المدن الجديدة مثل الكهوف المهجورة والمدن القديمة أشبه بالمستنقعات.. ما هو مصير العاصمة الإدارية الجديدة؟

عدد القراءات
6,760
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/06 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/06 الساعة 13:06 بتوقيت غرينتش

شرعت فرنسا في بناء 9 مدن عمرانية جديدة، ثم وجدت أن العدد كبيرٌ وسيؤثر على جودة تلك المدن، فقررت تخفيضه إلى 5 مدن فقط حتى تستطيع أن تُكمل بناءها على أكمل وجه، ثم تبدأ بعد ذلك في استكمال باقي المدن.

فرنسا التي صنعت الرافال والميسترال، وبكل ما تملك من قوة اقتصادية وسياسية مثل حق الفيتو في مجلس الأمن، قررت إعادة النظر في مشاريع التوسع الميداني دون خجلٍ، أو دون أن تشعر أنها دولة "قليلة الحيلة". 

النسخة المصرية من مشاريع المدن العمرانية بدأت في السبعينيات من القرن الماضي بإنشاء 22 مدينة جديدة دفعة واحدة دون تخطيط أو رؤية واضحة، فكان المطلوب أن تصل الخدمات إلى المواقع مع إنشاء بعض العمارات والمباني؛ ليأخذ المكان لقب "مدينة عمرانية جديدة" ثم نفكر بعد ذلك في تسكين الناس وإيصال الخدمات.

ولك أن تتخيل أن مدينة السادس من أكتوبر الأكثر جذباً للسكان في المدن الجديدة تغيّر مكان إنشائها ثلاث مرات. في البداية كانت المدينة بالقرب من الأهرامات، فاكتشف الباحثون أنها منطقة أثرية، فتراجعوا بها قليلاً ليكتشفوا أن المكان الجديد منطقة صخرية لا تصلح للبناء، فتراجعوا ثانية ثم اكتشفوا إن خط الغاز الرئيسي سيمر من قلبها فلم يتراجعوا هذه المرة وقرروا بناء المدينة الجديدة، عملاً بمبدأ "التالتة تابتة".

ولو بحثنا في إجمالي عدد المدن لوجدنا أن 5 مدن فقط هي الأكثر حظاً وشهرة، أما من حيث نسبة الإشغال، فلن يزيد الأمر عن مدينتين أو ثلاث، أما باقي العدد فهو أشبه بمدن الأشباح لعدم اكتمال نموها وخدماتها، وعدم ربط طرقها بالمدن الرئيسية بشكل مباشر في المحافظات.

مدينة السادات التي تم إنشاؤها لتكون عاصمة جديدة لمصر

بلغت تكلفة تلك المدن حتى عام 2008، 100 مليار جنيه مصري وقت أن كان الدولار يساوي ثلاثة جنيهات، وبالتأكيد فإن تلك المدن لها ميزانية خاصة من وزارة الإسكان التابع لها هيئة المجتمعات الجديدة ويتم صرف تلك الميزانية بشكل مستمر ومتنامٍ سنوياً حتى الآن مثلها في ذلك مثل المحليات، غير أن كل جهة لها هيئة أو وزارة خاصة، فالمحليات تابعة للتنمية المحلية، وأجهزة المدن الجديدة تابعة لوزارة الإسكان، وهو ما يجعل التكلفة تتجاوز ذلك بكثير جداً، لكن لا نعلم أين يتم صرفها إذا كانت المدن الجديدة مثل الكهوف المهجورة، والمدن القديمة أشبه بالمستنقعات.

ولا نعلم أيضاً لماذا لم يتم تسليم تلك المدن الجديدة إلى المحليات حتى اليوم عملاً بالمادة 50 من القانون 59 لسنة 79 الخاص بإنشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التي تقضي بأن تؤول تلك المدن إلى المحليات بعد تمام نموها، وهو ما لم يحدث، ولم تسلم المدن الجديدة إلى المحليات وفقاً للقانون، بل إن ثورة يناير قضت على مشروع الشركة القابضة التي "ابتدعها" بعض رجال الأعمال لإدارة المدن الجديدة، وربما يعني ذلك أن المدن الجديدة لم تكتمل بعد، فتم تأجيل تسليمها حتى اكتمال نموها، ولا نعلم متى تكتمل.

هذا الأمر يجعلنا نفكر بجدية وتشكُّك في اتجاه الحكومة نحو إنشاء المزيد من المدن دون إنهاء مدنها (الجديدة – القديمة) بل وإنشاء عاصمة إدارية جديدة.

 فهل الأمر مجرد "شو إعلامي" لتسليط الضوء على الكم الذي يقوم به النظام من مشروعات ليأخذ اللقطة اعتماداً على ذاكرة المصريين القصيرة، ومن ثم تصبح تلك المدن الجديدة حلقة في مسلسل مدن الأشباح التي تحدثنا عنها؟

مسجد العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة تقترب من 800 مليون جنيه

ما يؤكد هذا التوجه أن النظام كان لديه بدائل كثيرة لإنشاء عاصمة جديدة بتوسيع أي من المدن القائمة بالفعل، وتوصيل كامل المرافق إليها، وتخصيص جزء منها للجانب الإداري، أو إذا كانت العاصمة إدارية فقط  فكان يمكنه التوسع في القرية الذكية مثلاً بما تملك من إمكانيات رائعة ومكان هو الأنسب لهذا المشروع، وذلك بعيداً عن فكرة "اللقطة" التي يستخدمها النظام في مشاريعه، ومن ثم تخفيض التكلفة أكثر من 70% من تكاليف إنشاء عاصمة جديدة.

كان يمكن التوجه إلى الدولة التي تم استيراد الرافال والميسترال منها واستيراد الفكرة التي جعلتها تقلص عدد المدن من أجل إرضاء شعبها، إذا كان رضا الشعب هو الغاية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أبو عالية
كاتب رأي ومدون مصري
كاتب رأي ومدون مصري
تحميل المزيد