ووجَّه إلى رئيس الجمهورية التركي هذه الاتهامات غير القابلة للتصديق؟".
حزب الشعب الجمهوري الذي يترأسه كليتشدار أوغلو، من الأحزاب السياسية التي تغلغل فيها عناصر الكيان الموازي، ونجحت الجماعة في زرع رجالها في صفوف حزب الشعب الجمهوري وكأنهم أشخاص علمانيون وأتاتوركيون. وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها الكيان الموازي في 15 تموز/ يوليو 2016، تحول حزب الشعب الجمهوري إلى قلعة محصنة يحتمي بها عناصر التنظيم، كما أن هناك علامات استفهام كثيرة حول وصول كليتشدار أوغلو إلى رئاسة حزب الشعب الجمهوري ودور الكيان الموازي في إسقاط سلفه، دنيز بايكال، من خلال تسجيله في وضع مخل وتسريب الفيديو إلى وسائل الإعلام. وبالتالي، قد يكون كليتشدار أوغلو يسعى إلى التصدي لاحتمال افتضاح حجم العلاقات بين حزب الشعب الجمهوري والكيان الموازي وانكشاف تفاصيلها، ويقوم بهجمات استباقية.
هناك تفسير آخر لتوقيت إثارة الموضوع واتهام أردوغان بهذه التهمة. ويقول أصحاب هذا التفسير إن تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري تمهد لتحركات واسعة تستعد الجبهة المعارضة لإطلاقها ضد رئيس الجمهورية التركي وحزب العدالة والتنمية، لإشغال الحكومة بالداخل، وسط تكهنات حول احتمال حدوث محاولة انقلاب جديدة في البلاد.
مهما كان سبب تصريحات كليتشدار أوغلو التي اتهم فيها أردوغان بقيادة الجناح السياسي للكيان الموازي، فإن هناك حقيقة واضحة كوضوح الشمس التي لا يمكن حجبها بغربال، وهي أن كلا من حزب الشعب الجمهوري وجماعة غولن جزء من الجبهة العريضة التي تسعى إلى إسقاط رئيس الجمهورية التركي، وأن بينهما تنسيقا وتعاونا على أعلى المستويات من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.