قبل عدة أيام توفيت ندى، فتاة من صعيد مصر، مسقط رأسها محافظة أسيوط. ندى التي تبلغ من العمر 12 ربيعاً فقط ماتت نتيجة لمضاعفات عاجلة جراء عملية تشويه عضوها التناسلي "Female Genital Mutilation"، على يد أحد الأطباء، والمعروف شعبياً وإعلامياً بـ "ختان الإناث".
قبل يومين أعادت دار الإفتاء المصرية نشر فتوى صدرت عن الدار سنة 2011 تقر تحريم ختان الإناث دينياً، استناداً إلى رأي الشرع، بعد بيان ما وصلت إليه المعرفة الطبية الحديثة.
وحقيقة، كانت أبرز ردود الأفعال والتعليقات الهادئة -مقارنة بوابل الشتائم والسب في دار الافتاء- تقول: نعم الطبيب المؤتمن هو مَن يقرر ما يراه في صالح الفتاة، وهل تحتاج إلى أن نقطّع من جسدها أم لا؟ وأن المسألة ليست في يد دار الإفتاء حتى تقرر الأنسب لبناتنا، إنما في يد الطبيب (أو الطبيبة المسلمة كما جاء في بعض التعليقات).
حسناً، دعونا نفكك ونجيب عن بعض من الأسئلة الشائعة في هذه القضية، المزعوم أنها في يد الطب والأطباء، مثل:
– هل الطبيب قادر حقاً على أن يقرر وجود حاجة لقطع أجزاء من جسد تلك الفتاة، بينما لا حاجة لنفس الفعل مع فتاة أخرى؟ وأقصد القطع من العضو التناسلي.
– هل الختان له شروط طبية يتوجب توافرها حتى يتم؟
– هل الختان عموماً مسألة طبية؟
– هل يجوز للأطباء مهنياً وأخلاقياً قطع أو تشويه أي عضو من أعضاء الإناث التناسلية لأي غرض، سواء أكان دينياً أو غيره؟
الإجابات كالتالي:
– قطعاً لا.
– قطعاً لا.
– قطعاً لا.
– قطعاً لا.
لماذا كانت الإجابة بـ "لا" عن كل تلك الأسئلة؟
إن سلطة الطبيب التي تمكنه من البتّ في الأمور التي تخص صحة الإنسان عموماً تأتي من المعرفة الطبية، ولا يوجد في المعرفة الطبية من الأساس ما يسمى بختان الإناث، وهو إجراء لا يُدرس في كليات الطب، ولا تعتبر ممارسته ممارسة طبية من الأساس. كما أنها لا تعتبر علاجاً ولا مساساً جراحياً لتخفيف أي ألم، أو إنهاء أي معاناة، أو القضاء على أي علة أو داء.
وبناءً عليه، فالطبيب -أي طبيب- غير قادر حصراً على الإقرار بأن هناك فتاة ما تحتاج إلى الختان بأي شكل من أشكاله، سواء خفض أو رفع أو حف أو جز أو حتى جُرح سطحي لا يصل لطبقات الجلد العميقة بشفرة حلاقة ثمنها رُبع جنيه.
كما أنه ليست هناك شروط طبية، سواء جديدة أو قديمة في أي مرجع طبي يُعتد به، سواء كان عالميا أو محلياً تخص ختان الإناث. ولا يوجد إرشادية تخبر الأطباء كيف ومتى ولماذا وأين نجري عملية الختان وتحت أي ظرف.
ختان الإناث يُعرف اصطلاحاً في المعرفة الطبية بـ "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية" ويشار له اختصاراً FGM، وهي أي إجراء يتم عمداً لتغيير أو لإحداث إصابة في العضو التناسلي الأنثوي لأي سبب غير طبي.
والأسباب
التي قد تجعل من المساس الجراحي عموماً -سواء في العضو التناسلي أو أي عضو-
مشروعاً (طبقاً للقانون المصري) هي:
. الكشف عن مرض أو علاج مرض.
. التخفيف عن ألم قائم، أو منع ألم متوقع.
والختان لا يندرج تحت أي من هذه الأسباب، وإنما هو عملية لا يرجى منها أي منفعة ويتوقع منها الضرر.
قد يدعي البعض أن الختان هو إجراء تجميلي، وأن بعض الفتيات يحتجن الختان، وأن الطبيب هو من يقرر، لكن هذا ليس حقيقياً، فالختان كما ورد في كل الدراسات الطبية المحكمة هو عملية تشويه حصراً. وأنه ممارسة لا فائدة منها أبداً، سواء لصحة الإناث العامة أو الجنسية أو النفسية، لكنها لا تحمل إلا الضرر والضرر فقط لمظاهر الصحة المختلفة.
ومهنياً وأخلاقياً ممارسة "تشويه العضو التناسلي الأنثوي" تخالف صراحةً وبشكل فج آداب مهنة الطب وأخلاقياتها، ويحظر تماماً -قانونياً- على الأطباء وأعضاء هيئة التمريض وغيرهم تقطيع أو تغيير أو تسوية أو خفض أي جزء من الأعضاء التناسلية.
والطبيب الذي يثبت عليه ممارسته يعرض نفسه لخسارة رخصة مزاولة المهنة الطبية، وكذلك السجن والغرامة. فالختان جريمة على مستوى المعرفة الطبية، والقانون والأخلاقيات العامة المنظمة للمهنة الطبية، وغير ذلك من المشتغلين بالشأن الصحي، يقعون تحت طائلة القانون.
لست شيخاً أو فقيهاً، لكن الأمر من الناحية الدينية محسوم، كما ورد في فتوى دار الإفتاء المصرية بتحريم الختان. فهو حرام شرعاً، وأود القول إن رأي الشرع مهم لأن الناس تحتكم إليه في حياتها بشكل عام وفي ممارساتها الصحية والجسدية. لكن يبدو أن الدين تم التخلي عنه، وأصبح التمسك والالتزام بآراء بعيدة عن الشرع ناتجاً عن رواسب مؤذية، سواء من عادات قديمة أو توجه متطرف في التفسير الديني هو الحال الآني في المجتمع، وهو ما يضعف من قيمة الرأي الشرعي عموماً، ويجعل الاحتكام للطب والأطباء فقط، ولهذا أقول لكم إن الطب يقرّ بأن الختان هو عملية تشويه وجريمة تنتج عنها أخطار تصل إلى الموت المباشر للطفلة.
وأود أن أوجه رسالة إلى زملائي وأصدقائي الذين يعملون في مهنة الطب، أتمنى منهم أن يكونوا واعين لحدود الممارسة الطبية، وخطوطها الحمراء وأخلاقياتها. وأن ينقلوا هذا الوعي إلى الممرضين والممرضات وأهاليهم ودوائرهم الاجتماعية.
فالمتهم الرئيسي في جريمة قتل ندى هو طبيب، وهذا عار على المجتمع الطبي، وفي ظني فكل الأطباء الذين يشاركون في عمليات الختان هم مشاركون في كل الجرائم التي حدثت وتحدث وستحدث للفتيات الصغيرات. بغضّ النظر عن الدافع والغرض والعلة، ومهما كانت الوسيلة أو التبرير، مهما كانت العلة مقدسة أم لا، فقداسة الجاني لا تنفي دناءة الجُرم.
..
رحم الله ندى وكل ضحايا الختان في العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.