توّج ليونيل ميسي بكرته الذهبية السادسة من قِبل المجلة الفرنسية الشهيرة "فرانس فوتبول"، وقبلها بعدة أشهر نال نفس اللاعب جائزة "الأفضل" (THE BEST) الممنوحة من قِبل الاتحاد الدولي لكرة القدم للمرة الأولى.
بنظرة تفصيلية على قائمة فرانس فوتبول النهائية، سنجد ثلاثة لاعبين فقط يلعبون في أندية الدورى الإيطالي وهم: كريستيانو رونالدو، والهولندي اليافع ماتيس دي ليخت، والمالي كاليدو كوليبالي. من الثلاثي لاعب واحد فقط هو من عثر على اسمه في قائمة العشرة لاعبين الأوائل بالقائمة، بالطبع كريستيانو رونالدو. وهذا بالرغم أن موسمه لم يكن ممتازاً مع يوفنتوس، ولكنه حجز اسمه في القائمة كما يفعل منذ عام 2006، ولم يغب عنها أبداً. أما الهولندي الصغير فدخل تلك القائمة بفضل موسمه مع فريقه السابق أياكس أمستردام في دورى أبطال أوروبا الموسم الماضي، وفوزه بالدوري الهولندي.
وبنظرة أخرى على قائمة (THE BEST) لأفضل لاعب في العالم، سنجد تواجد لاعبَيْن فقط ينشطان حالياً في الدوري الإيطالي، وهما كريستيانو رونالدو، وماتيس دي ليخت.
في نفس موسم الجوائز، ولكن قبل عشرين عاماً توج البرازيلي ريفالدو بالكرة الذهبية لأحسن لاعب في العالم عام 1999. ولكن المعلومة الأكثر أهمية تكمن في تواجد (12) لاعباً يلعبون في الكالتشيو في القائمة النهائية آنذاك. مع تواجد 4 لاعبين في قائمة العشر الأوائل، والبقية يأتون تباعاً في الترتيب. وفي القائمة يوجد لاعبو أندية فيورنتينا وبارما ولاتسيو، بالإضافة إلى الكبيرين ميلان ويوفنتوس يزينون تلك القائمة.
في العقدين الأخيرين، وبالتحديد في الفترة من 1990-2010، اعتلت الأندية الإيطالية قمة الكرة الأوروبية، فقد فازت أندية الكالتشيو بـ6 بطولات دوري أبطال أوروبا، و7 بطولات كأس الاتحاد الأوروبي، و7 بطولات للسوبر الأوروبي، و8 جوائز لأفضل لاعب في العالم، و4 جوائز لأفضل لاعب في أوروبا. بالإضافة إلى أن الدوري الإيطالي احتل التصنيف الأول من قبل اليويفا، كأقوى دوري في أوروبا في الفترة ما بين 1991-2000. ووجب التذكير أيضاً أن كل لاعبي منتخب إيطاليا المشاركين في نهائيات كأس العالم 2006 كانوا ينشطون في دوري الدرجة الأولى الإيطالي.
خلفية تاريخية
يكفي فقط ذكر اسمه في أي تجمع أو نقاش كروي، يستدعي الدوري الإيطالي صورة نمطية في أذهان الكثيرين من الجماهير، صورة واحدة فقط تتمثل في "الكاتيناتشو" والتحفظ الدفاعي الشديد، مع الاعتماد على الهجوم المضاد والكرات الثابتة فقط كحلول هجومية. ندرة فرص التسجيل، هدف واحد كافٍ للفوز، ضعف التنافسية، قلة المهارات والصراعات والالتحامات البدنية الخشنة والشغب الجماهيري هذه أبرز المشاهد التي تأتي في ذهن مشجع كرة القدم عندما يقرأ أو يسمع "الدوري الإيطالي".
لكن مهما اختلف الواقع كثيراً عن ذلك الماضي، فإن تلك الصورة النمطية عن الكرة الإيطالية تم تثبيتها في الأذهان وكأنها نص من كتاب مقدس لا يمكن تغييره مهما جرت السنوات وتغيرت الظروف.
حتى عندما قامت إحدى الشركات الكبرى بعمل برومو إعلاني لمنتخب إيطاليا في إطار حملتها الإعلانية لبطولة يورو 2008، استحضرت تلك الصورة النمطية عن الكرة الإيطالية وطريقتها الدفاعية، مستعينةً بجمل مثل:
هنقفل وندافع.. ليه نهاجم؟
ما ندافع.. ما ندافع وانتوا مالكوا
خلوا الهجوم ينفعكم.
هبوط حاد اضطراري
المتابع للكرة الإيطالية يعلم جيداً أنها تعيش أزمة حقيقية بدأت مع "الكالتشوبولي" عام 2006، وبمجرد فوز إيطاليا بالمونديال دخلت الأندية الإيطالية نفقاً مظلماً، وزاد الطين بلة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت العالم في أواخر عام 2008، والتي أدّت لركود اقتصادي هائل لم يشهده العالم منذ الكساد الكبير عام 1929. مما اضطر دول الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة ديونها المتضخمة من خلال تدابير وسياسات التقشف، ودخلت الاقتصادات الضخمة في حالة اضطراب شديد. إيطاليا كانت من أكثر المتضررين بتلك الضربة الاقتصادية الموجعة، ودخلت في مجموعة (PIIGS)، والتي تضم دول البرتغال وإيطاليا وأيرلندا واليونان وإسبانيا. والتي كانت من أضعف الاقتصادات الموجودة في منطقة الاتحاد الأوروبي خلال أزمة الديون الأوروبية.
ولكن لماذا لم تستطع الأندية الإيطالية تخطي الأزمة مثل نظيراتها الإسبانية، خصوصاً أن وضع الدولتين الاقتصادي كان متشابهاً تقريباً؟
هنا تكمن المشكلة الحقيقية التي أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للأندية الإيطالية، مُلاك أغلب الأندية الإيطالية ينتمون للعائلات الكبرى في إيطاليا "عائلة برلسكوني وعائلة موراتي في قطبي ميلانو، وعائلة سينسي في روما وغيرها في باقي الأندية. وكانت تلك العائلات من الأعمدة الرئيسية في هيكل الاقتصاد الإيطالي، ومع الانهيار الاقتصادي الإيطالي، انهارت القوة الاقتصادية لتلك الأندية بالتبعية. وعانت من مشاكل اقتصادية كبرى، اضطرتها إلى بيع نجومها لأندية أخرى، من أجل حلّ تلك المشاكل المادية التي تعصف بها، ومن هنا أصبح الدوري الإيطالي طارداً للنجوم، بعدما كان جنة لكرة القدم.
تعتمد أندية الدوري الإيطالي بشكل أساسي في إيراداتها على عائدات البث التلفزيوني، وهذا يعني أن أندية الدوري لا تستطيع تسويق نفسها، وإيجاد عقود رعاية كبيرة مثل بقية أندية الدوريات الأخرى. هنا في إيطاليا تستحوذ عقود اللاعبين ورواتب الموظفين على أكثر من 90% من نفقات الأندية، بالتالي تضعف النظم المالية للأندية، وتصعب مهمة توفير رأس مال كافٍ للاستثمار والتسويق. وبالتالي لا تتمكن تلك الأندية من تحقيق إيرادات كافية لشراء لاعبين من التصنيف الأول للفوز بالبطولات الأوروبية والعودة إلى الواجهة.
على سبيل المثال، وفقاً لآخر بيانات مجموعة ديلويت سبورت بيزنس، سجلت إيرادات المباريات لأندية دوري الدرجة الأولى رقم 191 مليون يورو في موسم 2011 /2012، وهو رقم ضعيف للغاية. وجاء ذلك كنتيجة مباشرة لانخفاض الحضور الجماهيري بنسبة 7% عن الموسم الذي سبقه، إذ بلغ متوسط الحضور الجماهيري في كل مباراة ذلك الموسم حوالي 22 ألف متفرج فقط.
خروج النجوم من الدوري الإيطالي واعتزال الجيل التاريخي الفائز بمونديال 2006، انخفاض عائدات البث لأن الدوري ليس جذاباً من الناحية الدعائية والتسويقية، ارتفاع الديون على الأندية الإيطالية، عدم وجود قاعدة ناشئين مميزة، والجمود الحاد في الفكر التدريبي، عدم وجود ملاعب خاصة للأندية، وضعف البنية التحتية وضعف عائدات المباريات، لكل هذه الأسباب كان من الطبيعى تراجع الدوري الإيطالي وانخفاض نسب المتابعة، وبالطبع لم يكن غريباً لجوء أغلب مُلاك الأندية الإيطالية لعرض أنديتهم للبيع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.