«أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله»

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/13 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/13 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
هل نحن يا وطني حرافيش محفوظ؟ أم بؤساء هيجو؟

غسان كنفاني، عائد إلى حيفا

كَرَحِمِ الأم تكونا فيه، وخرجنا لا نعرف غيره ولا ننتمي لسواه، تجاهه نشعر بالحنين، وبالأنين إذا اعتدى عليه لئيم، أو تسلّط عليه تجار الوطنية، لكن هل يبادلنا هو  نفس الشعور؟ نفس ذلك الأنين والحنين!

كم كانت فوهات البنادق المرفوعة تجاهه تؤرقني.. ولكم كانت صيحات الخونة تفعل أكثر من ذلك! لمَ يا وطني تُحرِكنا كالبيادق؟ في تاريخنا لا نعرف إلا الدماء التي تسيل في الشوارع، لا نعرف إلا الصيحات الغاضبة.. إما صيحات يطلقها جندي مدافعاً عن الحدود… أو أخرى يطلقها مناضل مدافعاً عن حقه وحق هذا الجندي في الحياة! تاريخ من الكفاح لم يكلله تاج النصر بعد!

لمَ يا وطني غفلت أو تغافلت عن أبنائك، فخرجوا وصعدوا أعلى الأبراج وألقوا بأنفسهم منها عسى أن تسمع صوت ارتطامهم وتَهَشم عظامهم وأحلامهم، وتعرف أن ها هُنا قلوب لم يؤذن لها أن تنبض بعد!

تساؤلات ليس لها إجابات

لن تجد إجابات لتساؤلاتي هذه يا صديقي؛ ليس لأن ليس لها إجابات ولكن لأن وطننا لن يسمع بها ولن يرد عليها، ولسوف تبقى مُعلقة هائمة تبحث عن إجابة، ولسوف يعجز الجميع عن الجواب ويترفع هو -الوطن- عن النظر إلى تساؤلاتنا.. أو هكذا نظنه!

هل نحن يا وطني حرافيش محفوظ؟ أم بؤساء هيجو؟ أم أننا معذبو الأرض الذين تحدث عنهم حسين؟ بربك أخبرني! يخبرونني دائماً أننا تلكم الحيوانات التي تحدث عنها أورويل لكنني لا أُخفيك خبراً.. لا أصدقهم! كيف وأنا تصلني أنباؤك على الدوام بأننا قومٌ عِظام! لن أسمح لهم بتضليلي لا تقلق! لكن دعني أخبرك كلمة في سرك.. أنا أيضاً لا أُكَذِّبهم! فلم ألتمس يوماً دليلاً.. وإنما كلماتكم كالسحب التي أبت أن تجود عليّ بالمطر.

يا واهِبَ مملكةِ العَقلْ

لا صوتََ بأوطاني

إلّا صوتُ الطبلْ

عاشَ ليهتفَ: عاشَ اللّاتْ

عاشَ ليُثبت أن لدينا (تم حذف هذه الكلمة لأن الرقابة الوطنية قد اعتبرتها مُسيئة)

عاشَ لكيْ يَنفي الإثباتْ!          

     من لافتات أحمد مطر (بتصرف)

وطني العزيز، أصوات قرع الطبول قد غطّت على أصوات أبنائك.. أتمنى أن يكون السبب وجيهاً! ذاك السبب الذي جعلك تتركهم حُفاةً عُراةً جوعى!

أعتقد في نظري أنها طبول النصر في المعركة! لكن أعذرني فأنا لم أرتدِ النظّارة.. هل كانت هناكَ أصلاً معركة؟! يُخيّل إليّ أن هناك راقصات وغانيات على مرمى البصر، لكني عاجز عن سماع شيء، فهناك تصفيق وطبول تُقرَعُ باستمرار..أنقذني يا همّي ومبلَغ عِلمي وأصل حكايتي! لقد سرق السفلة نظّارتي لكي لا أرى… ما يُباع فيكَ ويُشترى!

فارسٌ يُغمد في صدر أَخِيِه

خنجراً باسم الوطنْ

ويُصَلِّي لينال المغفرةْ

                                                           -محمود درويش

باسمِ الوطن العزيز الغالي، بِاسمِ التراب الذي لا يساوي ذهباً، بِاسمكَ وعزتك وشرفك… فليمت الخونة!

أخبروني أن تلكم الكلمات قد قالها أحد فرسانك… ففرحت! لكني علمت أنه قد قالها بينما كانت تلك الرصاصة التي خرجت من فوهة بندقيته قد اخترقت صدر واحدٍ من أبنائك!

ماذا دهاك؟ أيُقتل باسمك المخلص الأمين ويُترَكُ الخائنْ! أصبحنا خونة تُراق دماؤنا وتُبارِك أنت على ذلك! كيف طوّعت له نفسه أن يفعلها؟ وأنت! كيف طوّعت لك نفسك أن تصمت؟ لقد وقف هذا الفارس الوضيع على عتبات الإله  طالباً المغفرة، لكن هيهات! فقد افتُضِحَ أمرُه فكيف يُمنحُها وقد سالت دماء أخيه من بين يديه المرفوعة! إنها لعنة الدماء الأبدية… العجز عن مواراة الجريمة!

الوطن هو ألا يحدث ذلك كله!

يقول غسان كنفاني -وهو لو تعلمون واحدٌ ممن ماتوا لأجل الوطن-: الوطن يا صفية هو ألا يحدث ذلك كله. كلمةٌ قالها منذ خمسين عاماً [1]  وما زال إلى الآن "ذلك كله" يحدث! يقف أبناء الوطن في طوابير الانتحار ينتظرون دورهم وكأنهم يهود ينتظرون دورهم في محارق هتلر -المزعومة-، رفض السامعون أن يسمعوا واستبد اليأس بقلوب المؤمنين.. فقنطوا! أو أنهم لم يكونوا يوماً مؤمنين!

أرقام نحن تنتظر الزيادة.. مفطورون على الانتماء لك… وأنت.. أنت قد طوَّعوك لتكون لهم لا لنا!

أما بعد يا وطني؛ هي كلماتٌ أحفرها على الحجر عسى أن تراها! وخوفي أن يأتي أحد جندك ليهشّم الحجر، ويكشف أمري فيهشّم رأسي أنا الآخر!

تاريخ إصدار رواية عائد إلى حيفا 1969

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إبراهيم أحمد
مدون مصري مهتم بالتاريخ وقضايا المجتمع
تحميل المزيد