لم يكن تتويج الجزائري
يوسف بلايلي بجائزة أفضل لاعب محلي بقارة إفريقيا لعام 2019، أمراً مفاجئاً، بحكم
تألقه اللافت في العام المنقضي رفقة منتخب بلاده ونادي الترجي التونسي. ساهم
البلايلي في فوز الجزائر ببطولة أمم إفريقيا بعد أن ساعد الترجي في الفوز ببطولة
دوري أبطال إفريقيا. وكان أحد أبرز نجوم البطولتين بشهادة المشجعين والخبراء.
لكن الأمر اللافت للانتباه والجدير بالاهتمام بالنظر هو أن النجم الحالي لنادي
الأهلي السعودي كان قبل سنتين فقط متوقفاً عن ممارسة رياضته المفضلة بشكلٍ رسمي،
بسبب عقوبة طويلة لتعاطيه مادة "الكوكايين" المحظورة.
من المؤكد أن من بين الذين يتكرمون بقراءة هذا المقال، من لا يعرف حكاية البلايلي مع مخدر أو منشط الكوكايين، ويتملكهم الفضول لمعرفة تفاصيلها، ولذلك فإنني أبدأ الموضوع بالحديث عن هذه القصة المتشعبة قبل المرور إلى المشوار الرياضي للاعب المتميز.
عاقب الاتحاد الإفريقي لكرة القدم "كاف" يوسف بلايلي، يوم 21 سبتمبر/أيلول 2015 بحرمانه من اللعب لمدة سنتين لثبوت تعاطيه الكوكايين بعد اختبار وتحاليل مراقبة تناول المنشطات خلال مباراة فريقه اتحاد العاصمة ومولودية العلمة الجزائريين، يوم 7 آب/أغسطس من نفس العام لحساب مسابقة دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم.
ومن جهته عاقب اتحاد الكرة الجزائري، في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015 اللاعب بلايلي بالإيقاف لمدة 4 سنوات لثبوت تناوله نفس المادة المحظورة، خلال مراقبة تناول المنشطات بعد مباراة اتحاد العاصمة وشباب قسنطينة، يوم 19 سبتمبر/أيلول من نفس السنة برسم الجولة الخامسة من الدوري الجزائري لكرة القدم.
وقد ازداد موقف بلايلي تعقيداً لما قرر "الكاف" مضاعفة عقوبة الإيقاف إلى 8 سنوات كاملة، يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعد رفض اللاعب المثول أمام لجنة الانضباط التابعة للهيئة الكروية الإفريقية.
دفاع شرس من الأب عن الابن
وبعد الاستفاقة من الصدمة التي تعرض لها، بدأ بلايلي بإيعاز ورعاية من والده معركة قانونية صعبة مع الاتحادين الجزائري والإفريقي لكرة القدم لتخفيف العقوبة، وذلك بالموازاة مع مجابهة حملة "شرسة" تعرض لها ابن مدينة وهران من طرف جزء من الصحافة المحلية ومن محليين ونقاد رياضيين وحتى من طرف مواطنين عاديين بمختلف القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم لوم اللاعب لتدمير موهبته الكبيرة ومشواره الرياضي الواعد باللجوء لتعاطي المخدرات رغم حياة الرفاهية التي يعيشها في ظل الأموال الضخمة التي يتقاضاها من فريقه اتحاد العاصمة، حيث كان وقتها أعلى لاعبي الدوري الجزائري دخلاً من كرة القدم براتب يقدر بقرابة 50 ألف دولار شهرياً.
ولم يتوان والد يوسف بلايلي في الدفاع عن ابنه بشراسة في مختلف وسائل الإعلام المحلية، داعياً المنتقدين للتوقف عن "تضخيم" قضية نجله، متطرقاً لمواقفه الانسانية السابقة وأخلاقه الحميدة التي لا يمكن تجاهلها بسبب خطأ واحد أو حادثة "طيش"، خاصة اذا اعترف المذنب بذنبه وطلب السماح من الله سبحانه ومن محبيه.
ومن جهته اتخذ يوسف وعداً مع نفسه بعدم الاستسلام ومواصلة التمرن والتدرب بكل جدية للحفاظ على لياقته البدنية تحسباً للعودة إلى الميادين في أقرب الآجال في ظل وجود أمل بتخفيض عقوبة الإيقاف إلى سنتين فقط.
وبدأت المعركة القانونية بالطعن في العقوبة لدى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، لكن "الكاف" أعلن يوم 31 يناير/كانون الثاني 2016 رفضه الاستئناف بسبب عدم تسديد مصاريف إجراءات الطعن، ليلجأ بعدها اللاعب يوم 10 فبراير/شباط 2016 إلى المحكمة الرياضية الدولية التي قررت يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تخفيض العقوبة إلى سنتين فقط، بداية من 19 سبتمبر/أيلول 2015، بمعنى أن النجم الجزائري بات قادراً على اللعب رسمياً بداية من 19 سبتمبر/أيلول 2017.
نادٍ فرنسي منح له "طوق النجاة"
في مطلع موسم 2017- 2018، وفي الوقت الذي كان فيه يوسف بلايلي منتظراً للعودة من باب فريق مدينته مولودية وهران أو ناديه السابق اتحاد العاصمة، فاجأ الجميع بالتعاقد مع نادي أنجيه في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، الذي يرأسه الجزائري سعيد شعبان.
وقد برر شعبان هذه الصفقة المفاجئة بأن كل إنسان قد يرتكب أخطاء وأموراً سيئة في حياته، لكن يبقى لكل الإنسان الحق في فرصة جديدة.
وكانت عودة يوسف إلى الميادين بشكل تدريجي، حيث كانت أول مباراة رسمية له رفقة الفريق الرديف لنادي أنجيه في دوري الدرجة الثالثة الفرنسي يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. ولكن وبعد 6 أشهر كاملة من الانضمام لنادي أنجيه، نفد صبر بلايلي مع المدرب ستيفان مولان الذي لم يمنحه الكثير من الفرص للعب مع الفريق الأول، فقرر الرحيل خلال الميركاتو الشتوي نحو نادي الترجي التونسي الذي استقبله بالأحضان.
نعم استقبل مسؤولو وجماهير النادي التونسي البلايلي بالأحضان لمعرفتهم الجيدة بقدراته والذكريات الجميلة التي تركها هناك قبل العودة إلى الدوري الجزائري في عام 2014. وهنّا لابد أن نتوقف عن الاسترسال في الموضوع ولا بد أن نتطرق للمشوار الرياضي للاعب من بدايته.
تألق لافت مع الترجي التونسي ومنتخب الجزائر
وُلد يوسف بلايلي يوم 14 مارس/آذار 1992، بمدينة وهران بالغرب الجزائري، أين بدأ ممارسة رياضته المفضلة ضمن نادي رائد غرب وهران ثم مولودية وهران، قبل أن يلعب لموسم واحدٍ (2009-2011) ضمن نادي أهلي برج بوعريريج ويعود إلى مولودية وهران ثم يرحل إلى نادي الترجي التونسي في صيف 2012، حيث تألق رفقته بشكلٍ كبير وتوج معه بلقب الدوري المحلي سنتي 2012 و2014 وبلوغه نهائي دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم في عام 2012.
وفي الوقت الذي كان فيه بلايلي مُطارداً من طرف عدة أندية أوروبية فإنه فضّل العودة إلى الجزائر في صيف 2014 واللعب في صفوف فريق اتحاد العاصمة الثري، حيث واصل تألقه وانضم للمنتخب الجزائري الأول، في سنة 2015، في عهد المدرب السابق، الفرنسي كريستيان غوركوف، قبل أن تتوقف مسيرته المظفرة بسبب قضية "الكوكايين".
وبقية القصة معروفة وهي انضمامه لنادي أنجيه الفرنسي في صيف 2017 ثم العودة إلى الترجي التونسي في شتاء 2018، حيث بدأ في استعادة بريقه وأجبر الناس على الحديث عنه حول ما يفعله فوق الميدان وليس خارجه، فقاد الترجي لنيل للقبي الدوري التونسي ودوري أبطال إفريقيا في عام 2018، وكرر نفس التتويج المزدوج في السنة الموالية 2019.
وتخلل هذا التأق العودة إلى منتخب الجزائر من الباب الواسع، حيث شارك في تتويج "الخضر" بلقب كأس أمم إفريقيا 2019، التي جرت بمصر في الصيف الماضي، بعدما اختاره المدرب جمال بلماضي ضمن الخط الهجومي للتشكيلة الأساسية بدل النجم ياسين براهيمي، فسجل هدفين اثنين، وقدم أداءً راقياً فاجأ به الجميع حتى من يعرفه ويعرف قدراته، ما منحه في بداية شهر يناير/كانون الثاني الجاري، لقب أفضل لاعب داخل إفريقيا.
ورغم تلقيه اتصالات من بعض الأندية الأوروبية بعد تألقه اللافت في دورة مصر الأخيرة، إلا أن بلايلي فضل خوض تجربة احترافية ضمن نادي أهلي جدة السعودي بداية من الخريف الماضي، لكن آخر التقارير تتحدث عن فتحه الباب لتغيير الأجواء مجدّداً في حال تلقيه عرضاً جدياً من أحد الأندية الأوروبية الكبيرة.
وما يمكن استخلاصه من قصة بلايلي أنه وبغض النظر عن إرادة اللاعب وطموحه الكبيرين، فإنه ما كان ليعود إلى الواجهة الرياضية لولا وقوف عائلته بقيادة والده "حفيظ" إلى جانبه في مراحل حياته الحرجة، ويمكن استخلاص أيضاً أن كل إنسان معرض للخطأ ولا بد من منحه فرصة تدارك أخطائه وليس "دفنه" وزيادة تعقيد حياته.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.