دائماً ما يختلف خبراء علم النفس والاجتماع حول أسباب زيادة نسب الطلاق والانفصال في العديد من الدول إلا أننا بتحليل بسيط للبيانات في مصر نجد أن نسب الطلاق تقفز قفزات ملحوظة عندما تقع البلاد في أزمة اقتصادية تؤثر على أوضاع المعيشة وسنلاحظ في البحث الذي بين يديكم أن تلك النسب المرعبة قفزت في فترات الإصلاح الاقتصادي وأننا اعتمدنا فيها على إحصائيات الدولة وكانت هي أساس البحث.
فأزمة الطلاق ظهرت في مصر بشكل غير مسبوق خلال الفترة الماضية، حيث حققت نسب الطلاق قفزة نوعية خلال الأعوام الـ15 الماضية، بدأت بـ65 ألف حالة طلاق عام 2006 وقفزت إلى 211 ألف حالة عام 2018، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة التابع للحكومة المصرية.
ولو قسنا تلك القفزات بالمقارنة مع نسبة السكان لوجدنا أنها أيضاً نسب ضخمة رغم تزايد العدد رسمياً من 77 مليون نسمة إلى 98 مليون نسمة في تلك الفترة.
أما الإحصائيات غير الحكومية فقد كشفت أرقاماً مفزعة لنسبة الطلاق، بعضها قالت إن نسب الحالات المقدمة أمام المحاكم المثبتة بأوراق وغير المثبتة وصلت لمليون حالة سنوياً وهو ما حاولت الحكومة نفيه رغم أن الأرقام الرسمية تؤكد أيضاً أن هناك قفزة هائلة.
تلك القفزة خلقت مشكلة اجتماعية كبيرة في مصر حيث ينظر المجتمع للمطلق والمطلقة نظرة دونية مما يصعب حالة تكرار الزواج واستكمال الحياة الطبيعية بعد الطلاق ويخلق أزمات مجتمعية بشكل عنقودي متصاعد.
كانت معدلات الطلاق تتصاعد بنسب ضئيلة منذ نهاية حكم الرئيس المخلوع مبارك وحتى عام 2013، كما سيتبين من الإحصائيات الرسمية والدراسات البحثية.
ثم بدأت في القفز بشكل غير مسبوق منذ عام 2014 وحتى اليوم، بالتزامن مع قرار تعويم الجنيه والإصلاح الاقتصادي وارتفاع التضخم.
مما يثير انتباه أي باحث لوجود علاقة ما بين الأمرين، فمع وصول السيسي وحدوث تغييرات سياسية واقتصادية ضخمة في مصر ارتفعت نسب الطلاق، وهو ما لا يمكن التغاضي عنه.
الطلاق في نهايات عهد مبارك:
في نهايات عهد مبارك ومع ارتفاع معدلات الفقر وزيادة إجراءات الخصخصة والأزمات الاجتماعية ومعاناة المواطنين نتيجة السياسات الاقتصادية للحزب الوطني تزايدت نسب الطلاق بشكل ملحوظ ولكن طفيف بالمقارنة بما حدث بعد عام 2013.
جهاز الإحصاء أصدر عامي 2009 و2010 تقارير تقول إن إجمالي عدد شهادات الطلاق سجل زيادة في 2010 بنسبة 5.6%، وارتفع عددها من 141 ألفاً في 2009 إلى نحو 149 ألف حالة في عام 2010 واستحوذ الحضر على 57.4% مقابل 42.6% للريف.
هذا الارتفاع الهائل تم بين العامين 2007 و2008 بنسبة 50 ألف حالة، وهو الارتفاع الأول من نوعه خلال تلك الفترة فقد كان عدد الحالات الرسمية عام 2007 84 ألف حالة، بينما كان عدد الحالات عام 2008، 141 ألف حالة.
كما كشف في إحصائية حديثة صدرت عام 2018، أن القفزة حدثت بدأت عام 2009، ونجد أن تلك الإحصائية تتزامن مع وجود تباطؤ في معدل النمو، فنسبة الدين العام الداخلي من الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت في عام 2009 نحو 80%.
إذن نجد أن القفزة التي حدثت في عهد مبارك كانت متزامنة مع تدهور مؤقت في الأوضاع الاقتصادية نتيجة تأثر مصر بالأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، بالإضافة لتسريع سياسات الخصخصة على يد رئيس لجنة السياسات جمال مبارك ورجاله.
في عهد الثورة من 2011 وحتى 2013
مع ظهور بريق من الأمل بثورة 25 وانشغال الشعب بالوضع العام، ظهر جلياً من الإحصائيات الحكومية أن الارتفاع في نسب الطلاق كان طفيفاً مقارنة بأعوام سابقة وأعوام لاحقة!
فبحسب الجهاز المركزي للإحصاء كانت نسبة الطلاق عام 2011 تصل إلى 151 ألف مواطن وارتفعت بنسبة ضئيلة عام 2012 بنسبة 155 ألف مواطن.
ثم بدأت القفزات الكبرى!
فمنذ عام 2013 تطور الوضع بنسبة 162.ألف مواطن، وتصاعدت الأزمة بشكل غير مسبوق عام 2014 بفارق 12 ألف للمرة الأولى منذ الثورة ووصل عدد الطلاق إلى 180 ألفاً.
ففي هذا العام رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود بنسبة تقترب من الضعف مما أدى لارتفاع ضخم في أسعار السلع والخدمات بداية من عام 2014.
كما أعلنت الحكومة المصرية رفع الدعم بشكل كامل عن الغاز الطبيعي، وتخفيض الدعم على الخبر بنسبة 13% في موازنة العام المالي 2015/2014.
وفي نفس العام أعلن رئيس الوزراء المصري رفع أسعار الكهرباء للشرائح العليا هذا العام بين 15 و20%، وتخفيض دعم المواد البترولية بنحو 40 مليار جنيه بما يعادل 5.6 مليار دولار من أصل 104 مليارات جنيه.
كل تلك العوامل تزامنت مع تصاعد نسب الطلاق لأعداد غير مسبوقة فقد قفزت نسب الطلاق الرسمية من 162 ألف حالة عام 2013 إلى 180 ألف حالة عام 2014 بزيادة تقدر بـ20 ألف حالة.
وتواصلت نسب الطلاق بالتصاعد غير المسبوق سنوياً بين عامي 2015 وحتى عام 2019
فقد كانت النسب سنوياً بالترتيب كالتالي:
قفزت نسب الطلاق مجدد بنسبة 20 ألفاً، ووصلت عام 2015 إلى 199 ألف مواطن، حتى وصلت عام 2018 إلى 211 ألف مواطن.
ونلاحظ بتحليل تلك البيانات أن نسب الطلاق انخفضت انخفاضاً محدوداً حتى نهاية عام 2016، ومع صدور قرار التعويم نهاية العام قفزت مجدداً حتى كسرت حاجز الـ200 ألف.
هذا التطور يهدد أركان مئات الألوف من الأسر والزيجات في مصر، ورصدته الأمم المتحدة في إحصاءات، أكدت فيها أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7% إلى 40% خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات في مصر إلى 4 ملايين مطلقة.
ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصاءات الرسمية أن المحاكم المصرية شهدت تداول نحو 14 مليون قضية طلاق في العام 2015، يمثل أطرافها 28 مليون شخص، أي نحو ربع تعداد سكان المجتمع المصري، حيث تشهد محاكم "الأسرة" طوابير طويلة من السيدات المتزوجات والراغبات في اتخاذ القرار الصعب في حياتهن، بلجوئهن إلى المحكمة المتخصصة في الأحوال الشخصية.
وبحسب تقرير حديث لمركز معلومات مجلس الوزراء، يتردد نحو مليون حالة طلاق سنوياً على محاكم الأسرة بمصر، وتقع 240 حالة طلاق يومياً بمعدل عشر حالات طلاق كل ساعة، كما بلغ إجمالي عدد حالات الخلع والطلاق عام 2015 ربع مليون حالة، بزيادة 89 ألف حالة عن عام 2014.
نسب الطلاق حسب المحافظات عام 2018
الإحصائيات الحكومية التي وجدتها كشفت عام 2018 أن أكبر محافظة في معدل الطلاق كانت محافظة القاهرة بمعدل 41 ألف حالة طلاق خلال العام، بينما كانت أقل محافظة من بين الخمس محافظات الكبيرة في الطلاق هي محافظة الشرقية بنسبة 13.9 ألف حالة طلاق.
انخفاض نسب الزواج
رغم أن الزواج يحتاج بحثاً مفصلاً فإننا بمقارنة صغيرة يمكن أن نكتشف أن نسب الزواج في مصر تنخفض بالتزامن مع ارتفاع نسب الطلاق، ففي 2015 وصلت نسب الزواج إلى 969 ألف عقد رسمي، ثم انهارت الأعوام التي تلتها حتى وصلت إلى 887 ألف حالة.
وكشف جهاز التعبئة العامـة والإحصاء، منتصف العام الحالي عبر النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2018، بلوغ معدل الزواج على مستوى الجمهورية 9.1 في الألف عام 2018، مقابل 9.6 في الألف عام 2017.
ومعدل الزواج هو عدد عقود الزواج التي تمت خلال عام لكل ألف من السكان في منتصف نفس العام.
الجهاز أوضح أن عدد عقود الزواج بلغت 887315 عقداً عام 2018، مقابل 912606 عقود عام 2017، بنسبة انخفاض قدرها 2.8%.
إجراءات الدولة:
لم تكن إجراءات الدولة على قدر فداحة المصيبة، فقد تمحورت حول فرض منع الطلاق بقوة القانون والدين، وهو ما رفضه الأزهر الشريف الذي قال في بيان صادر عن هيئة كبار العلماء: "ليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم"، وهو ما يعبر عن تحدٍّ لطلب السلطة السياسية.
وحاول السيسي أكثر من مرة آخرها عام 2018، طرح فكرة تقييد الطلاق بالقانون إلا أن فكرته قوبلت برفض تام من شيخ الأزهر وحاول السيسي انتقاده على الهواء ساعتها بمقولة: "تعبتني يا فضيلة الإمام".
كما أعلنت الحكومة أنها تدرس عبر الهيئة العامة للرقابة المالية وثيقة تأمين إجباري على الطلاق، سوف يسددها الزوج على أقساط محددة قبل الزواج.
الملاحظ أن تلك الإجراءات تحاول علاج العرض لا المرض والمسببات في الطلاق وانخفاض نسب الزواج.
أسباب الطلاق
الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، علق على زيادة حالات الطلاق فى مصر قائلاً في تصريحات صحفية إن من أسباب الطلاق أن نحو 35% من الأسر المصرية تقودها المرأة، لأنها أصبحت تعمل وقادرة على تحمل المسؤولية بعيداً عن الرجل، وذلك في الوقت الذي مازالت فيه الثقافة الذكورية في المجتمع المصري قائمة.
عضو هيئة تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة الأسرة "هويدا محمد حسن" قالت في تصريحات صحفية أيضاً إن هناك أسباباً تشمل أغلبية الحالات التي تلجأ إلى محكمة الأسرة والتي تؤدي إلى كثرة الطلاق في البيوت المصرية، وهي:
– عدم خبرة الزوجين وقدرتهما على تحمل أعباء المعيشة، فالأجيال القديمة كانت تتحمل الظروف القاسية التي يمكن أن تمر بها الأسرة لبضع سنين حتى تستقر الأمور، وعدم تحمل كل منهما للآخر والبحث عن الحل الأسهل في الانفصال والطلاق والأمر يكون معقداً أكثر في ظل وجود أطفال، لأنهم أكثر المتضررين من ذلك.
– وأشارت إلى أن المال وعدم الإنفاق من الأسباب المهمة في الطلاق، فأغلبية الزوجات يلجأن للمحكمة بسبب عدم إنفاق الزوج لظروفه الاقتصادية أو الضغوط التي عليه، ما يضطر الزوجة إلى طلب الطلاق خصوصاً إذا كانت لا تعمل.
ويرى الدكتور عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي، في تصريحات لقناة الحرة، أن السبب الرئيسي في عزوف الشباب عن الزواج اقتصادي أولاً، تليه أسباب سياسية، "فضلاً عن تزايد طرق التفريغ الجنسي".
ويقول حسن إن الشاب المصري "كلما ادخر جزءاً من أمواله التي يجنيها من عمله وهمّ بالزواج وجد أن الأسعار تضاعفت فتراجع عن الفكرة، حتى إن الأسر أصبحت غير قادرة على مساعدة أبنائها مثلما كان يحدث في الماضي؛ لأنها اقتطعت من مدخراتها في الفترة الماضية لمواجهة غلاء الأسعار، ومدخراتها أصبحت لا تكفي".
الخلاصة:
أزمة الطلاق في مصر تتصاعد ولا تجد من يوقفها من السلطة؛ لأنها أزمة معقدة مرتبطة بالأساس بالظروف الاقتصادية والسياسية للمجتمع المصري والتي تحتاج حلاً جذرياً لا يمكن فرضه بفتوى أو قانون، بل بمجموعة إجراءات متوازية تفضي في النهاية لحدوث استقرار بالمجتمع.
صور لإحصائيات رسمية عن الزواج والطلاق في مصر ونطاقاته:
المصادر:
ارتفاع نسب الطلاق بمصر 6.7% في 2018
مصر بين 2000 و2010 ـــ المؤشرات الاقتصادية
الحكومة المصرية ترفع أسعار الوقود بنسبة تقترب من الضعف
تزايد الطلاق وتراجع الزواج في مصر.. هذه هي الأسباب
ارتفاع أعداد حالات الطلاق في الوطن العربي.. أسباب وأرقام
ما أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية؟
كيف باتت مصر الأولى عالمياً في نسب الطلاق؟
مصر: رفع الدعم عن الغاز كلياً وعن الخبز بنسبة 13%
تقرير للجهاز المركزي للإحصاء حول نسب الطلاق
حالة طلاق كل دقيقتين ونصف..15 مليون حالة عنوسة.. خبراء يكشفون الأسباب!
"الإحصاء": 14% زيادة فى الزواج خلال 2010.. وارتفاع أحكام الطلاق 79%
ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية.. الأسباب والعلاج 2005
الطلاق .. مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع المصرى
مصر تقرر رفع أسعار الكهرباء 20% وتخفض دعم البترول
تأمين "إجباري" على الطلاق يثير جدلاً في مصر
مصر الأولى عالمياً في حالات الطلاق
24 حالة طلاق كل ساعة في مصر خلال 2018
الطلاق .. مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع المصرى
"الإحصاء": 14% زيادة فى الزواج خلال 2010.. وارتفاع أحكام الطلاق 79%
ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية.. الأسباب والعلاج
أبغض الحلال .. يتجاوز 40% مصريا ونساء تـونس المبادرات برفع القضايا
ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية.. الأسباب والعلاج
"الإحصاء": 14% زيادة فى الزواج خلال 2010.. وارتفاع أحكام الطلاق 79%
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.