عذراً عمي.. لن أحضر اليوم لطلب يد ابنتك!

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/27 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/27 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
عذراً عمي.. لن أحضر اليوم لطلب يد ابنتك!

عذراً عمّي لن أحضر اليوم لطلب يد ابنتك، ربما لن آتي لذلك أبداً رغم أنني لطالما انتظرت ذلك اليوم الذي أجلس فيه بين يديك ويتصبب جبيني عرقاً من الخجل، وتتلصص ابنتك وتسترق السمع وتتزايد خفقات قلبها عند قول أخي: "نريد طلب يد أميرتك لابننا".

جمعني مع فتاتك عمل تطوعي فرأيت فتاة عظيمة الخلق، شديدة الحياء الذي قلّما تجده في مثل تلك التجمعات، ونادراً ما تجده في زماننا هذا، وجدتها سليمة -أنثى ذكية تعرف لربها حقه- فأعجبني منها ذلك، ومن الذي يرى تلك الصفات تجتمع لفتاة ولا يُعجب بها، كتمت إعجابي والتزمت أمر ربي، وجلست أتحين الفرصة المناسبة حتى أحقق ما رسمته، ولكن تلك اللحظة كانت تبتعد عني قدر اقترابي منها.

أي عمي.. لا أظن أن ابنتك أخبرتك عني من قبل، فأنا لم أتحدث إليها، ولم أفاتحها في شيء، والله أحمد على ذلك. دعني أخبرك عني قليلاً؛ لم أكن يوماً أنانياً، ولا كان طبع الأنانية في بيتنا، لذلك أدعو الله في كل صلاة أن يرزق ابنتك الزوج الصالح، وأقترح عليك أنه وقت يأتيك هذا الرجل زوّجه ابنتك ولا تتردد، ولكن إن كان من أمثالنا ومن يشبهوننا.. فرده، لا تعطه إياها.

لا تشق على نفسك ولا تتحرج، إن كنت في مكانك لن أعطي ابنتي لشاب لا يعرف مصيره، شاب لم يكمل تعليمه –في أوطاننا يقولون بانتهاء التعليم– شاب لا يأمن على حياته، فكيف بحياة غيره؟!

الأمر سيكون أسهل كثيراً إن أخبرتك به وجهاً لوجه، لكن لا بأس أحدنا لا يعرف مصيره، بل كلنا لا يرى طريقه، أغلبنا في القبر ومن نجاه الله من القتل فهو يكابد الأسى، ومن حفظه الله من هذا وذاك –ولا أرى ذلك كائناً– فهو يعاني مرارة الهجر، قلوبنا تدمى وأرواحنا تبكي ونفوسنا الحالية تحتاج إلى تجديد.

لا تتعجل الحكم علينا وعلى تربيتنا (كلينا)، فنحن الله ميزنا (أننا منابر يشيدها الناس) ويتمنى الأقارب أن يصبح أبناؤهم مثلنا حالما يكبرون، فلا تحكم علينا قبل أن تعرف ما الذي حملني على قول ذلك، قبل كتابتي إليك كتبت إلى بني جلدتي رسالة دعوتهم فيها ألا يدع أحدهم إحداهن في حبه، لكن أحداً لم يفعل.

يقول القاضي عياض رحمه الله: "والألفة إحدى فرائض الدين وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام"، كما أن حفظ العرض من مقاصد الشريعة، واستجابة لإلحاح أمي المستمر بدأت أفكر في الأمر، ولكن صرفني عنه ما سأخبرك به: أقص عليك نبأ النفر الذين تركتهن خطيباتهم.

مائتان من الشباب في سجني ينتظرون حكم الإعدام وأحكاماً جائرة أخرى، الأغلب منهم تارك خلفه فتاة هو خاطبها، غيرهن كم من الفتيات ثكلن قبل أن يتزوجن.

حال هؤلاء النفر يشبهه كثيراً، سواء كان ذلك رغبة من الفتات التي لا أستطيع لومها على تقرير مصيرها، أو كان ذلك في الأغلب رغبة من أهلها ووالدها الذي يخاف عليها ويريد أن يطمئن عليها.

عماه لا أعرف إن كان سيصلك كلامي هذا أم سيكون مصيره مصير رسائلي الدائمة لأمي، إن وصلك جوابي هذا اعلم أننا حيينا أياماً هاجرين الفرش الوطئ والمضجع المريح، قد غشينا النعاس فأنامنا، وتساقطت من أكفنا أحلامنا فانتبهنا مذعورين، أوجع الكد أصلابنا وتيّه السهر ألبابنا، فتحولنا لنتفقد النوم من مكان إلى مكان، ودلكنا بأيدينا عيوننا ثم عدنا إلى ما كنا عليه.

عماه لا تزوّج ابنتك لشاب صنعته المحن، وربته الشدائد وأقام عوده اتصاله بحبل ربه، أفقرنا الغلاء والبعد عن الأهل وترك العمل، فعوّضنا الله وأغنانا من غير جهد وأحيانا،.. ورزقنا الله بأناس كانوا لنا خير عون وأشد سند، معارفنا تمتد لبقاع الأرض وأبواب الله لا تُسد.
عمي أعدك أني لن آتي لخطبة ابنتك، وسأنصح كل من أعرفه ممن يشبهونني ألا يتقدم لخطبتها.
أي عمي لا أراك سوى طيف في خيالي أنت وابنتك لا وجود له في الواقع، نسجت لك هذا الحوار وأنا على يقين بأن رسالتي هذه ستصلك، ستصل إلى أب سيقسم ألا يدع أمثالنا في منتصف الطريق. لن يشق عليهم، سيعطيهم ابنته ويكون لهم خير عون.

كُتبت هذه السطور من داخل السجون في مصر، كتبها ابن بنت الشاطئ، وهذا ما استطعنا أن نصل إليه من قصاصات فنرتبها ونجمعها معاً لنخرج بهذه الرسائل، وما زال الزجاج والجدران تأسر وتحجب وتمنع، وستظل القلوب والعقول تصدح وتهتف وتتكلم.
ورسالتي لابن بنت الشاطئ أن اصبر وصابر ورابط، واغفر لنا تقصيرنا نحوك ونحو إخواننا، ونسأل الله لكم فرجاً قريباً عاجلاً، يُفك فيه بالعز أسركم ويستعملكم فيه لمهمات أعلى وجهاد أعظم، وأن يختم لنا بالصالحات أعمالنا ويجمعنا مع الصديقين والشهداء في دار القرار.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

أحمد دبور هو كاتب مصري مهتم بالإعلام العربي وقضايا الربيع العربي

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد دبور
كاتب ومهتم بالإعلام
تحميل المزيد