من فريق مهدد بالإفلاس، مشاكله بالجملة، يعاني من تراجع في النتائج وجودة اللاعبين، إلى آخر يعمل بهدوء، يراكم النجاحات الصغيرة فوق بعضها البعض، ينافس بقوة، ويعود من الباب الكبير في 2020.. هكذا كانت دورة حياة نادي لاتسيو في الفترة من 2004 حتى يومنا هذا كما يحكيها رئيس مجلس إدارة النادي منذ صيف 2002 كلاوديو لوتيتو.
في عام 2004 كشف لوتيتو عن حال النادي عندما تسلم رئاسته، وهو يقول: "لقد قمنا باستلام النادي وفي خزينته 84 مليون يورو، وعلينا ديون قيمتها تجاوزت 550 مليون يورو". كان لاتسيو على وشك الإفلاس في نهاية عهد سيرجيو كرانيوتي عندما تكبد النادي خسائر مالية هائلة، وذلك على الرغم من الفوز بالإسكوديتو عام 2000.
يكشف لوتيتو النقاب عن كواليس النادي قائلاً: "عندما دخلت عالم كرة القدم من بوابة لاتسيو كان لدى النادي مشاكل عديدة، أهمها هو أن النادي كان مفلساً فعلياً. لقد تحملت عبء ديون هائلة، واعتبرني بعض المقربين مني مجنوناً. بالنسبة لي، كان ذلك التحدي الذي أود خوضه."
وعن الفكرة الأساسية التي تمحورت حولها وسائل إخراج النادي من أزمته يشرح لوتيتو: "يجب أن نتوقف عن التفكير في أن نادي كرة القدم يمكن أن يكون مدعوماً من قِبل راع واحد فقط، يضع أمواله الخاصة في خزائن النادي ويتحمل هو الخسائر ويجني الأرباح. يجب أن نرى النادي كشركة عامة مدرجة في البورصة، وعلينا -حاملي الأسهم- تحمل نتائج ذلك على المدى البعيد".
يمتلك لاتسيو اليوم أصولاً عقارية بقيمة 200 مليون يورو، وفريق بقيمة 600 مليون يورو. ومباشرة بعد يوفنتوس، فاز لاتسيو بأكبر عدد من الميداليات الفضيات خلال العقد الأخير. وهذه النتائج التي وصل إليها المشروع الرياضي بالكامل ليست بفضل الرئيس فقط وإنما نتيجة عمل كبير من الجميع، سواء الإدارة بقيادة لوتيتو، أو مدير كرة القدم إيغلي تاري، وبالتأكيد سيموني إنزاغي مدرب الفريق.
إنزاغي هو البطل الحقيقي لمشروع لاتسيو الكروي، المدرب والقائد والعقل المدبر ومهندس انتصارات الفريق، بعد أن ضبط الكثير من الأمور بهدوئه ودأبه وتنظيمه وتطوره التكتيكي. وراهن الإيطالي على خطة لعب 3-5-1-1 و 3-5-2 منذ قدومه، بتواجد ثلاثي دفاعي صريح أمام المرمى، رفقة ثلاثي بالمنتصف وثنائي على الأطراف، بينما يهز شباك منافسيه بمهاجم صريح وآخر متحرك بين الخطوط سواء في الاستحواذ أو الحالة الدفاعية.
يطبق نسور العاصمة أفكار مدربهم بشكل ممتاز، خصوصاً ثنائية الهجوم التي يتمركز خلفها ثلاثي الوسط الذي يتحول إلى خماسي في الحالة الدفاعية. ويعتمد سيموني على اللعب المباشر العمودي، بنقل الهجمة من خط إلى آخر بأقل عدد من اللمسات، مع الوصول إلى مرمى المنافسين بالمرتدات السريعة، لذلك أجاد لاتسيو "كرة التحولات" خصوصاً أمام الفرق الكبيرة التي تبادر بالهجوم، ولنا عبرة في مبارياته الأخيرة أمام يوفنتوس.
لا يسجل هذا الفريق بالمرتدات فقط، بل يطبق سيموني الضغط المرتد أو "الكونتر بريسينغ"، فعندما يضغط المهاجم المتحرك على لاعب ارتكاز الخصم، تقطع الكرة ومع عدة تمريرات قصيرة تستمر حتى دخول منطقة الجزاء وتسجيل الهدف. وتؤكد السجلات التحليلية قوة لاتسيو في الضغط داخل نصف ملعب منافسيه، وطلبه الكرة باستمرار في الأماكن الخطيرة قبل المرور إلى دائرة المنتصف، هكذا يسجل إيموبلي ورفاقه بالمباريات الأخيرة في الدوري والكأس.
"لاتسيو من أفضل الفرق التي تلعب بـ 3-5-2، كثافة بالوسط، مساحات قليلة بين الخطوط، تحولات ولا أسرع، مع لويس ألبرتو، بارولو، خواكين كوريا، سافيتش، والثنائي كايسيدو إيموبيلي، ليصنع المدرب لوحة فنية رائعة بأقلام من الرصاص، فشلت في إثبات نفسها مع فرق أخرى، ليلتقطها إنزاغي ويحولها إلى ماكينات في الحالتين الدفاعية والهجومية".
إيغلي تاري.. الجندي المجهول
لويس ألبرتو، خواكين كوريا، سافيتش ميلينكوفيتش، دي فري، وحتى إيموبيلي، كل هذه الأسماء تألقت بشكل مضاعف في لاتسيو، مقارنة بما قدموه سابقاً مع فرق أخرى، لذلك ارتفعت القيمة السوقية لهم بطريقة غير طبيعية.
في مدونة "ذا لازيالي"، يتحدث تقرير سابق عن قيمة إيغلي تاري وأهميته الكبيرة في مشروع لاتسيو. على مدار المواسم القليلة الماضية، عاود لاتسيو صعوده بهدوء ليصبح قوة رئيسية في كرة القدم الإيطالية ويستحق المدير الرياضي للفريق إيغلي تاري الكثير من الفضل في ذلك. لقد عمل بلا كلل لإيجاد أفضل الصفقات في أوروبا وحول لاتسيو إلى منافس دائم على المقاعد المؤهلة إلى أوروبا.
بدأ تاري مسيرته الكروية مع نادي بارتيزاني في موسم 1993/1994، وفي موسم 1994/1995 انتقل إلى نادي والدهوف مانهييم، وفي موسم 1995/1996 انتقل إلى نادي سودويست لودويغشافن، وفي موسم 1996/1997 انتقل إلى نادي كارلسروه الألماني، ولعب معهم 8 مباريات، وفي عام 1997 انتقل إلى نادي فورتونا دوسلدورف الألماني، ولعب معهم حتى عام 1999، وشارك معهم في 63 مباراة وسجل 24 هدفاً، وفي عام 1999 انتقل إلى نادي باير ليفركوزن الألماني، ولعب معهم حتى عام 2001، وشارك معهم في 26 مباراة وسجل 4 أهداف، وفي عام 2001 انتقل إلى نادي بريشا الإيطالي، ولعب معهم حتى عام 2003، وشارك معهم في 75 مباراة وسجل 15 هدفاً، وفي عام 2003 انتقل إلى نادي بولونيا، ولعب معهم حتى عام 2005، وشارك معهم في 55 مباراة وسجل 11 هدفاً، ومنذ عام 2005 حتى 2008، لعب الألباني في لاتسيو حتى اعتزاله كرة القدم وتوجهه إلى مجال الإدارة الرياضية.
يقول لوتيتو عن اختيار إيغلي تاري وأسباب توليه هذا المنصب بعد اعتزاله: " إنه صبي يتمتع بشخصية قوية جداً، لديه الكثير من المعرفة الدولية، ويتحدث خمس لغات ولديه شغف كبير ببلده".
بدأ الرجل عمله سريعاً ليجلب للنادي صفقات مميزة، أهمها على الإطلاق سيرجي ميلينكوفيتش سافيتش. بدأت قصة لاعب الوسط الصربي في عام 2015. كان يلعب لصالح جينك في دوري المحترفين البلجيكي. سافر تاري إلى بلجيكا في محاولة لعقد صفقة مع النادي البلجيكي للاعب البالغ من العمر 20 عاماً.
كان ميلينكوفيتش سافيتش في بلجيكا لمدة عام فقط، بعد أن انضم للنادي من نادي فويفودينا الصربي في عام 2014 مقابل رسوم تبلغ حوالي 900000 جنيه إسترليني. كان المدير الرياضي يتابعه منذ أيام تواجده في صربيا، لذلك انقض عليه سريعاً وتعاقد معه مقابل 15 مليون يورو فقط، بالإضافة إلى 3 ملايين أخرى كمتغيرات، لتصل قيمته السوقية حالياً إلى 70 مليون يورو على الأقل.
غادر بيليا إلى ميلان في صفقة مهمة، ليتعاقد لاتسيو سريعاً مع لوكاس ليفا الذي أصبح أحد أهم نجوم الفريق مؤخراً. إيموبيلي بعد عدة تجارب فاشلة خارج إيطاليا، التقطه لاتسيو في 2016 مقابل 10 ملايين يورو ليصبح أحد أفضل هدافي أوروبا حالياً. جنباً لجنب مع أسماء مثل خواكين كوريا ولويس ألبرتو، والحارس الألباني توماس ستراكوشا، الذي جلبه من فريق يوناني مقابل أقل من 100 ألف دولار، ليلعب معاراً في عدد من الفرق قبل عودته لحراسة مرمى لاتسيو، وتألقه الاستثنائي مع الفريق بالمواسم الماضية.
تكتيكياً وخططياً، يجيد سيموني توزيع لاعبيه بشكل مثالي داخل الملعب، فالمدرب يضع كل لاعبيه في مختلف مراكز الوسط دون خوف، بداية بالبرازيلي لوكاس ليفا الذي حل مكان الأرجنتيني الراحل لوكاس بيليا، كارتكاز دفاعي صريح أمام ثلاثي الدفاع، ليقوم بوظيفة قاطع الكرات على الطريقة الكلاسيكية، مع معاونة مستمرة من بارولو وسافيتش يميناً ويساراً، مما يجعل لاتسيو متفوقاً على أي فريق منافس بخلق حالة 3 ضد 2 حول منطقة المحور.
لوليتش لعب مرات عديدة في الارتكاز المساند، ليعود خطوات إلى الخلف ويدافع بجوار زملائه، لذلك عندما يتواجد كـ "وينج باك" على الطرف الأيسر، فإنه يقوم بمهمة الجناح على الخط بالإضافة إلى كونه لاعب وسط رابعاً عند الحاجة، مما يسمح لزميله لوكاس ليفا بالعودة إلى الوراء وتقليل الفراغات في وبين الخطوط. يدافع لاتسيو عندما يواجه فريقاً هجومياً يضم أكثر من نجم، وينتظر المرتدة القاتلة معتمداً على انطلاقات لاعبيه على الأطراف، كذلك يهاجم من البداية أمام الفرق المتكتلة ويضغطها في نصف ملعبها، حتى يقطع الكرة قرب منطقة الجزاء ويسجل بأسرع طريقة ممكنة.
لويس ألبرتو لاعب مهاري بامتياز، أنيق وهداف وصانع مميز، لكن في مباراة الفريق أمام يوفنتوس وعندما سيطرت السيدة العجوز في الشوط الثاني، لجأ سيموني إلى حله العبقري بدخول بارولو، أحد أهم اللاعبين الخططيين في الكالتشيو. هنا تظهر قيمة ثلاثي الوسط لفريق لاتسيو، لوكاس أمام الدفاع، بارولو يمين والرائع ميلينكوفيتش على اليسار، بالتالي يوفنتوس يمرر فقط إلى الطرفين، يمين أو يسار، لتحدث الكماشة التي يريدها سيميوني بأقدام الوينغ باك ولاعب الوسط المائل.
إذ يتمركز بارولو في أنصاف المسافات بين الوينغ باك وبين المهاجم إيموبيلي المتأخر، لغلق كافة زوايا التمرير، وفي نفس الوقت يتمركز لوكاس ليفا أمام دفاعه في العمق، لضمان التغطية بنظام دفاع المنطقة في حالة مرور الكرة. وعند الحصول على الكرة يبدأ اللعب العمودي السريع بأقل عدد ممكن من التمريرات، ليضرب الفريق من الأطراف عن طريق بارولو ولاتزاري يميناً، وعلى اليسار بواسطة ميلينكوفيتش ولوليتش، بينما بالعمق هناك إيموبيلي وكوريا أو البديل كايسيدو الذي يعطي الفريق مرونة أكبر أثناء المرتدات.
إنها خلطة متكاملة الأركان، لا ترتبط فقط بالخطط والتكتيكات، بل تتعلق بالعمل الإداري الصحيح والرؤية الرياضية المحكمة، جنباً لجنب مع الجانب اللياقي والقدرة البدنية للاعبين داخل الملعب، لذلك لا غرابة أبداً من تألق لاتسيو وعودته إلى الواجهة مؤخراً، بعد سنوات من النسيان.
أحمد مختار هو صحافي رياضي، وكاتب مهتم بالتحليل والحديث عن كرة القدم وقصصها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.