منذ سقوط الدولة العثمانية وتقسيم أراضيها إلى عدة دويلات، أصبح العرب بمثابة الناطقين الرسميين للإسلام بل والقائمين بنشر النسخة العربية؛ لهذا فالدين الحنيف عبر جامعاتهم ومشايخهم وكتبهم وبعثاتهم التوعوية في بلاد المسلمين التي أصبحت أكثرها منقطعة تماماً عن التراث والنتاج المعرفي العثماني العريق الذي دام أكثر من 600 سنة.
وسياسياً أصبحت القيادة المعنوية للعالم الإسلامي تحت أيدي العرب الذين لا يمثلون أكثر من 20٪ من نسبة المسلمين. والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تقود فيه العرب العالمَ الإسلامي عبر هيئات إسلامية كمنظمة التعاون الإسلامي وغيرها فقد كوَّنوا أيضاً عالماً آخر سموه العالم العربي، وأنشأوا لها منظمات عرقية وإقليمية، كجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وذلك لتحقيق أهداف نبيلة، لكنهم فشلوا في تحقيق أهم غاياتها المتمثل في أمن واستقرار العالم العربي الذي يعد من أكثر مناطق الكون اشتعالاً وأزمة، حيث لا تكاد تستعر حرب في الشرق الأوسط إلا وإحدى الدول العربية طرف فيها، كالحرب العراقية الايرانية، وأحياناً تصبح أطراف النزاع كلهم عرباً كما في الغزو العراقي للكويت وحروب الربيع العربي والحرب الدائرة الآن في اليمن وحصار قطر وحروب الثورات المضادة في ليبيا وسوريا وغيرها، وهذا دليل على أن العرب لم ينجحوا في حل الكثير من مشاكلهم البينية بالطرق السلمية عبر منظماتهم الإقليمية بل يلجأون غالباً إلى حروب عبثية تبعثر الثروات وتوقف عجلة التنمية وتشوه صورة الإسلام والمسلمين الذين تمثلهم العرب منذ قرابة قرن. وهذه بعض الأسباب التي جعل الكثير من المسلمين غير العرب يرفضون القيادة العربية للعالم الإسلامي؛ حيث يرون أن العرب قد اتفقوا منذ عهد بعيد على ألا يتفقوا فكيف يقودون العالم الإسلامي ذو المليار ونصف المليار نسمة! وهذا الموفق الخافت بدأ يُجهَر به بعد الربيع العربي وقيام دول عربية بافتعال مشاكل عديدة في الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي بل والوقوف ضد القضايا الإسلامية.
إن مبادرة دولة قطر وتركيا وماليزيا وباكستان وإندونيسيا وإيران المتمثلة بعقد قمة إسلامية في ماليزيا هذا الشهر تعبير رسمي ليأس شعوب العالم الإسلامي من حالة الركود والتراجع العربي في نصرة قضايا الدول ذات الأغلبية المسلمة. وهذه خطوة إيجابية يحسب لهذه الدول التي تتمتع كل منها برأس مال نفيس ومختلف عن غيرها، فقطر لها رأس مال معنوي بوقوفها الدائم مع الشعوب العربية والإسلامية ويتمتع أميرها بشرعية وشعبية في الداخل والخارج، والدول الأربع الأخرى لها ثقل ديموغرافي وعسكري يعطيها شرعية على صعيد العالم الإسلامي.
لكن هناك تحديات كثيرة لإنشاء اتحاد إسلامي ناجح وناجع، ومن أهمها إمكانية اتهام الدول المشاركة في القمة بشق الصف الإسلامي عبر إنشاء تحالف آسوي لا تشمل المسلمين القاطنين في قارات الأخرى.
ومن التحديات أيضاً إمكانية اتهام تركيا بمحاولة إرجاع المجد العثماني عبر هذا التحالف الجديد ومحاولتها نزع القيادة المعنوية للعالم الإسلامي من العرب. وهذا الاتهام قد يكون له صدى قوي في بعض الدول العربية التي لا تتوفر فيها حرية الصحافة ومبدأ الرأي والرأي الآخر.
ومن أهم التحديات أيضاً نبرة التحدي للقوى الغربية العظمى التي بدأت تظهر في بعض منشورات المؤتمر كالتي تدعو إلى عدم اللجوء إلى الغرب للدفاع عن الأوطان، وهذا الاقتراح يضع بعض الدول المشاركة في موقف حرج وصعب لعلاقاتها الاستراتيجية مع الغرب، وقد يدفع بعض الدول الغربية إلى إفشال هذا الحلف وإجهاضه من المهد.
وهناك عوامل كثيرة قد تساعد الدول المشاركة لإنشاء اتحاد إسلامي ناجح، ومن أهمها توسيع دائرة المشاركين لتضم المسلمين الساكنين في جميع القارات. فيجب إشراك عدة دول إسلامية في إفريقيا كالمغرب وتونس والسودان والجزائر، وخاصة دول إفريقيا جنوب الصحراء كالسنغال ومالي وغينيا كوناكري، كما يجب إشراك دول البلقان ذي الأغلبية المسلمة. وبما أن المؤتمر يُعنى بحل مشاكل المسلمين يجب إشراك المنظمات الإسلامية في الغرب وفي الهند (ثاني أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة).
ويجب كذلك إشراك المرأة المسلمة في المؤتمر وإنهاء احتكار الرجال لقاعات المؤتمرات والميكروفونات، فلابد من الاستفادة من حدس المرأة وعلومها وتجاربها وقوتها الخارقة في حل المشكلات.
كما ينبغي أيضاً احترام خصوصية الدول المشاركة في علاقاتها الاستراتيجية والعسكرية مع الغرب، فظروف كل بلد تختلف عن الآخر، ولذلك يجب ألا يقوم التحالف على إملاءات كما كان الحال في تحالفات أخرى.
ومن جهة أخرى، فعلى عاتق إيران مسؤولية تاريخية حيث يمثل وجودها في هذا التحالف تعبيراً عن رفض الطائفية والمذهبية الدينية في العالم الإسلامي، فإذن يجب على إيران ألا تستعمل هذا التحالف كقناة لنشر التشيع والميليشيات الشيعية في الدول الإسلامية.
وأخيراً، فينبغي على الدول المشاركة أن تحرص على ألا يكون عقد القمم هدفاً في حد ذاته، وأعني ألا تكتفي هذه الدول ببيانات القمم دون تنفيذها فلا بد لها من ديناميكية وديبلوماسية نشطة في حل المشاكل ولعل العمل على إنهاء حصار قطر والحرب في اليمن تعد بداية حسنة لهذا التحالف الذي يعبِّر عن ضمير أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.