– لم أعد أجد ذاك الشغف في قلبي عند عودتي إلى المنزل.. لم أعد أشتاق كما كنت..
لم يعد قلبي يهفو للقيا قلبها..
لم أعد أهيم شوقاً بجمال عينيها..
ولم أبت ليلتي لأعد النجوم كما وعد قيس ليلاه..
على حين غرة شعرت أن حبها قد خفت في قلبي..
خمسة عشر عاماً من الزواج شبه المستقر.. مظهر اجتماعي لائق.. عبارات مجاملة أمام الناس.. أطفال يمرحون.. وحياة روتينية رتيبة قد غلفها الملل والضجر..
ذاك الشعر المنسدل الذي ذبت في عشق نسيمه يوماً.. صرت أبغضه عند استيقاظها..
عطرها الفواح صار ينفرني بعدما كان يديني..
ذاك الندب في سبابتها جراء انهماكها في أعمالها المطبخية صرت أشمئز منه..
حتى هذا الحرق على سطح كفها الأيمن الذي تلون باللون الأحمر ثم صار بنيَّ اللون مع مرور بضعة أيام بات يؤذيني..
همساتها.. كلماتها.. أنفاسها لم تعد تحييني..
وكأن ما كان بيننا بالأمس القريب أو البعيد كان صرحاً من خيال..
لا أعلم ماذا أفعل لكنني أفكر بالزواج بأخرى حتى تعيد إلى قلبي دقاته مرة أخرى وتجعل للحياة طعماً مميزاً لا يخلو من الإثارة والمغامرة.
– ومن قال إني أعشق رائحة أسنانه عند استيقاظه من النوم..
أو شعره المجعد الذي لم يتبق منه سوى عدة شعيرات من الجانبين وصحراء قاحلة تشق طريقها بينهما..
من قال إن صوت شخيره يأسرني أو أنني أسهر أحصي النجوم في جمال ذاك النتوء البطني الذي امتد أمامه عدة أمتار..
من قال إنني أستسيغ كلماته التي خلت من العذوبة.. ولم يتبق منها سوى جبال من النقد واللوم..
ومن ادعى أني أكاد أجن حباً من همساته الآتية من بحر قد أكلته الملوحة..
أو صمته المطبق الذي تحول بفعل الأيام لا بفعلي إلى خرس ينبئ بجحيم مستعر..
من قال إن غناءه صار يطربني.. وأن شكواه وصراخه يحييان نبضات قلبي..
أتعلم..
أنا لا أتحملك رغماً عني.. ولا أستمر مع أيامك ذائبة في هواك.. ولا عشقاً في رومانسيتك التي دفنت منذ سنوات..
ولا أكمل معك المسير حباً بأبنائنا أو ترفقاً بقلبي الذي قد تظنه ينفطر لفراقك..
إن عقلي يسير معك متزامناً مع دقات قلبي..
لأنني لا أؤمن بالحب الأفلاطوني ولا بكلمات عشق خطها شعراء لم تطأ أقدامهم بوابة الزواج، فلو تزوج قيس ليلى لما كانت قصائده تصدح بفنون العشق، ولكانت كلماته عن الحب أكثر اتزاناً ورصانة ولن تخلو من مسؤوليات نحو ليلى وأبنائها، ولا من دواوين في حبه لتلك المسؤولية أو بغضه لها..
وأن روميو وجولييت اللذين صدعانا بحكاياهما ليل نهار لو تزوجا لما وجدناه يسهر تحت الشجرة معانقاً قلبه المنفطر في هواها ولأبدلنا بحكايات عن كيفية تبديل الحفاظ لطفلهما وسهره لإرضاعه وشكواه المستمرة من شعر جولييت المكهرب بعد ليلة قضتها مع رضيعها لتقنعه أن الخلود للنوم هو الأفضل له ولها.. ولما خلت كلماته من لوم لها لاهتمامها بولدهما الذي استنزف قواها على حسابه هو شخصياً.
إن كنت تريد الزواج من أخرى فالحق بها لتجدد لك حياتك وتشعل في قلبك حريقاً وناراً ولتعلمك من فنون عشقها ما تريد..
لكنني أقسم بأن حياتك ستتحول مرة أخرى إلى رتابة وروتين لا ينتهي، وبدلاً من أن تعاني من روتين يومي واحد ستعاني منه الضعفين.
من قال إن الزواج حب وعشق.. وفقط..
خانك من ضحك عليك باسم الحب حين أقنعك أن الحب لهيب وأن الشوق نار لا تنطفئ حتى تشتعل مرة أخرى كلما لقيت محبوبتك..
خانك من استدرجك وشوه صورة الزواج في عقلك..
إن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.. وإن كل فترة نعيشها سوياً تحت مظلة الزواج لها حلاوتها ورونقها..
وأن الحب.. كل الحب لا يكمن في الأشعار ولا في الكلمات المعسولة تلتحف بها ليل نهار..
بل هو مودة ورحمة..
مسؤولية وتفاهم..
احترام وتقدير..
هو تقبل غير مشروط وتغافل عن الزلات والعيوب..
هو تركيز على إيجابيات الشريك وتناسي سلبياته التي ستختفي تدريجياً بطبيعة الحال..
هو حب الشريك كما هو بجسده.. شخصه.. صوته.. كلامه وليس الحب هو أن تقوم بصنع شخص آخر كما يحلو لك.. لأنه حينها سيصبح مسخاً لا حبيباً..
الزواج هو نضج في العلاقة.. وصبر على الحبيب.. وتقبله برمته لا تقطيعه قطعاً صغيرة كما يحلو لك.
إن عجلة الزواج لن يحركها طيش القلب بل سيغذيها وعي الشريكين وتغذيتهما للعلاقة بالطريقة الصحيحة..
هو ذكاء التواصل وذكاء المسافات..
متى تتكلم.. متى تصمت.. متى تبتعد حتى أشتاق.. ومتى تدنو حتى تطفئ ذاك الاشتياق..
هو ربتات على الكتف وصدر حنون في وقت الأزمات..
هو مسحة كفك على قلبي وقبلات حانية على جبيني..
هو غزل عفيف في وقته وغير عفيف في وقته..
هو أن تحب محبوبك كما يريد هو لا كما تشتهي أنت وتريد..
هو عطاء متزن متبادل لا تضحية من طرف واحد واستنزاف لطاقاته..
حسبي أن الحب في الزواج أنضج وأوعى وأعقل.. حب متزن لا حب طائش دائم الاتقاد..
حب واقعي لا يخلو من منطقة الأمور حيناً وإيعازها للمشاعر في أحيان أخرى..
قد يشتد الشوق بنا عند الابتعاد قليلاً لكن النفس ما تلبث أن تهدأ بعد اللقاء..
أعد النظر مرة أخرى في مفاهيمك وقبل أن تتهم ندوبي وحروقي فلتنظر في المرآة ولو لمرة واحدة، ثم سائل نفسك لم قرر قلبي البقاء معك حتى النهاية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.