أتذكر جيداً عندما خرج علينا جوزيه
مورينيو في أحد مؤتمراته الصحفية المثيرة للجدل، ليتحدث عن الإرث الكروي. أجد في
ذلك المؤتمر نقاشاً حيوياً جداً حول ماهية الإرث الكروي. إذ وصف لنا جوزيه مورينيو
الإرث الكروي باعتباره إرث الإنجازات السابقة للفريق، وحصده للبطولات في آخر
السنوات، وتطرّق لإرث مهارات اللاعبين ومميزاتهم وأدائهم.
وهنا تُثار نقطة الاختلاف والخلاف بيني وبين
جوزيه، أنا متفق مع مورينيو على وجود الإرث حقيقة في عالم كرة القدم، لكن في رأيي
أن الإرث ما هو إلا إرث الأفكار والهوية والعقلية.
ولنا في ماوريسيو ساري وجوزيه مورينيو ذاته عبرة. عندما وصل ماوريسيو ساري إلى يوفنتوس أو قبله إلى تشيلسي، وجد مهارات اللاعبين مذهلة، الفريق منتصر بطبعه، لكنّ نقطتي الاختلاف بينه وبين لاعبيه هما العقلية والهوية، عندما تأتي خلفاً لمدرب مثل ماسيميليانو أليغري، القادر على جعل لاعبيه في حالة من الإيمان التام بأفكاره، والتسليم بأساليبه وأفكاره الدفاعية، واعتماده الفني الواضح على التحولات والضغط العكسي السريعين، واعتناق البراغماتية تماماً، حيث الانتصار بأي أسلوب ممكن.
لنتذكر أن لاعبي يوفنتوس بشر يؤمنون بمعتقدات، ولديهم أفكارهم، فعندما يصل ماوريسيو ساري فجأة إلى تورينو ويطلب منهم رمي كل ما اعتنقوه من أفكار في السنوات الماضية في أقرب سلة مهملات.
ويطلب منهم الاحتفاظ بالكرة وتدويرها بسلاسة، والبحث عن الانتصار بأسلوبه الخاص وليس بأي طريقة بالتأكيد، على الأقل في البداية سيجد ساري مقاومة كبيرة من اللاعبين الذين سيعتبرون هذا الأمر محض هراء، لأنهم مؤمنون بالانتصار، ولا شيء آخر سواه، لذلك يحتاج كل مَن في النادي إلى المزيد من الوقت لتغيير العقلية وارتداء الهوية الجديدة.
مورينيو ذاته وصل توتنهام، فريق بوكيتينيو السابق، والمؤمن بالاحتفاظ بالكرة والضغط العالي والدفاع المتقدم، كلها أفكار لا يحبها مورينيو ولا يُطبّقها. ومع وصول جوزيه وأفكاره البراغماتية الباحثة عن النصر فقط. في البداية، أعتقد أنه سيجد لاعبين توتنهام وراءه، داعمين له، لأن تدريباته أقل صعوبة من بوكيتينيو، وأن أسلوب لعبه أقل إرهاقاً من نظيره الأرجنتيني، لكن مع أول ضربة لثقة الفريق بنفسه سيبدأ اللاعبون في فقدان الإيمان بأفكار مدربهم الجديد، ومقارنتها بالأفكار الأخرى التي ترعرعوا في كنفها رفقة بوكيتينيو.
هذه النقطة تأخذنا للحديث عن مدرب نادي أرسنال الجديد، مايكل أرتيتا. أعتقد أن أرتيتا محظوظ للغاية بوصوله لفريق أرسنال في تلك المرحلة، لوصول "المدفعجية" للقاع بوجود أوناي إيمري على رأس الإدارة الفنية، وهو صاحب المرونة الخططية والإيمان بجميع الأساليب.
لذلك سيكون لاعبو أرسنال مثل العجينة أو الصلصال القابل للتشكيل بأي طريقة ممكنة، واعتناق أي هوية كروية لانفتاحهم ومعرفتهم بهم جميعاً. لكن لنتخيل أن المدرب السابق لأرتيتا هو جوزيه مورينيو مثلاً، هل كنا سنجد الفريق بتلك السرعة في تطبيق أفكار أرتيتا بهذه الجودة في ذلك الوقت القصير، أم أنهم سيحتاجون لوقت أكبر لتغيير عقليتهم والبدء في تشرب الأسلوب الجديد رويداً رويداً، مع احتمالات كبيرة للفشل مثلما يعاني فريق توتنهام الآن.
عندما يتم تعيين مدرب خلفاً لأفضل مدرب في العالم، والذي خلق فريقاً لا يُقهر، هل تعتقد أن مهمة هذا المدرب الجديد سهلة؟
بالتأكيد لا، لأن المدرب السابق وصل لتلك القوة بسبب عمق إيمان لاعبيه بأفكاره.
المدرب ليس مجرد أفكار فقط، بل قدرة على الإقناع أيضاً. يشرح مساعد المدرب يورغن كلوب، بيب ليندرز بأن الطاقم الفني بأكمله في ليفربول يخرجون بالكثير من الأفكار، لكن الوحيد القادر على إيصالها للاعبين هو يورغن كلوب، لذلك هو واحد من أفضل المدربين في العالم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.