في الحلقة الأخيرة من الجزء الرابع من المسلسل الأمريكي العبقري هاوس أوف كارد والذي استمر عرضه لمدة ستة أعوام ويحكي عن أروقة السياسة الأمريكية وكيف تدار الأمور بين البيت الأبيض ومؤسسات الدولة الأمريكية ومكانة الصحافة بين هذا وذاك، في هذه الحلقة يظهر الرئيس الأمريكي فرانك أندروود وزوجته السيدة الأولى كلير في مشهد عبقري أثناء استعدادهم لخوض جولة الانتخابات الرئاسية وتراجع أسهمهم بشدة بعد نشر الصحفي توم هامرشميث مقالاً يحكي فيه فساد أندروودز وتورطهم في جرائم قتل واستغلال النفوذ ليظهر الرئيس الأمريكي محبطاً يائساً خائفاً يقول للسيدة الأولى "ثلاثة أسابيع ثم الانتخابات ثم نخسر ثم يحققون معنا وكل شيء حققناه سينتهي للأبد" في إشارة إلى إجراءات التحقيق والعزل التي كان الكونغرس يهدد الرئيس بها في المسلسل وكانت على وشك الدخول حيز التنفيذ ولكن السيدة الأولى في هذا المشهد كان لها رأي آخر حيث أشارت على زوجها بمحاولة كسب الوقت لأنهم لا قدرة لديهم على مواجهة جميع الجبهات واحدة واحدة ولكن إذا استغلوا ما يجري وسخروه لمصلحتهم سيخلقون شيئاً أبعد من الفوضى وأقسى من الحرب وهو الخوف وهذا تحديداً ما يمكنهم العمل معه الخوف والخوف فقط.
في المشهد الذي يليه يظهر الرئيس الأمريكي ببدلة زرقاء داكنة اللون بناء على نصيحة زوجته ليدلي بخطاب عاطفي للأمة حول اختطاف مواطن أمريكي من قبل جماعة متطرفة تهدد بقتله ليتحدث الرئيس عن أن أمريكا أولاً وأنهم بصدد خوض حرب لإنقاذ أمريكا وبقاء شعبها وأن خطر التطرف ليس خارجياً فقط وإنما هو خطر على الداخل الأمريكي أيضاً، ثم ينهي الرئيس أندروود خطابه بعدد من الرسائل المؤثرة للغاية قائلاً "هناك جنود أمريكيون سيموتون ومدنيون سيموتون وسيعم الألم وسنشعر بالمعاناة وسيواجهوننا بكل الطرق وسيواجهوننا بالشر هذه ليست حرباً سنخسرها، الحداد لا يعني الخوف، الحزن لا يعني الاعتراف بالهزيمة ولكننا سننتصر"، انتهى خطاب أندروود وأعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب وسعى الرئيس إلى إرسال آلاف الجنود الأمريكيين إلى الشرق الأوسط وكل هذا من أجل هدف واحد فقط نشر حالة الخوف لدى المواطن لكسب ثقته في الانتخابات، لا تتعجب فقد فاز فرانك أندروود بالانتخابات بالفعل لهذا السبب ولأسباب أخرى ليس مجالها هذا المقال.
في مقابلة تلفزيونية في أحد البرامج الساخرة أجاب بطل المسلسل والذي مثل دوره كيفين سبايسي بأن المشاهد التي كان يوجه حديثه فيها مباشرة إلى الكاميرا كان يتخيل أمامه دونالد ترامب ولكن يبدو أن ترامب أبداً لم يستمع إليه، محاولات كثيرة في الحقيقة حاولت الربط بين قصة المسلسل الرئيسية وبين حالة بيل كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون وهو ما نفاه أبطال العمل ولكنك لا تستطيع أن تقاوم عقلك وهو يستدعي لك المشاهد تلو الأخرى والقصة تلو القصة وأنت تراها أمامك رؤية العين بالصوت والصورة ليست تمثيلاً لمشاهد ولكنها حقيقة يدار بها البيت الأبيض الآن وكأن دونالد ترامب شاهد هاوس أوف كارد واستلهم ما قام به ضد قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني مما فعله فرانك أندروود ضد قتلة المواطن الأمريكي جيمس ميلر.
إجراءات العزل التي يواجهها ترامب، مجلس النواب وزعيمته نانسي بيلوسي وما تقوم به لإزاحته من البيت الأبيض، الصحافة والقنوات الأمريكية التي ترى في دونالد ترامب ما رأته واشنطن هيرالد في فرانك أندروود من فساد واستغلال للنفوذ، كل هذا يضعف من دونالد ترامب ويقلل من فرصه في الفوز بفترة رئاسية قادمة، ولكنه يكسب الوقت بتصدير الخوف وهذا ما تعود ترامب أن يبدع فيه كإبداعه كرجل أعمال ناجح في إبرام صفقات ناجحة بعد مفاوضات جيدة.
عملية كاغتيال قاسم سليماني ولقاء لوزير الخارجية بومبيو لمدة ثلاث ساعات يتحدث فيها عن مخاطر ولكنها في الشرق الأوسط وتصريحات ترامب بإرسال ثلاثة آلاف جندي أمريكي آخر "ربما يموت منهم أو يجرح المئات" وقبل كل هذا تغريدة دون كلمات على حساب ترامب الرسمي عبر تويتر وضع فيها فقط العلم الأمريكي في إشارة عاطفية للوطن وبقاء أمريكا وإنقاذ الشعب، كل هذه الرسائل أو إن شئت القول الوسائل تحمل بصمات فرانك أندروود في كيفية كسب التعاطف وحصد الأصوات في الداخل الأمريكي وهو ما يبدو أن دونالد ترامب يسير فيه بخطوات ثابتة، فمن رفض أو انتقد اليوم من الديموقراطيين عملية اغتيال قاسم سليماني بعد أيام من مقتل مقاول أمريكي في قصف من ميليشيات الحشد الشعبي الإيراني في العراق قد واجه عاصفة انتقادات واسعة على تويتر بأنه يغلب مصالح حزبية على مصالح الوطن والأمة وحماية أرواح الأمريكيين، وهذا أيضاً ما فعله أندروود في أحد المشاهد عندما اقتحم الكونغرس ليحاسبهم على تقاعسهم عن إعلان حالة الحرب على الإرهاب نصرة للمواطن الأمريكي الذي قتل.
هو إذاً نفس الكتالوج السياسي ولكن المفاجئ أن مقطعاً مصوراً للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب قد انتشر بشدة صباح اليوم وكان ترامب قد نشره في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011 قبل عامين من إذاعة الحلقة الأولى لمسلسل هاوس أوف كارد ينتقد فيه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ويتهمه بأنه سيسعى لإعلان الحرب مع إيران من أجل كسب أصوات أكثر في الانتخابات الرئاسية وهو ما دفعني للسؤال من منهما قد اتبع الآخر دونالد ترامب أم فرانك أندروود وهل يستطيع دونالد ترامب تحقيق ما أراده من تأثير على الناخب الأمريكي يعزز موقفه الضعيف وفرصه في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
الإجابة على السؤال تبدو صعبة نوعاً ما لأسباب كثيرة أهمها اهتزاز الثقة بشكل كبير في ترامب وما يفعله ولكن رجل الأعمال الذي أصبح رئيساً يعلم جيداً كيف ينهي الصفقات ويكسب ثقة العميل، ترامب هنا يراهن على مقولته الشهيرة أمريكا أولاً وعلى إدارة المرحلة بالخوف ويعلم يقيناً أن المواطن الأمريكي إذا ما شعر بالخطر الحقيقي عليه وعلى أبنائه فسيترك السياسة وسيتجاهل الانتخابات ويكذب وسائل الإعلام ويقف وراء الرئيس الذي لديه القوة كي يحميه ويحمي مستقبل أبنائه، يمكنك العودة إلى سبتمبر/أيلول عام 2001، وانظر كيف استطاع جورج دبليو بوش أن يحشد الأمريكيين وراء غاية واحدة وهي الانتقام وإنقاذ أمريكا من الإرهاب، وهذه المرة أيضاً أتوقع أن يصطف قطاع كبير من الأمريكيين وراء ترامب إذا ما ردت إيران وتجاوزت أهم الخطوط الحمراء الأمريكية وهو استهداف مواطن أمريكي في أي بقعة من بقاع الأرض، إذا ما حدث ذلك فأقول مبروك دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لفترة رئاسية قادمة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.