منذ أكثر من شهرين ومدن العراق تشهد احتجاجات واسعة ونفيراً عاماً، توحدت في هذهِ الثورة صفوف الشعب العراقي أمام كل من كان يسهم ويسعى لتفتيت المجتمع لتجمعات وفئات صغيرة متناحرة ومتقاتلة على أساس المذهب والطائفية والعشائرية، طالب العراقيون في ساحات التظاهر ببلد آمن يضمن حقوقهم خالٍ من الطائفية والمحاصصة والفساد والتدخلات الخارجية، ملتزمين بالسلمية ومشددين على تعديل الدستور العراقي وتغيير قانون الانتخابات.
على مدار شهرين وحقوق الإنسان تنتهك والقوانين تخرق أكثر من ذي قبل والدستور ضمير مستتر تلوح بهِ الجهات المعنية أمام الشاشات والكاميرات وخلال انعقاد الجلسات والندوات لضمان شرعية بقائها.
المزيد من الانتهاكات المزيد من الإفلات من العقاب، المزيد من الخارجين عن القانون، المزيد من فانتازيا الموت.
في العراق خلال خمس أعوام مضت حتى اليوم لنستذكر عزيزي القارئ الحقائق بالأرقام:
– ٣٠% من العراقيين تحت خط الفقر بحسب إحصاءات الأمم المتحدة ووزارة التخطيط العراقية، في بلد بلغت موازنته المالية للعام الواحد ما يعادل موازنة أربع دول مجتمعة، ولكن في ظل تفشي الفساد وغياب الرقابة تذهب كافة الأموال المخصصة للبناء والتطوير والتعليم والصحة والخدمات صوب الخارج في مراحل منظمة من عمليات غسيل الأموال، لم تقدم خلالها أي خدمات ملموسة توحي بأن هنالك قيادات تتولى إدارة مؤسسات الدولة بصورة صحيحة، خلافاً لذلك انتشار البطالة، تفشي الأمية والفقر، وعود تلت وعود لامتصاص غضب الشارع العراقي، وكان نتاجها المزيد من الخسائر.
– تقارير الحكومة العراقية والبرلمان ومنظمات محلية تشير إلى وجود أكثر من ٤٠ ألف قتيل وجريح ومفقود من المدنيين لقوا حتفهم أثناء فترة سيطرة داعش على مدينة الموصل والقرى البلدات التابعة لها.
– ٧٠% من مدينة الموصل تعرض للدمار الهائل والخراب الذي حل بها حيث تم اعتبارها مدينة منكوبة بفعل الحرب.
– خسائر مالية تقدر بـ١٠٠ مليار دولار أمريكي خلفتها سيطرة داعش ومعارك التخلص من سيطرته، طالت ممتلكات خاصة وعامة.
– بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة عام ٢٠١٨، هنالك خمسة ملايين طفل يتيم في العراق لا يحظون بالرعاية الكافية.
– ٣٠٠ ألف من سكان الموصل ما زالوا نازحين بحسب المجلس النرويجي للاجئين، يواجهون مأساة العيش في مخيمات النزوح.
– بحسب منظمات معنية بالصحة في مدينة الموصل فقط بلغ عدد مبتوري الأطراف ما يقارب 5000 حالة، من آثار الحرب والقصف الذي تعرضت لهُ منازلهم.
– البنى التحتية المدمرة في الموصل خَلّفت ٢٥٠ مدرسة مدمرة، و٨٠ مركزاً صحياً، ٩ مستشفيات تم إعادة تأهيل مستشفى واحد فقط، خمس جسور تمت إعادة تعمير جسر واحد بتمويل منظمة غربية، ناهيك عن خدمات الماء غير صالح للشرب، آلاف من السكان محرومون من مزاولة العمل والدراسة والخدمات الصحية، يعيش السكان على مساعدات المنظمات الأجنبية والأممية، في المقابل نسبة الأعمار التي وعدت بها الحكومة العراقية لا تكاد تذكر.
– كلفة إعادة أعمال الموصل تتراوح ما بين ٦٠-٨٠ مليار دولار، بالرغم من الوعود التي تلقاها الأهالي من قبل الجهات الدولية المانحة، وما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الكويت للمانحين للبدء بإعادة الإعمار إلا أنها بقيت معلقة والشروع بتنفيذها بطيء.
– على صعيد بغداد والجنوب، مظاهرات طلابية استمرت أربع أشهر تطالب بتوفير فرص عمل انتهيت قبل بداية ثورة تشرين، عندما استخدمت قوات مكافحة الشغب العنف ضد حملة الشهادات العليا بفض تجمعهم بأبشع الطرق باستخدام الهراوات والماء الحار الذي أصاب المتظاهرين من النساء والرجال أمام أعين الكاميرات بصورة انتهاك علنية لحقوق الإنسان، وحق التظاهر والتجمع التي كفلها الدستور العراقي.
– منذ انطلاق التظاهرات في الأول من تشرين من العام الحالي، وبحسب آخر إحصاءات كشفت عن وقوع ٣٦٤ شهيداً، وما يقارب 20 ألف جريح جراء إصابتهم بالرصاص الحي واستنشاق الغاز المسيل للدموع.
بالرغم من كل هذا الدمار المهول على أرض الواقع والأرقام والكوارث التي تعترف بها الحكومة لكن لا تملك أي خطط وإجراءات فاعلة لإيجاد مخرج لهذا البلد المنهك، سوى المصالح العليا للدولة العميقة المتجذرة بشخوصها ومراكزها الحكومية، كوميديا التغيير والوعود بالإصلاح في مرحلة كهذه باتت بعيدة، فيما يقع على عاتق من في السلطة اليوم أن يستوعبوا ما يجري على أرض الحدث في ساحات التظاهر، إصرار الشباب يتطلب التعامل معه بما يخدم المرحلة لكي لا يجر البلد نحو عواقب غير محمود أثرها يحمل مسؤوليتها أيضاً من في السلطة اليوم، سذاجة الساسة في اتخاذ القرار لا تغتفر، تدوير الوجوه وقولبة الشخوص وفق المراحل والمحاصصة غير مقبولة بتاتاً، في خضم ذلك ما زالت فرق الموت تقوم بأعمالها الإجرامية من قتل وخطف، وتغيب قسري للنشطاء والمدنيين من المتظاهرين على أكمل وجه وبأبشع الصور تحت غطاء القانون ومسميات رسمية التي لا تشوبها شائبة.
يبقى السؤال هنا: هل بإمكان الحكومة العراقية وأعضاء البرلمان العراقي اتخاذ قرارات صائبة ولو لمرة واحدة خلال مسيرتهم، من أجل العراق والعراقيين؟
من أجل هذا الوطن الذي أنهكت كاهله الحروب.
هل سيستقبل العراقيون العام الجديد في ساحات الاحتجاجات؟
الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عنها، نتمنى أن يكون نصراً للشهداء والمتظاهرين والعراقيين أجمعين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.