يتردد
في الأنحاء أن قمة كوالالمبور الجارية حالياً تنوي أن تكون بديلاً لمنظمة التعاون
الإسلامي، والحقيقة أن مثل هذا الكلام محض ادعاءات لا صحة لها. بالعودة إلى
التاريخ القريب، سنعرف أن جذور القمة الجارية حالياً تعود إلى مبادرة بدأت منذ ست
سنوات بين المفكرين المسلمين، وأنها ليست القمة الأولى. إذ عُقدت القمة الأولى في
كوالالمبور بمبادرة من مهاتير محمد وبمشاركة مفكرين وعلماء وباحثين من جميع أنحاء
العالم. وفي أثناء انعقاد هذه القمة، كانت تترأس تركيا منظمة التعاون الإسلامي.
بمعنى آخر، كانت تركيا مسؤولة عن تطوير منظمة التعاون الإسلامي عن طريق تحويلها
إلى مركز، يمكن من خلاله مناقشة مشاكل جميع المسلمين. هل من المنطقي أن تشارك تركيا
في قمة ومبادرة تحارب مساعيها وطموحاتها في ذلك الوقت؟
لا توجد طريقة أفضل لمناقشة أوضاع وأحوال المسلمين من أن يجتمع المثقفون والمفكرون
والعلماء ويحاولون إيجاد حلول لمشاكل المسلمين، تحت هذه المنظمة أو تحت تلك
المبادرة أو في وسائل الإعلام. تجب رؤية هذا النوع من المبادرات على أنه تعبير عن
حيوية الأمة المسلمة؛ بل يجب علينا تشجيعها أيضاً.
إلى أي مدى تستطيع منظمة التعاون الإسلامي اليوم أن تهتم بالقضايا الخاصة بالإسلام؟ وإلى أي مدى كانت منظمة التعاون الإسلامي تهتم بقضايا الإسلام حتى عندما كانت ترأسها تركيا؟
من الواضح أن هناك قصوراً، وعيوباً، لكن بدلاً من رؤية شيء ما كبديل لشيء آخر، من الضروري التفكير في أن كل هذه الأنشطة يكمل بعضها بعضاً. وللأسف، خرجت تلك الادعاءات من وسائل إعلام مصرية وسعودية تحديداً، في تعبير عن الطريقة التي تفكر بها تلك الدول وتقيّم بها المبادرة الجديدة. إذ إنها تتمسك بكل ما هو قديم، وترفض محاولات التجديد، بما يخلق حالة من عدم الرضا في كل ربوع العالم الإسلامي. وهناك حقيقة أخرى يجب الالتفات إليها، وهي أن منظمة التعاون الإسلامي لا تهتم بأمور المسلمين، ولا تحاول أن تجد حلولاً لمشكلاتهم المزمنة. في النهاية، لا يوجد أفضل من أن يحاول المسلمون حل مشاكلهم بأنفسهم.
صحيح أن بعض الدول تعتبر هذه القمة بديلاً لسلطتها وهيمنتها على العالم الإسلامي. ولكن نحن لا نستطيع أن نفهم مثل هذه التصورات والمخاوف بسهولة. ويجب أﻻ تخاف أي دولة من أي تعاون بدأ صغيراً، لأنه من الممكن أن يتوسع مع الوقت ويضم كل العالم الإسلامي داخله. وليطرح هؤلاء الخائفون من هذه المبادرة نموذجاً أو فكرة تجلب الازدهار، والأمن، والكرامة، والسلام والنزاهة، وتركيا لم ولن تقول لهم: لا. ولكن الخوف من المبادرات الإيجابية من طرف شخص ما، حالة غريبة من جنون العظمة، وليس علامة جيدة على الإطلاق.
وللمزيد
من التوضيح، تركيا لا تستهدف أي دولة من دول العالم الإسلامي. على العكس فإن تركيا
تحاول أن تتعاون مع كل الدول الإسلامية وتتحاور معهم بلا استثناء. بعض الدول
الإسلامية التي أخذت مواقف عدائية من تركيا لم تكن تركيا طرفاً في هذه المواقف،
لهذا السبب نواجه صعوبات في فهم تصرفات هذه الدول. وأوكد أن تركيا لم ولن توجد في
فعالية تضر بمصالح دولة إسلامية أخرى. لكن لا يمكننا التغاضي عن حقيقة أن بعض
الدول الإسلامية تقوم بعمليات تصفية جماعية ضد شعوبها. وبالنسبة لنا، الدول الإسلامية
هي أولاً وقبل كل شيء الشعوب المسلمة. فلا يمكننا مشاهدة الأسد وهو يذبح شعبه في
سوريا لمجرد أن نحافظ على علاقات جيدة مع سوريا. ولأنه إذا شاهدنا وصمتنا اليوم،
فستكون علاقتنا مع سوريا في المستقبل، من دون الأسد، سيئة للغاية. وبالمثل، إذا
تغاضينا عن مذابح السيسي وانقلابه وجرائمه الإنسانية التي ذبحت شعبه، فسنخسر
مستقبل علاقاتنا مع مصر.
ونحن نطالب الدول الإسلامية باحترام حقوق الإنسان والحريات والكرامة الإنسانية
لشعوبها، وأعتقد أن منظمة التعاون الإسلامي يجب أن تقوم بدور أكبر في هذا
الإطار.
يجب أن نتساءل: لماذا يغادر عشرات الآلاف من الدول الإسلامية بلادهم كل عام ويلجأون إلى بلدان غير إسلامية؟
الإجابة سهلة للغاية، لأن البلدان الإسلامية تعامل شعوبها معاملة سيئة، وتظلمهم، ولا تدير موارد البلاد بشكل عادل وجيّد. هذا عار لنا جميعاً، ومحاولة إزالته مَهمة يجب ألا نتوقف عنها. لكن بعض الدول الإسلامية تقول: "دعونا نقتل.. دعونا نفعل ما نريد".
الاستقطاب الإسلامي
الخلافات السنيّة الشيعية
إن العواصم العربية التي تتحكم فيها إيران لا ترى أي وجه للأمن والاستقرار. وتحولت إلى بقاع غارقة في حالة من عدم الاستقرار التام وانعدام الأمن، والفساد والصراع والدمار. انظر إلى الوضع في سوريا واليمن ولبنان والعراق. الوجود الإيراني في هذه الدول ليس وسيلة لجلب للخير، بالعكس فإنه لا يجلب سوى الشر. ومع هذا فإننا نرى إيران جزءاً من العالم الإسلامي مثل المملكة العربية السعودية والدول الإسلامية الأخرى. ونريد أن تبقى أبواب الحوار مفتوحة، كما نريد أيضاً أن نخبرهم بكل ما نريد. وأنا متأكد من أنه سيكون من المفيد رؤيتهم كجزء من الأمة الإسلامية. وعلى النقيض من إيران، يوجد من يريد أن يحاصرها ويعزلها ويأسرها؛ بل يودُّ البعض أن يمحوها، وهؤلاء يفعلون ذلك تحت مسمى حماية السُّنة.
أزمة القيادة
لا يوافق عاقل على أن القيادة تؤخذ بالنية أو بمجرد ادعائها. وأولئك الذين يمتلكون القوة المادية في العالم الإسلامي ويطالبون بالقيادة على أساسها فقط في حين لا يبالون لمشاكل المسلمين حول العالم مع قدرتهم على حل كثير منها- لا يمكن أن يُمنحوا شارة القيادة ويجب ألا يُسمح لهم بأن يصبحوا القادة. القيادة تعني المساعدة وتوليد حلول للمشاكل والمعضلات، وفي سياقنا الإسلامي، من الممكن القول إن القيادة هي تقديم الخدمات. تركيا ليست الأغنى بين الدول الإسلامية ولا تمتلك موارد طبيعية هائلة كغيرها. ومع ذلك فإنها أكثر دولة تهتم بمصالح المسلمين وترعى شؤونهم. ونتمنى لو أن هناك بعض الدول التي تستطيع أن تسبق تركيا في الاهتمام بأمور المسلمين. وتركيا لا تفعل ذلك من أجل القيادة.
وإن كانت القيادة ستنبع من الاهتمام بأمور المسلمين وصون مصالحهم، فلتكن القيادة لهذه الدول التي تسبق تركيا وتُزاحمها في مراعاة أمر المسلمين. ولكن إذا لم يوجد من يهتم بأمور المسلمين، فلا يوجد شيء لنفعله. منطق القيادة أمر لا مفر منه، وسيفرض نفسه في النهاية. حتى لو غاب ادعاء القيادة، فإنها ستُفرض وتصبح قائمة، عليك بحكم الأمر الواقع.
ولا شك في أن اهتمام الزعيم الماليزي لمشاكل العالم الإسلامي وجهوده تجعله مميزاً.
محاربة الإسلاموفوبيا
تركيا حساسة للغاية تجاه مشاكل العالم الإسلامي، وتقيّم جميع فرص التعاون في هذا الصدد. واليوم، هناك عديد من المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي، وتركيا وحدها لا يمكن أن تحل هذه المشاكل، لأن كل المشاكل مرتبطة بالعالم الإسلامي بأَسره، وحلولها تتطلب التعاون بين العالم الإسلامي بأسره.
على رأس هذه المشاكل الإسلاموفوبيا. لقد أصبح الإسلام يصوّر على أنه مصدر للخوف والكراهية في العالم، ومع تزايد هذه النبرة تزداد مشاعر الكراهية والخوف من المسلمين، وتنتشر الأعمال العدائية، ويتعرضون لهجمات مختلفة. تحاول أصوات الإسلاموفوبيا تبرير العنف ضد المسلمين واعتباره أمراً طبيعياً له أسبابه ودوافعه، سواء على مستوى الأفراد أو الدول. فيتم تبرير الحروب والاحتلال، وبنظرة سريعة يمكننا القول إن كل الذين ماتوا نتيجة للحروب التي وقعت في العالم الإسلامي، كانوا من المسلمين. هذا التناقض هو تناقض يجب إظهاره وتفعيله، والرد به على أصوات الإسلاموفوبيا المتعالية. وفي الوقت نفسه، يجب التفكير في حلول لتخلُّف العالم الإسلامي، ومشاكل التنمية، والفقر، والفساد، والانقلابات العسكرية، والجهل والعنف ضد المرأة. يجب تحسين مستوى الوعي، وستعمل هذه القمة أو القمم الأخرى على تعبئة الجهات الفاعلة للعمل معاً في هذه القضايا.
وسيكون لهذه القمة تأثير على عديد من الأمور والأوضاع بعدة طرق. ولكن كما قلت، يجب علينا أﻻ نتوقع أن تحل هذه القمة كل المشاكل دفعة واحدة. ومن أهم ما يجب أن ينتج عن هذه القمة جلب بُعد جديد، وزخم إضافي للعلاقات القائمة بالفعل بين الدول الإسلامية المشاركة، بحيث تأخذ مستوى العلاقات إلى مستوى أفضل وأكثر تنظيماً وفاعلية، وأن تخلق حالة من التنافس الشريف والنزيه في الأعمال الخيّرة، وفي الرعاية والاهتمام بشؤون المسلمين حول العالم. لكنها لن تبني عالماً جديداً.
علاوة على ذلك، لا ينبغي المبالغة ورفع سقف التوقعات في حالة قمة كوالالمبور. إنها مهمة بالطبع، ولكنها ليست حلاً سحرياً لكل المشكلات. إنها مجهود له نية طيبة، وتركيا استجابت وتفاعلت معه بشكل إيجابي، بناء على دعوة من مهاتير محمد. وتركيا لن تتقاعس أبداً عن الاستجابة لأي دعوة أو فعالية تأتي بالخير للمسلمين.
العلاقات التركية الغربية
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.