مخطئ مَن يقول إن الحجاب فطرة تنزع إليها نفس المرأة، كلا، إن كل النساء بدون استثناء جُبلن على حب التزين والتجمل ولفت أنظار الرجال، ملتزمات كن أو غير ملتزمات دينياً.
نعم، نحن نتمنى لو يلامس الهواء شعرنا، ونشعر به يتخلل ملابسنا الخفيفة.
نعم، نحن نحب أن يرى الآخرون -رجالاً ونساءً- كم نبدو فاتنات بملابسنا القصيرة، وشعرنا المصفف.
نعم، نحن نشعر بالحسرة حين تتعلق عيون رجل يعجبنا بامرأة غير محجبة؛ لأننا نعلم يقيناً أننا بلا حجاب أجمل منها.
نعم، نحن نشعر بأن الحجاب يحرمنا من أشياء كثيرة كنا نستطيع فعلها لو لم نكن محجبات.
نعم، نحن يؤلمنا جداً أن يقال لنا: "ليس من المناسب أن تفعلي ذلك لأنك محجبة".
نعم، نحن نشعر بأن الحجاب ثقيل جداً أمام نظرات الأوروبيين المبحلقة في وجوهنا، نحن نتمنى لو كنا نستطيع أن نقدم أنفسنا للمجتمع في الغرب بشكل لا يحمل أي هوية دينية، حتى نحصل على فرصة مماثلة للرجال أو للأخريات غير المحجبات في إثبات أنفسنا.
نعم، نحن يزعجنا جداً حين يشير أي رجل من محيطنا إلى بضعة شعرات بانت من طرف حجابنا، وكأننا ارتكبنا جرماً عظيماً حين أغفلنا إخفاءها.
نعم، نحن نشعر بالإهانة حين نقرأ مواعظ من مثل: "هل ترضى لزوجتك أو لأختك أن تخرج بهذا المنظر؟"؛ لأننا نشعر بأن الحجاب شأن يخصنا نحن بالدرجة الأولى.
نعم، نحن يؤلمنا جداً أنه يمكن لأي شخص أن يحاكمنا من خلال مظهرنا الخارجي، ومدى التزامنا بحجابنا، ويؤلمنا جداً حين يربط أي شخص أي سلوك خاطئ بحجابنا فيعطي لنفسه الحق بأن يطلب منا خلعه حتى لا نشوهه!
نعم، نحن تزعجنا أكثر بكثير مما تفرحنا تلك الصور المتداولة عن نساء خرجن من تحت الأنقاض متمسكات بسترهن، تهز هذه الصور ثقتنا بأنفسنا، لأننا نعلم جازمين أن الحجاب في تلك اللحظات سيكون تفصيلاً صغيراً بالنسبة لنا.
نعم، نحن يؤلمنا أن كل الرجال في مجتمعنا يتعاملون مع حجابنا على أنه أمر مفروغ منه، وأن التزامنا به أمر مفروغ منه، دون أن يفكروا بكل ما نشعر به في الأعلى.
كامرأة أولاً، وكامرأة محجبة ثانياً، أعرف أن الجميع لا يقولون الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالحجاب، الرجال لأنهم لا يعرفون، والنساء لأنهن يخجلن أو يخفن أو يشعرن بالسوء.
من المؤسف أن معظم مَن كتب عن الحجاب أدباً وشعراً وغناءً وفقهاً ونقداً هو رجل، من المؤسف جداً جداً أن قلة نادرة من الرجال تحاول أن تفهم وأن تحسّ ماذا يعني الحجاب للمرأة، وما طبيعة علاقتها به.
لقد آن الأوان لأن تكتب المرأة عن حجابها دون أي تدخل رجولي، ومن الرائع أن تمتلك الشجاعة لتحكي هي عن مكنونات نفسها دون خوف من سياط الناس وسيوف الأفكار المسبقة.
إن الصورة النمطية للمرأة المسلمة الصالحة، بأنها القنوعة العفيفة المحبة لحجابها، الكارهة لعرض مفاتنها، النافرة من كل ما له علاقة بشهوات القلب والجسد، هي صورة أصبحت لشدة علوّها وملائكيتها ترهق المرأة الشابة في يومنا هذا، وتزيد الفجوة بينها وبين ما "يتوجب" عليها أن تكون عليه حتى تحقق الصورة المثالية المطلوبة منها، وإن بُعد هذه المسافة عن الطبيعة البشرية للمرأة يُورث اليأس والمعاناة النفسية، وقد يبعث من ثم على التمرد وقلب الطاولة على المجتمع والدين وكل مفاهيمهما، لمجرد إزاحة ثقل هذا الواجب الهائل.
إن امرأة محجبة تخرج للدراسة والعمل ومناحي الحياة المختلفة، راغبة كانت أم مرغمة، وتواجه أثناء ذلك فتناً كالجبال، وتهز قلبها رغبات كالسيول الجارفة، فتن ورغبات لا تعرفها امرأة جالسة في البيت ملتزمة بألف ستر وستر، لهي أجدى بالتشجيع والاحترام، عوضاً عن ترقب الزلات، والزجر المتكرر، وقياس أطوال السترة والأكمام.
عزيزتي، إذا أردت البحث عن حكمة الحجاب، عن الجدوى وراء كل ما تجاهدينه، ابحثي عنها بعقلك فقط، لا بقلبك ولا في جسدك، فإنه شُرع ليهذب القلب والجسد لا ليرضيهما.
عزيزتي، لا يصيب الرجال دوماً حين يتحدثون باسمك عن حجابك، لا يصيبون دوماً حين يلومون امرأة خلعت حجابها، لا يصيبون دوماً حتى حين يمتدحون امراة التزمت بحجابها، هذا أمر قلّ جداً أن أبدوا أي فهم حقيقي له!
قولي لنفسك كل يوم:
أنا، الفتاة المحجبة، أقف كل يوم أمام مرآتي، وكل يوم يكون الخيار بيدي في أن أضع الحجاب أو أخلعه، ومجدداً كل يوم، أختاره بملء إرادتي، أحمل هذا الحمل الثقيل وحدي، دون أن يفهم حتى أقرب المقربين من الرجال من حولي أفكاري وأحاسيسي، مجدداً أختار هذا الحمل الثقيل الذي لا يشاركني فيه أحد منهم، الله وحده يعلم ما أجاهده، ولأجله وحده أضع حجابي، وأسأله وحده أن يمنحني القوة لأختاره مجدداً، أمام مرآتي في صباح الغد
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.