استيقظت فرنسا من النوم لتكتشف -فجأة- أنّ رجل الأعمال سعيد شعبان رئيس نادي أنجيه لكرة القدم، جزائري وليس فرنسياً مثلما كانت تفتخر به من قبل. فكيف حدث ذلك التحول المفاجئ؟
حسناً، هذه قصة أود أن أرويها لك، وأظن أنك سمعت بمثلها من قبل، فإن أوجه التشابه بين قصة سعيد شعبان وقصص كريم بنزيمة وزين الدين زيدان ومسعود أوزيل أكبر من أن تخفى وتحجب.
"المتهم بريء حتى تثبت إدانته".. ليس دائماً
في مساء الأربعاء الـ 5 من فبراير/شباط 2020، أعلن المدعي العام لدى مجلس قضاء مدينة أنجيه، وضع سعيد شعبان تحت الرقابة القضائية بعد الاستماع إلى أقواله صبيحة نفس اليوم في قضية الاتهامات التي وجهت إليه بالاعتداء الجنسي على 4 نساء.
وأكد المدعي العام الفرنسي، إريك بويار، أنّ الأمر يتعلق بـ3 نساء تتراوح أعمارهن ما بين 25 و 30 سنة، بالإضافة لسيدة رابعة، لم يعلن عن عمرها، تقدمن بالشكوى صبيحة الأربعاء، مشيراً أنّ سعيد شعبان الذي نفى التهم الموجهة إليه سيكون ممنوعاً خلال فترة الرقابة القضائية من الاتصال بـ "الضحايا" وبـ "الشهود" أيضاً.
وذكر إريك بويار أنّ تحقيقاً ابتدائياً في القضية قد فُتح يوم 7 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد شكوى تقدمت بها موظفة حالية بنادي أنجيه، ثم انضمت إليها 3 موظفات سابقات بنفس النادي، موضحاً أنّ الأحداث وقعت في الفترة ما بين عام 2017 وأواخر 2019، وذلك على هامش اجتماعات العمل أو مباريات فريق أنجيه، ولما تكون الضحية بمفردها بحضور المتهم.
أنا لست في هذا المقام لأدافع عن سعيد شعبان، ولا تسمح لي أخلاقي بالدفاع عن جرم مثل التحرش الجنسي، ولمَ أدافع أنا عنه وهو يملك ترسانة من المحامين لإثبات براءته، كما أني لست من عائلته ولا أعرفه إلّا من خلال التقارير الصحفية. ولكني وجدت تناقضاً في كلام المدعي العام، فهو يتحدث عن وجود "شهود" في القضية ولكن في نفس حديثه أكد على حدوث وقائع الاعتداء الجنسي عند تواجد الضحية بمفردها مع الرجل المعتدي. لكنني لست خبيراً قانونياً وليس من اختصاصي تحليل القضايا الجنائية ولا أود أن أنزلق إلى تلك الزاوية.
على كلٍ سأترك هذه الملاحظة لقرائي الأعزاء الذين لاحظوها أيضاً، والذين من المؤكد أنّ الكثير منهم يعرف القاعدة القانونية الأشهر التي تقول: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". وذلك بخلاف عدد كبير من الفرنسيين والصحف ووسائل الإعلام الذين تسرعوا في الحكم على الرجل وانتقاده وتجريمه، على غرار بعض الصحافة المحلية التي تبرأت من سعيد شعبان وأخرجته من ملتها، حين تذكرت وركزت على أصوله و نشأته بالجزائر لأن الفرنسيين لا يفعلون مثل هذه الحوادث بالطبع. وأن الـ 55% من نساء فرنسا اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة مثل الشوارع والمواصلات العامة والساحات هم ضحايا للمهاجرين وليس للرجال الفرنسيين أي دخل في هذه الظاهرة.
النحت في الصخر طريق النجاح
ونصل هنا إلى ضرورة التعريف، ولو باختصار، بسعيد شعبان، البالغ حالياً من العمر 55 سنة.
ولد سعيد شعبان و نشأ وتلقى تعليمه بالجزائر، حيث تخرج من معهد التقنيات المتعددة بالحراش بالجزائر العاصمة، في نهاية سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، ثم هاجر إلى فرنسا لمواصلة دراسته الجامعية بمدرسة المناجم بـ "فونتان بلو" بباريس.
وقد وصف سعيد، في إحدى تصريحاته السابقة، فترة تواجده بالعاصمة الفرنسية بـ "الامتحان"، حيث كان يدرس بدون منحة أو دعم مالي ما جعله يشتغل بمطعم للوجبات السريعة بشارع الشانزليزيه الراقي حتى يتمكن من تسديد مصاريف العيش والدراسة.
وواصل سعيد دراسته بعد ذلك بمدرسة إدارة الأعمال بمدينة أنجيه، حين فضل الاستقرار خاصة بعد التعرف على زوجته الحالية "إيزابيل".
وبدأ سعيد العمل كمستشار ثم كموظف بشركة لبيع النقانق التي، كما قال هو "كانت تبحث عن شخص يجيد التحدث باللغة العربية".
وبعد اكتسابه التجربة في تلك الشركة وتعرفه عن قرب على مجال تجارة اللحوم، تحول سعيد شعبان للعمل الحر في عام 1997، حيث اشترى أول مصنع للأطعمة، قبل أن يصبح مع مرور الوقت مسؤولاً عن "إمبراطورية صغيرة" متخصصة في اللحوم المجمدة واللحوم المعالجة من خلال شركته الخاصة "كويسنيل" التي تشغل 800 عامل ويبلغ حجم أعمالها 100 مليون يورو.
واقتحم سعيد شعبان المجال الرياضي بتمويل نادي لومان، ثم شراء أسهم في نادي أنجيه في عام 2011، سمحت له برئاسة النادي، قبل أن يتحول مع مرور السنوات إلى المساهم الرئيسي بنسبة 93% من مجموع الأسهم.
وقد نجح الجزائري شعبان في إعادة نادي أنجيه إلى دوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم، في عام 2015، بعد 21 سنة من سقوطه إلى الدرجة الثانية ثم الثالثة، كما قاد الفريق لخوض نهائي كأس فرنسا لكرة القدم لعام 2017، حيث انهزم أمام العملاق باريس سان جيرمان بهدف يتيم.
وتمكن سعيد شعبان من اقتحام الهيئات الكروية العليا بفرنسا بفوزه في عام 2014 بعضوية مجلس إدارة الرابطة الفرنسية المحترفة لكرة القدم، كما تم اختياره في شهر ديسمبر/كانون الأول، كأفضل مسير في دوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم لعام 2019، من طرف مجلة "فرانس فوتبول" الشهيرة.
لماذا أذكر كل هذه النجاحات؟ هل أحاول جعلك تتعاطف مع سعيد شعبان ضد التهم الموجهة إليه؟
لا، لكن ما أود ذكره هو أن كل هذه النجاحات كان يتغنى بها الكثير من الفرنسيين باعتبارهم بلد الاندماج الثقافي والتآخي الإنساني فكلنا فرنسيون بغض النظر عن أصولنا. لكن كل هذه الأمور اختفت فجأة، ولم تشفع نجاحات سعيد شعبان في منحه الفرصة للدفاع عن نفسه، وبمجرد انتشار خبر احتجازه من طرف الشرطة ثم وضعه تحت الرقابة القضائية، تذكر الجميع -فجأة- أنه ليس سوى مهاجر جزائري آخر أتى إلى فرنسا ليأخذ فرصة دراسة وعمل من أبناء البلد الأصليين!
ولو افترضنا أنه أقدم على هذا الفعل حقاً وثبتت إدانته، ما دخل كونه جزائرياً أو دنماركياً أو فرنسياً بهذا الفعل؟ ألا يوجد فرنسيون متهمون بالتحرش والاعتداء الجنسي؟
شيراك يعيد الاعتبار لزيدان
وتذكرنا قصة شعبان مع الصحافة الفرنسية بما عاشه نجما الكرة الفرنسية زين الدين زيدان وكريم بنزيمة، "زيزو" الذي قاد فرنسا للتتويج بلقب كأس العالم لكرة القدم لأول مرة في تاريخها عام 1998، أصبح فجأة شخصاً منبوذاً ولاعباً ذا أصول جزائرية بعد حادثة نطحه الشهيرة للاعب الإيطالي ماركو ماتيرازي خلال نهائي مونديال 2006 بألمانيا.
ولم يتوقف هجوم الصحافة المتعصبة تجاه زيدان إلّا بعد تدخل الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، الذي رد الاعتبار لزين الدين خلال حفل استقبال بعثة المنتخب الفرنسي العائدة من ألمانيا، حين قال موجهاً حديثه إلى قائد منتخب "الديوك": "العزيز زين الدين زيدان.. ما أود أن أعبر لك عنه في أصعب وربما أكثر اللحظات قسوة في تاريخك هو إعجاب الأمة بأسرها بك وتعاطفها معك واحترامها لك بالطبع. إنك عبقري من عباقرة كرة القدم في العالم ورجل شجاع وملتزم، ولذا فإنّ فرنسا بأسرها معجبه بك وتحبك".
ونفس الأمر تكرر أيضاً مع كريم بنزيمة، النجم الحالي لنادي ريال مدريد الإسباني، بعد وضعه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تحت الرقابة القضائية في قضية اتهامه بالمشاركة في ابتزاز زميله السابق في منتخب فرنسا، ماثيو فالبوينا، بشريط جنسي، حيث أصبح كريم في نظر الصحافة الفرنسية "اللاعب ذا الأصول الجزائرية" وليس قائد منتخب الديوك ونجم ريال مدريد.
وقد تسببت تلك القضية في إبعاد كريم من منتخب فرنسا، من طرف المدير الفني ديديه ديشامب، إلى غاية اليوم، على الرغم من رفع الرقابة القضائية عنه منذ يوم 17 فبراير/شباط 2016.
"ألماني عند الفوز، مهاجر عند الهزيمة"
قصص شعبان وزيدان وبنزيمة لها قاسم مشترك مع نجم رياضي آخر، ويتعلق الأمر باللاعب الألماني مسعود أوزيل، ذي الأصول التركية، الذي تعرض لحملة شرسة من الصحافة الألمانية ورئيس اتحاد الكرة لبلده بعد إقصاء "المانشافت" في الدور الأول لمونديال روسيا 2018، محملين إياه مسؤولية الإخفاق الجماعي للفريق، وتدخلهم في حياته الشخصية بلومه على الالتقاء برئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، على هامش زيارة الأخير للعاصمة البريطانية لندن قبل انطلاق نهائيات كأس العالم.
وقد تسبب الهجوم الشرس وغير المبرر للصحافة الألمانية على أوزيل باتخاذ نجم نادي آرسنال الإنجليزي لقرار الاعتزال الدولي يوم 18 يوليو/تموز 2018، ومستعملاً كلمات قوية وجريئة في بيان رسمي جاء فيه: "بقلب مثقل بالحزن وبعد كثير من الاعتبارات في ظل الأحداث الأخيرة، فإنني لن أعود للعب مع المنتخب الألماني على المستوى الدولي، بعدما انتابني شعور بالعنصرية وعدم الاحترام".
وأضاف: "عندما أنجح وأحقق الألقاب أصبح ألمانياً، أما عند الفشل أصبح مهاجراً غير مرغوب به، لماذا تعاملونني هكذا وتعتبرونني تركياً ألمانياً، هل بسبب تركيا أم لأنني مسلم؟ إنه لمن السيئ أن يعتبرني بعضهم غير ألماني، مع العلم أنني ولدت ودرست وتعلمت في ألمانيا".
مراد حاج هو صحفي رياضي وكاتب جزائري، له العديد من المقالات التي تتناول الرياضة العربية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص. ويصب اهتمامه على أحوال كرة القدم ولاعبي شمال إفريقيا رفقة موقع عربي بوست
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.