صدق السويسري جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، حين قال إن الفيفا لن يهدأ له بال حتى ينهي الفساد المستشري في جسد الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف).
وكان الفيفا قد أرسل سكرتيره العام، السنغالية فاطمة سامورا في مهمة محددة للإشراف على الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لمدة ستة شهور بين أغسطس/آب 2019 وفبراير 2020، لإجراء التعديلات والإصلاحات الواجبة في هيكل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. وهي المهمة التى بدأت وانتهت وأسفرت عن تصعيد هائل من الفيفا تجاه الكاف.
الأوراق التي حصلت عليها سامورا من مستندات الكاف خلال فترة إشرافها كشفت حجماً رهيباً من الفساد المالي والإداري والأخلاقي لم تعرفه كرة القدم على الإطلاق. ووصلت المبالغ التي خرجت من الكاف دون وجود مستندات داعمة لأوجه الإنفاق إلى أكثر من 24 مليون دولار. وهو رقم يعادل مجموع ما أنفقه الاتحاد الإفريقي خلال السنوات العشرين الأولى من تأسيسه بين عامي 1956 و1976.
المؤسف أن الأمر لا يقف عند أموال مسروقة بمعرفة عدد من المسؤولين لم تتحدد أسماؤهم ولا جنسياتهم ولا مواقعهم حتى الآن، ولكن الفساد امتد ليشمل اتهامات بالغة الوضوح ضد رئيس الاتحاد أحمد أحمد الملاجاشي بعد أن أنفق مئات الملايين في حفل ضخم لزفاف ابنه ونظم الرحلات لأصدقائه بالطائرات لحضور الحفل على نفقة الكاف. كما أنه حصل على بدل سفر يتجاوز 20 ألف دولار من الكاف، بدعوى وجوده في مهمة عمل في القاهرة في مقر الكاف. وهو ما يتعارض عملياً مع فترة وجوده في نهائيات كأس العالم في روسيا صيف 2018، وحصل في نفس الوقت على بدل سفر وعمل من الفيفا يتجاوز 40 ألف دولار عن نفس الفترة.
ليس هذا فحسب، بل مهزلة أخرى لعضو المكتب التنفيذي للكاف والفيفا والرئيس السابق للاتحاد المصري لكرة القدم هانى أبو ريدة، تدينه فيها الأوراق والمستندات. تلك الفضيحة متعلقة بتنظيم حفل ضخم على ظهر إحدى السفن السياحية في نهر النيل وتكلف مئات الآلاف من الدولارات على نفقة الكاف بحضور مئات الأشخاص ضمن حملته الدعائية. للاحتفاظ بموقعه في المكتب التنفيذي للفيفا ضد منافسه الكاميروني. وتفاقم الفساد من نفس الشخص بتنظيم رحلة من القاهرة لعشرات المندوبين للاتحادات الإفريقية للسفر في طائرة خاصة على نفقة الكاف إلى البحرين حيث أقيمت الجمعية العمومية للفيفا لإجراء الانتخابات، والنفقات مجدداً تتجاوز مئات الآلاف.
وذهبت أصابع الاتهام مباشرة إلى شخصين آخرين هما الكونغولي كونستانت أوماري النائب الأول لرئيس الكاف والرئيس الحالي للاتحاد الكونغولي لكرة القدم (وتحاصره اتهامات محلية بالفساد من النائب العام الكونغولي وهي رهن التحقيق الآن) والمغربي فوزي لكجع عضو المكتب التنفيذي للكاف والرئيس الحالي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ونادي نهضة بركان (والذي شاهده العالم يصفع الحكم الإثيوبي تسيما باملاك بعد خسارة فريقه لنهائي كأس الكونفدرالية في القاهرة العام الماضي).
الحقيقة المؤلمة أن الفساد متغلغل في أغلب المؤسسات في قارة إفريقيا سواء كانت حكومية أو أممية أو رياضية. وظاهرة انتشار الفساد في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ليست غريبة عن القارة ولا عن الاتحاد. وتمثل عملية تفشي عمليات الرشوة بين المسؤولين والحكام واللاعبين والأندية الرقم الأعلى في كرة القدم بين كل قارات العالم. ويقوم الاتحاد الإفريقي كثيراً بتنظيم وتقنين تلك العمليات والتغطية عليها وإخفائها وحماية مرتكبيها.
وكثير من الاتهامات تحيط بكل النتائج التي أسفرت عنها مسابقات دوري الأبطال في الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ أسفرت عن فوز الترجي التونسي مرتين والوداد المغربي مرة واحدة. وبلغ القبح مداه بالانسحاب الجماعي للاعبي الوداد من إياب نهائي 2019، في ملعب رادس في تونس احتجاجاً على قرار خاطئ للحكم الغامبي بكاري غاساما بإلغاء هدف صحيح للوداد، وكشفت الصور التليفزيونية عن صحته. وزاد الطين بلة أن الكاف لم يطبق نظام التحكيم بالفيديو (الفار) في تلك المباراة عمداً، رغم أنه طبقها في مباراة الذهاب في الدار البيضاء. وتسبب الفار حينئذ في إلغاء هدف للوداد. وقرر الكاف إعادة المباراة مخالفاً لكل اللوائح ومجاملاً لفوزي لكعج، لكن الترجي ذهب إلى المحكمة الرياضية الدولية في سويسرا ونال حكماً نهائياً باعتباره بطلاً بعد اعتبار الوداد منسحباً.
واقتصرت إدارة المباريات الفاصلة في البطولات الثلاث بين حكمين فقط، هما بكاري غاساما وتسيما باملاك، في ظاهرة غريبة على كرة القدم، خاصة أن إفريقيا لديها عدد كبير من الحكام الذين شاركوا في إدارة نهائيات كأس العالم خلال الدورتين الأخيرتين 2014 و2018.
الفساد في الاتحاد الإفريقي صار هو القاعدة منذ تولى أحمد أحمد رئاسته خلفاً للكاميروني عيسى حياتو. وحرص الشاب المصري عمرو فهمي سكرتير عام الكاف السابق على مواجهة الفساد بقوة في الأيام الأولى للرئيس الجديد، ورفض التوقيع على عشرات الأوراق التي تسهل عمليات الاستيلاء على الأموال، فما كان من أحمد أحمد إلا أن أقاله من منصبه وألصق به اتهامات باطلة واستصدر قراراً من المكتب التنفيذي بإدانته في تلك الاتهامات. وسرعان ما رد عمرو فهمي (وهو نجل مصطفى فهمي وحفيد مراد فهمي وكلاهما كانا سكرتيراً للكاف) بتوجيه شكوى للفيفا شاملة كل فضائح وانحرافات أحمد أحمد ومعها وثائق دامغة. وتسببت تلك الشكوى في فتح ملف الكاف المتعفن.
الأسابيع أو الشهور المقبلة ستشهد تحولات جذرية في مسار الكاف سواء بإحالة عدد كبير من مسؤوليه إلى لجنة القيم بالفيفا. أو بإرسال ملفات الفساد المالية إلى الجهات المختصة بالتحقيقات في الدول التابعة لها أو في الدول التي يقيمون فيها. وكانت فرنسا قد أوقفت رئيس الكاف في العام الماضي لمدة يومين، في ظل تحقيقات مكثفة قبل الإفراج عنه بضمان مالي.
علاء صادق هو ناقد رياضي مصري وحكم كرة قدم محلي سابق. له 58 كتاباً رياضياً فى الاسواق، ظهر أولها عام 1974 بعنوان "الدورى المصري تاريخ وحقائق". أسس 9 صحف رياضية أشهرها أخبار الرياضة وميدان الرياضة وساهم فى تأسيس 3 قنوات رياضية أبرزها ART. عضو سابق فى لجنة الاعلام بالاتحاد الافريقي وعضو سابق فى الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصاءات كرة القدم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.