تنفض كارما الغُبار عن الطاولة، بينما يتحمل الشقيق الأكبر رفع حمولة السوق لاستقبال المولود الجديد، قبل ليلة تسبق قدوم الطفل أقيمت القرعة، في الرمق الأخير من المفاوضات والنقاشات العائلية سمي ليونيل. تدخّل القدر فجأةً، أسقط الاسم على الطاولة وأنهى النقاش، ليبدو كل شيء وكأنه معد سلفاً.
كان يوماً عادياً، يشير التاريخ إلى أن اليوم هو الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، تاريخ عاديّ، لم يبهج إلا العائلة وبعضاً من الأقارب، لكنه بلا ذكرى سابقة، ولا نبوءة منتظرة، ولا توقع بعبقرية الرضيع.
يجلس أندريس وماريا على مائدة المساء، الليلة المقمرة تدعو إلى البهجة، وحال ليونيل يسعد كل من في البيت، رغم أنه لا يتحرك كثيراً، إلّا أنه يقفز أحياناً من أعلى المنضدة، أو يعبث بالقمصان، وقد يكسر بعض الكاسات، ورغم أنه قد يستفزك في بعض الأحيان النادرة، يبقى قادراً على بعث الهدوء والسلامة على البيت بأكمله بابتسامته، مخترقاً قلوب جميع الحاضرين.
على مقربة من المجمع ترشق الجدة سيليا بنظرة رومانسية الولد الصغير. ثم تزف له البشارة: آه.. ليونيل! غداً في تمام العاشرة صباحاً سنتمشى على ضفاف نهر المدينة، وبعد الظهيرة سنقطع طريقاً مشمساً إلى ملعب غراندولي، وقد أهديك قليلاً من البطاطس المقلية إن فزت بالرهان وكنت هادئاً، وأظن أنني خسرت الرهان من الآن.
حرَّك ليونيل رأسهُ من الأسفل إلى الأعلى، ثم انتهى الحديث. منذ صغره لا يتكلم ليونيل كثيراً.
كانت الجدة تصاحب ليونيل في كل فرصة لمشاهدة شقيقيه ماتياس ورودريغو يلعبان، كانت تضطر دائماً إلى حمل الولد فوق رأسها ليرى الملعب، كانت تغمرهُ بكثير من الحب والحنان.
وكثيراً ما مازحته
وأغرته عندما كانت تقول على حين غرة: "ليونيل، هل تحلم باللعب على
العشب؟ أعني هنا في المدخل".
ثم تكمل: "أمزح معك، هل تود أن تلعب بشكل رسمي في فريق الشباب. كانت تتلألأ
عيون ليونيل وتتراقص وهي مليئة بالسعادة، ولمعة عينيه تحكي بهجة لا تعادلها حتى
فرحته بالبطاطس المقلية".
ها هم يتّكئون هناك على
شجرة تلقي بظلالها على المشاهدين، ترمي الجدة نظرةً سريعة على المكان، شعور ما بدأ
يكبر داخلها.
تعلو محيا المدرب أباريسيو علامات الحيرة، أو أن الغضب يستشيطهُ، أحد الصغار لم
يحضر اليوم، الفريق ناقص العدد، ولا حل إلا البحث في الأرجاء عن اللاعب المفقود.
التقطت الجدة الرسالة بسرعة البرق، وبدأت في الصراخ: أباريسيو.. أباريسيو.. أباريسيو.. هنا ليو، هنا ليو، سيكمل العدد.
رمق أباريسيو مكان جلوسهم بسرعة، ثم رأى حجم ليونيل الضئيل، سخر المدرب من قصر قامة وضعف بنية الطفل، لكن تحت ضغط الوقت والحاجة، أشركه المدرب على أمل حضور اللاعب المنقوص في أقرب وقت ممكن.
في عنق الشمس، يرفع ليونيل عينيه، الكرة تتجهُ صوبهُ، لا يفعل أي شيء، لا يحرك ساكناً. أباريسيو يزداد غضباً، وما هي إلا ثوان معدودة حتى تسلم ليو الكرة، مر من الأول، وعبث بالثاني، وأرسل الثالث إلى الخارج، الجدة سيليا تقفز من مكانها فرحاً، كان يمكنك رؤية الحيرة تتجول في ملعب غراندولي، فشل أباريسيو في التوقع. ليكون الشيء الوحيد المؤكد أن هذا الطفل جاء صدفة، واخترق القاعدة.
من اليوم أيها الجدة سيليا، ليونيل ملك لفريق غراندولي!.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.