بعد انتشار فيروس كورونا في المدينة، قرَّرت السلطات الصينية إغلاق المدينة بشكل كامل؛ منعاً لانتشار الفيروس خارجَها، خاصة أن الصين تمر بفترة أعياد ينتقل خلالها الملايين من المدن إلى القرى.
أنا من الأشخاص الذين عاشوا تجارب الحرب، في لبنان عام 2006، وفي سوريا عام 2015. كنا نعلم من أين يأتي العدو، ننتظر الغارة أو القصف ونأخذ حذرنا. مع بداية الحرب يبدأ الناس بتخزين المواد الغذائية، وتخزين الوقود، التاجر الجشع (تاجر الأزمات) يحتكر المنتجات ويرفع الأسعار، تصبح الطرقات فارغة، والأزقة خالية، وتتحول مدن بأكملها إلى مدن أشباح وموتى، ومن ثم تبدأ صعوبات الحياة.
في ووهان هناك حرب من نوع آخر، حرب أشرس من أي حرب عرفتها في حياتي. في هذه الحرب لا تعرف مَن هو عدوك بالتحديد، كل شيء يتحرك قد يكون هو عدوك الذي يحمل الفيروس. يصبح الحل الأفضل والأسلم هو الجلوس في الغرفة، وعدم التواصل مع أحد، ومع أي كائن حي، وعدم الخروج، حتى لو كان هناك أمر طارئ يستدعي الخروج من المنزل، وهو الحل الوحيد.
في ووهان، وبالرغم من أنها تعيش في حرب شرسة، فإن الدولة موجودة بقوة، لا غياب للمواد الغذائية الأساسية، لا احتكار للمنتجات، ولا رفع للأسعار، المؤسسات التجارية الكبرى فتحت أبوابها بدوام شبه طبيعي، المواد الغذائية يتم تأمينها وتوفيرها بشكل يومي.
الأهم لديّ كطالب أجنبي هنا، هو أنني لم أشعر إلا أنني مواطن من هذا البلد، لا بل أكثر من ذلك، أنا أحصل على رعاية خاصة، الجامعة تتواصل معنا يومياً عبر التعليمات أو عبر مكتب شؤون الطلاب أو مسؤولي الأقسام أو مكتب السكن الجامعي. حصلنا على الكمامات عندما اختفت من كل مكان في المدينة. بعض الجامعات بدأت بتوصيل طلبات الطلاب من مأكل ومشرب وكل ما يحتاجونه من أساسيات إلى غرفهم، من أجل أن تحافظ على سلامتهم.
يُطلب منا عدم الخروج إلا للضرورة، وحتى الآن لا نخرج إلا لتخزين الطعام، مع تعليمات واضحة طبعاً بعدم الخروج من دون الكمامة، ولكن طبعاً لن يمنعك أحد من الخروج. خاصة أن هناك الكثير من الطلاب يعيشون خارج السكن الجامعي، لذا فهم يأتون بشكل دوري لأخذ احتياجاتهم وتوفير مستلزماتهم اليومية.
في ووهان الحياة ليست طبيعية أبداً، وضع المدينة صعب. هذه المدينة التي أعيش فيها منذ 5 سنوات، التي يقال عنها إنها مختلفة كل يوم. أراها حزينة اليوم، تقاتل عن الجميع، تحارب من أجل البشرية، نعم، وكأننا نشاهد فيلماً، ولكن بأبطال حقيقيين من لحم ودم. انتشر خبر المستشفى الذي سيُبنى في عشرة أيام مثل النار في الهشيم، ولكن بعد تسعة أيام عمل فقط تم الانتهاء من أعمال بناء المستشفى التخصصي الأول لعلاج فيروس كورونا في مدينة ووهان. وقد تم تسليم المستشفى اليوم إلى فرق متخصصة من الجيش الصيني.
تجدر الإشارة إلى أن المستشفى يتسع لألف سرير، ومجهز بوسائل طبية متطورة تعوض النقص الحالي في مستشفيات المدينة، وهو ما سيكون نقطة تحول أساسية في مواجهة الفيروس، فهذا المشفى سيستكمل الخطوة الكبيرة التي اتّخذتها الحكومة من خلال إغلاق مدينة ووهان. كما أنه خلال الأيام الثلاثة القادمة ستنتهي أعمال بناء المستشفى الثاني التخصصي في المدينة، الذي يتسع لـ1500 سرير، ولكن هذا إنجاز بسيط بالمقارنة مع ما يحدث هنا. صحيح الحياة ليست على طبيعتها، نعم، ولكن النظام موجود، كل شيء يسير كما يجب أن يكون. وهكذا يكون القتال، الجبهات كلها تعمل بشكل متناغم، الناس يلتزمون بالتعليمات بشكل كامل وفوري، الأطباء يُبدعون، العمال يستمرون في واجباتهم، والحكومة أيضاً تقوم بواجباتها، الشعب الصيني كله يدعم ووهان، والطلاب الأجانب جميعهم يقفون إلى جانب ووهان في معركتها هذه.
الصين في حرب حقيقية هدفها حماية الإنسان، وأثبتت الأيام الماضية أن الأولوية في الصين هي للإنسان وليس للاقتصاد، عندما يكون الإنسان في خطر يتم حشد كل الإمكانات من أجل الدفاع، حتى لو أدى ذلك لتراجع الاقتصاد. إغلاق مدينة ووهان يؤثر بشكل كبير على اقتصاد البلاد، فهي نقطة عبور لكل المواصلات البرية والنهرية تقريباً، إلا أن السلطات لم تتردد في إغلاقها عندما أصبح ذلك ضرورةً لحماية الصينيين والبشرية.
أنا حزين على الوضع الذي نحن فيه، حياتنا في خطر وليست طبيعية، أنا حزين على هذه المدينة وأهلها، الذين بفضلهم استطعت أن أستكمل تعليمي. ولكن أنا سعيد لأني جزء من هذه المعركة، مع أناس لا يعرفون الحقد ولا التمييز، أناس يجيدون القتال، ومن يجيد القتال والانتظام سينتصر حتماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.