ألغى النجم الفرنسي كريم بنزيمة زيارته لبلده الأصلي الجزائر، والتي كانت مقررة في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، ويمكن القول إنه لم يلغها؛ بل أجَّلها إلى موعد آخر تكون فيه الظروف مواتية لتقضيتها في أفضل الظروف الممكنة من الجانبين التنظيمي والمعنوي.
قد يتعجب البعض ويتساءل قائلاً: "وما دخل الظروف المعنوية والنفسية في هذا الأمر؟ وكيف تكون مؤثرة في تنظيم زيارة أو إلغائها؟". ولكن هذه الحيرة قد تزول لمّا نطّلع على حيثيات القصة كاملة.
لعل جميع مُتتبعي كريم بنزيمة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي قد لاحظوا في السنوات القليلة الماضية، زيادة منشورات نجم نادي ريال مدريد الإسباني حول تعلُّقه ببلد آبائه وأجداده الجزائر، كأنه أحسّ بتأنيب الضمير لما اختار اللعب لمنتخب بلد مولده فرنسا على حساب منتخب "محاربي الصحراء"، خاصة عندما اقتنع بأنّه لم يعد مرغوباً فيه ضمن منتخب الديكة لأسباب غير رياضية.
وفي ظل هذا الشعور بالانجذاب والحنين إلى الجذور، قرر بنزيمة تخصيص عطلته القصيرة في نهاية السنة الجارية، للقيام بزيارة للجزائر وبالتحديد مسقط رأس والده بمدينة بجاية في منطقة القبائل، ومسقط رأس والدته بمدينة وهران بالغرب الجزائري.
وكان يريد كريم أن تكون الزيارة في إطار عائلي بعيداً عن الأضواء، قبل أن يتدخل طرف آخر ويحوّلها إلى زيارة رسمية، ويثير جدلاً واسعاً بالوسط الرياضي الجزائري، أصاب بنزيمة بالحرج واضطره إلى تأجيل "السعادة" إلى موعد لاحق.
مَن أفسد العرس؟
نعم، يمكن القول إنّ هذا الطرف الآخر قد أفسد العرس والسعادة المنشودة لبنزيمة في العودة إلى الجذور والأصول، ويتمثل هذا الطرف في اللجنة الأولمبية الجزائرية، التي أعلنت في بيان لها، أنّها ستكرّم كريم بنزيمة بوسامة "الاستحقاق الأولمبي" خلال حفل يقام في مدينة بجاية بمناسبة إحياء اليوم الأولمبي، الذي تحتفل به 206 لجان أولمبية وطنية في كل العالم، يومي 27 و 28 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وقد تسبب هذا البيان في إخراج الزيارة إلى العلن بعدما كانت سرية، وفتح أيضاً الباب لإعادة النبش في التاريخ الرياضي للنجم الفرنسي وتعرُّضه لانتقاد مجاني لا يستحقه في الوقت الحالي، بحيث عاب كثير من الجزائريين على اللجنة الأولمبية الوطنية تكريم لاعب دافع عن ألوان منتخب فرنسا، في حين تجاهلت لاعبين آخرين فضَّلوا الانضمام إلى منتخب بلدهم الأصلي على حساب منتخب مولدهم.
"كريم الفرنسي" VS. "كريم الجزائري"
ومن المعروف أنّ المنتخب الجزائري الأول لكرة القدم اعتمد في العشريَّتين الماضيتين بشكلٍ كبيرٍ على اللاعبين مزدوجي الجنسية الذين وُلدوا في فرنسا وتكوّنوا بمدارسها الكروية، على غرار جمال بلماضي ومجيد بوقرة و سفيان فيغولي ورياض بودبوز ورياض محرز وياسين براهيمي وعيسى ماندي ورايس وهاب مبولحي.
وقد فضلت استثناء اللاعب كريم زياني من هذه القائمة، لأنه الوحيد من بين تلك الأسماء الذي رفض صراحةً اللعب لمنتخب فرنسا، ففيغولي وبراهيمي وبودبوز مثلاً سبق أن لعبوا ضمن المنتخبات الفرنسية للفئات الصغرى، قبل أن يغيروا جنسيتهم الرياضية وينضموا إلى منتخب بلدهم الأصلي الجزائر، ولكن زياني الذي تلقى دعوة للانضمام إلى منتخب فرنسا للشباب (أقل من 20 عاماً) لما كان ينشط ضمن نادي تروا الفرنسي، ردَّ بكل وضوح :" أنا جزائري وأنتظر دعوة من المنتخب الجزائري".
وفعلاً لم يتردد زياني في تلبية دعوة المنتخب الجزائري الأول في عام 2003، ثم المساهمة في قيادته إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم والتي جرت عام 2010 بجنوب إفريقيا، ولم يعلن اعتزاله الدولي رغم إبعاده من المنتخب بعهد المدرب البوسني وحيد خاليلوزيتش في سنة 2012، وذلك إلى غاية اعتزاله اللعب نهائياً في الصيف الماضي عن عمر 37 سنة.
بنزيمة يحب الجزائر أكثر من فرنسا
نعود للحديث عن قصة كريم بنزيمة، فنذكر أنه وُلد يوم 19 ديسمبر /كانون الأول 1987 بمدينة ليون الفرنسية، وهو الابن السابع من 9 أبناء، له 5 أخوات و3 إخوة، اثنان منهم، غريسي و صبري، يلعبان حالياً في فريقين صغيرين بفرنسا.
ويعتبر بنزيمة من اللاعبين القلائل ذوي الجنسية المزدوجة الذين يجاهرون بحبهم لبلدهم الأصلي وتعلُّقهم به أكثر من بلد مولدهم.
ولقد سببت له صراحته كراهية وسخط عدد كبير من الفرنسيين والصحافة المحلية المتطرفة، وذلك عندما صرح في إحدى المناسبات بأنه لا يحفظ النشيد الوطني الفرنسي ولا يردده، وأنّ بلده هو الجزائر. وقد اختار اللعب لمنتخب فرنسا لأسباب رياضية فقط، حيث تم استدعاؤه لمنتخب الديكة الفرنسية في سن مبكرة جداً، بوقت كان فيه المنتخب الجزائري في غير المستوى الجيد الذي هو فيه حالياً.
وقد ازداد هذا السخط لما احتفل كريم بلقب دوري أبطال أوروبا لكرة القدم مع ريال مدريد، للموسم ما قبل الماضي (2017-2018) بأخذ صورة مع العَلم الجزائري وليس العلم الفرنسي.
من المؤكد أنّ بنزيمة يدرك جيداً أنه لا يستحق وسام الاستحقاق الأولمبي الذي كانت تنوي اللجنة الأولمبية الجزائرية تقديمه له. ولهذا فضّل تأجيل زيارته للجزائر، وهو موقف يُحسب له وليس عليه، في حين أنّ نجماً آخر لنادي ريال مدريد، قبِل الوسام نفسه وتسلمه بكل "فخر واعتزاز"، ونعني به زين الدين زيدان، خلال زيارته الرسمية للجزائر في فبراير/شباط 2010.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.