في القدس كل فتى سواك… وهي الغزالة في المدى ..حكم الزمان ببينها.. ما زلت تركض خلفها.. مذ ودعتك بعينها.. فأرفق بنفسك ساعة إني أراك وهنت ..
قصيدة في القدس، تميم البرغوثي
لا شك أن جميعنا يحن لرؤية تلك الأماكن والطرقات المقدسة في مدينة القدس، لكن هل سبق أن سمعت بحالة نفسية عرفت بـ "متلازمة القدس"؟
متلازمة القدس هي مجموعة من الاضطرابات السيكولوجية والأفكار والأوهام والهلاوس التي تم رصدها عند بعض السياح من مختلف الديانات والمعتقدات، خاصة أتباع الأديان السماوية، وذلك بعد عودتهم إلى بلدانهم من المدينة المقدسة في فلسطين المحتلة.
وحسب مقالة نُشرت سابقاً في المجلة البريطانية للطب النفسي، فقد تم إدراج الحالة ووصفها كاضطراب نفسي عند السياح الذين سبق أن زاروا القدس، إلا أنه تم نقض هذا الادعاء من قِبل أكاديميين وأساتذة في الطب النفسي لاحقاً، وصنفوها كمشاعر دينية أكثر من كونها اضطراباً نفسياً.
إن رؤية التجول في حارات المدينة المقدسة في المنام بشكل متكرر والشوق والحنين للعودة لزيارة المدينة في أقرب فرصة أو حتى رفض مغادرة المدينة نفسها، هي بعض الأعراض التي تُعتبر دليلاً على الإصابة بهذا الشعور السيكولوجي غير المعتاد.
أشارت الدراسات والأبحاث النفسية المختلفة إلى الأهمية الروحية والعقائدية للقدس، التي ترسخت منذ الأزل في الإرث الأيديولوجي التاريخي والديني الإسلامي والمسيحي. كما ترتبط المتلازمة بالاعتقاد بأن مدينة القدس في فلسطين تمثل عاصمة المدن في العالم بالنسبة لهؤلاء الأشخاص.
على الرغم من أن هذه الظاهرة تمت رؤيتها في بعض الذين يعتقدون بالديانة الإسلامية والمسيحية وذلك بعد زيارتهم للقدس الشريف، فإنه مؤخراً تم وصف حالة مماثلة للمسلمين الذين سبق أن زاروا مكة المكرمة والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الحج والعمرة. وحتى الآن كانت هناك ورقة بحثية واحدة تطرقت لهذه الحالة بالنسبة لمكة والمدينة، إلا أن هذا ربما سيكون مؤشراً لأبحاث ودراسات نفسية أعمق بكثير بالمستقبل، والتي ربما ستؤدي لاكتشاف ظاهرة أكبر يمكن رؤيتها في المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية لأداء فريضتي الحج والعمرة .
وفقاً لمقال نُشر في صحيفة الغارديان البريطانية فقد تم تسجيل حالة اختفاء لأحد السياح يدعى أوليفر مكافي، يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً، ويحمل الجنسية البريطانية، وتمت رؤيته آخر مرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم، حيث كان مستقلاً سيارته السياحية في صحراء النقب جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد البحث تم العثور على محفظته الخاصة وجهازه المحمول. وذكرت صحيفة تلغراف أنه تم العثور على سلسلة من الصفحات الممزقة من الكتاب المقدس، إلى جانب الكثير من الملاحظات الدينية التي كتبها مكافي قبل اختفائه، والتي دفعت المحققين إلى الاعتقاد بأنه ذهب إلى الصحراء بشكل متعمد، كما كانت هذه الملاحظات تحتوي على إشارات دينية مسيحية لقصة يسوع التي دخل فيها الصحراء 40 ليلة. ويُعتقد أن مكافي، وهو مسيحي متدين، ربما يكون من الحالات التي تم الاعتقاد بأنها مصابة بمتلازمة القدس، حيث كان يعاني من هواجس ومشاعر دينية عميقة وغير معتادة تجاه الأماكن المقدسة في فلسطين التاريخية.
وقد تطرقت الدراسات والأبحاث المختلفة للربط بين العلاقة بين مستوى التدين والإصابة بهذه الحالة، فمن بين 42 شخصاً يعتقد أنهم قد أصيبوا بهذه الحالة في فترة زمنية سابقة كان جلهم من عائلات شديدة التدين إسلامياً ومسيحياً.
القدس مدينة تاريخية ذات أهمية دينية إسلامية ومسيحية كبيرة، وفي هذا المكان العظيم من العالم والغني بتاريخها العريق والإرث الديني والعقائدي للحضارات المتعاقبة، ربما لا يكون من المستغرب أن يحمل هؤلاء السياح مشاعر عميقة تجاه هذه المدينة العظيمة، فبالنسبة لطفلة مسلمة تشعر بأن هذا المكان الذي كان فيه الإسراء والمعراج بالنبي الكريم محمد، عليه الصلاة والسلام، في ليلة الإسراء والمعراج، أو لطفل مسيحي يعتقد أن هذه المدينة المقدسة هي مدينة المسيح عليه السلام، حسب التعاليم الدينية المسيحية. لقد سلب عشق هذه البقعة من الأرض التاريخية المحتلة ذات المظهر التقليدي والتاريخي الديني العريق والعميق قلوب وعقول المسلمين والمسيحيين حول العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.