"ماذا يريد فالفيردي؟ ما هي الرياضة التي يمارسها لاعبو برشلونة فوق أرضية الميدان؟ بماذا يمكن أن نسمي الشيء الذي يفعله برشلونة؟".
كانت هذه الأسئلة وأكثر هي نقاط اتفاق محورية داخل عقول من حضروا في الكامب نو وباقي جماهير الكرة في كل مكان، أثناء مشاهدة الكلاسيكو الليغا بين برشلونة وريال مدريد، لأن الفريق الكتالوني ظهر دون أي خطة أو شكل، في مقابل أداء أفضل للنادي الملكي الذي تفوق في إجمالي التسديدات والسيطرة والتحولات على مدار الشوطين.
كان من السهل توقع تشكيلة ريال مدريد وخطة لعبه منذ أيام. يستخدم زيدان في مثل هذه المباريات خط وسط رباعياً أقرب إلى شكل الجوهرة أو "الدياموند"، مع إيسكو كنصف جناح ونصف لاعب وسط إضافي، أمام كاسيميرو المتمركز أسفل دائرة منتصف الميدان، وعلى طرفي الملعب كل من فالفيردي وكروس، وخلفهما رباعي دفاعي صريح، مع بنزيمة وغاريث بيل في المقدمة.
رسم قريب جداً من الذي اعتمده زيدان في مباراته الأخيرة أمام فالنسيا بملعب الميستايا، باستثناء الدفع بفالفيردي منذ البداية بدلاً من الكرواتي لوكا مودريتش، لإضافة العامل البدني في الالتحامات وأثناء التحولات، بالإضافة إلى البدء بالويلزي بيل عوضاً عن اليافع رودريغو، للاستفادة من خبرة الويلزي وقوته في ألعاب الهواء قياساً بالبرازيلي الصغير.
في المقابل، راهن فالفيردي على أسوأ توليفة ممكنة لخط وسط أمام فريق يلعب برباعي في المنتصف.
بعد المباراة، قال مدرب البارسا إن سبب غياب بوسكيتس هو أنه يعاني من الحمى، وذلك عكس ما صرح به مساعده قبل صافرة البداية عندما قال إن وضع بوسكتس على دكة البدلاء قرار فني.
في كل الأحوال، بدلاً من أن يتواجد دي يونغ مكان بوسكتس على الدائرة، ويدخل فيدال كقوة بدنية تجاري قوة الثنائي كاسيميرو وفالفيردي، مع إضافة لاعب مثل ألينيا يستطيع الربط مع ميسي، نسف إرنستو كل ذلك ليستعين بالثنائي راكيتيتش وروبرتو رفقة دي يونغ، ويكتفي بالثلاثي غريزمان، وميسي، وسواريز بالأمام، من دون أجنحة صريحة، مما جعل فريقه محفوظاً سواء في حالة امتلك الكرة أو حُرم منها.
الحقيقة أن كلمة سيطرة تناسب بشدة أفضلية الريال مقارنة بالبارسا، سواء في عدد التسديدات، والعرضيات، وحتى نسبة الفرص، لكن اقترانها بالكلمة الأخرى "بيضاء" ما هو إلا توصيف لما افتقده ريال زيدان في كامب نو، ألا وهو الحسم وضعف الفرص من حيث جودة مقارنة بالكم.
خطة لعب زيدان كانت متوقعة -وموفقة- 4 لاعبين في خط الوسط بوجود إيسكو كجناح داخلي، لعمل كثافة عددية بالمنتصف، مع ضغط متوسط في نصف ملعب البلوغرانا. في محاكاة لما فعله الميرينغي في الشوط الأول أمام فالنسيا.
سيطر الضيوف على الشوط الأول، مع معدلات خطورة أكبر، وأفضل بمراحل من رفقاء ميسي، لكن في نفس الوقت وجود هذا العدد من اللاعبين بالوسط مع الظهيرين على الأطراف، جعل عمق هجوم الريال مفتقداً لمهاجم ثان قادر على ترجمة الفرص وتهديد مرمى تير شتيغن. حتى معظم الفرص جاءت من التسديدات متوسطة المدى من لاعبي خط الوسط. ولم تستغل العرضيات الكثيرة؛ لأن غالبية لاعبي ريال مدريد متمركزون وسط الميدان، فلم يتواجد عدد وافر من مسددي ضربات الرأس أمام مرمى تير شتيجن.
يمكن القول إن أخطر فرص الريال جاءت من رأسية فاران بعد كرة عرضية، وتسديدة فالفيردي التي جاءت أيضاً بعد كرة عرضية تم تشتيتها من دفاعات برشلونة. فعلياً، كان واضحاً أن كثرة العرضيات مع تثبيت رباعي صريح بالوسط على حساب أحد عناصر الهجوم، أمر يحتاج إلى إعادة نظر من زيدان وطاقمه الفني.
لأن استحواذ الريال أصبح شبه متوقع ومحفوظ، خاصة مع رحيل البرتغالي كريستيانو رونالدو، الرجل الذي كان يستغل تحركات بنزيمة، ويجيد لعب الكرات الهوائية رفقة كاسيميرو، دون نسيان كبر سن مودريتش الذي حرمهم من ميزة لاعب الوسط القادر على الإتيان بالكرات غير المتوقعة، عندما يفشل الهجوم في صنع الفارق.
في المقابل، تحضير فالفيردي للمباراة كان كارثياً بكل الأبجديات. وضع الثنائي راكيتيتش وروبرتو بالوسط وهما اللذان لا يجيدان التصرف تحت الضغط، مع تواجد سميدو الذي لا يعرف كيف يتخذ القرار، جعل الخروج بالكرة صعباً وشبه مستحيل في الكثير من الأوقات، بسبب ضغط ريال مدريد بـ 4 لاعبين في خط الوسط. ولأن ثلاثي الهجوم بلا أجنحة صريحة، قادرة على العودة عدة أمتار إلى الخلف والمساعدة في بناء الهجمة؛ لذلك في حالات الخروج بالكرة، افتقد الفريق إلى الأجنحة السريعة على الأطراف، كذلك سوء مستوى سواريز وكبر سنه وضعف لياقته، كلها أمور جعلت الهجمة المرتدة تبدو رتيبة ومتوقعة بشدة. لقد افتقد برشلونة إلى أبسط المطالب التي ينتظرها الجمهور من مدربه، أن يضع تشكيلة صحيحة، ويترك بقية الأمور بين أقدام ميسي كالسابق!
ميسي لم يستلم كرات من لاعبي الوسط، لأن روبرتو لا يعرف سوى التغطية بجوار سيميدو، بينما راكيتيتش بعيد تماماً عن عملية الربط والسيطرة والتمرير في وبين الخطوط، لذلك كانت أخطر فرص البارسا في الشوط الأول بعد عودة الأرجنتيني أمتاراً للخلف، حتى يتسلم ويراوغ ويلعب الكرة الطولية تجاه ألبا مرتين، الأولى مررها الظهير بشكل خاطئ تجاه سواريز، والثانية أضاعها بغرابة شديدة، بينما كانت الفرصة الثالثة بعد ارتداد الكرة من يد كورتوا، وتسديدة الرقم 10 التي أخرجها قائد الملكي راموس من على خط المرمى.
لم يفعل سواريز الكثير بالكرة، لكنه كان كارثياً من دونها، كان يركض ويضغط بشكل عشوائي لا يغني ولا يسمن من جوع. لهذه الأسباب لم يضغط برشلونة بالشكل المطلوب في نصف ملعب منافسه، ليؤدي الفريق مباراة ضعيفة سواء في الشق الدفاعي أو الهجومي، كلفته العودة إلى مناطقه والرضا بنتيجة التعادل لأول مرة منذ سنوات طويلة، رغم أن اللقاء يقام على أرضه وبين جماهيره.
توقع الجميع شوطاً ثانياً أفضل من الفريقين، لكن هذا لم يحدث، سواء من الريال أو البارسا، فالفريق الملكي لم يقدر على الضغط بنفس الحدة، بسبب انخفاض لياقة لاعبيه "خاصة الثنائي بيل وإيسكو"، بالإضافة إلى دخول برشلونة الأجواء بشكل أفضل من الشوط الأول، خاصة بعد دخول فيدال الذي أعطى فريقه قدراً من الحيوية على مستوى افتكاك الكرات وضبط التحولات، أما أصحاب الأرض فرغم تحسنهم الطفيف، فإن باقي تبديلات المدرب قتلت أي أمل في الفوز.
المهم أن هذا لم يفكر، وذاك لم يغامر، ليخرج الكلاسيكو سلبياً على مستوى الأداء والنتيجة، حيث كانت معظم الفرص إما عبارة عن لعب عرضي مدريدي، أو لعب فردي بحت برشلوني، لتنتهي المباراة بدون أهداف، وربما بدون أفكار.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.