سقوط آخر لبولونيا في الدوري المحلي على أرضه وأمام أعين عشاقه في ملعب ريناتو دالارا. هذا السقوط زاد الضغوطات أكثر على مدرب الفريق ميهايلوفيتش بعد فوز فريقه في مباراة واحدة فقط في آخر سبع مباريات لعبها، ورغم ذلك فالفريق ما زال في منتصف الجدول. لكن ما المميز في فريق بولونيا؟ لماذا نتكلم عنه الآن؟
حسناً، دعنا نتذكر أن مدرب الفريق الصربي سينيسا ميهايلوفيتش هو الرجل الذي قرر أن يُحارب سرطان الدم، متسلحاً بالعزيمة والإصرار في مواجهة المرض الخبيث، بعد أن أكد بقاءه على رأس الجهاز الفني للفريق في يوليو/تموز الماضي. تلك الخطوة نالت إعجاب متابعي كرة القدم والرياضة حول العالم، واحتفت بها الصحافة الإيطالية والعالمية، واصفةً إياها بالقرار الشجاع، في وقت يحارب فيه المدرب الصربي على جبهتي العلاج والعمل.
القتال من أجل الحُلم
كان والده سائق شاحنة، في حين كانت والدته صانعة أحذية يدوية، لذا لم تكن الطريق التي سلكها مفروشة بالورود، بل توجب عليه مواجهة حال عائلته غير الميسورة بصبر وصلابة، ليغدو لاعب كرة قدم محترفاً، والمضي قدماً لتحقيق حلمه. جميع مَن عرفوه وصفوه بالإنسان المحترم واللطيف. كان تلميذاً مجتهداً، وهذا ما ساعده على دخول مدرسة خاصة، كانت تؤهل منتسبيها للعمل في إنتاج الأحذية. كل من انتسبوا لتلك المدرسة لم يحلموا يوماً بلعب كرة القدم، فالجميع قادمون من أسر ميسورة إلى حدٍّ ما، وآباؤهم يريدون منهم التركيز كي يتخرجوا سريعاً ويبدأو في العمل وجني المال، لكن ميهايلوفيتش غيَّر ذاك الواقع.
بدايته كلاعب كانت مع نادي إتش إن كي بوروفو الكرواتي، قبل أن ينتقل إلى النجم الأحمر الصربي، ومنه إلى روما الإيطالي. فلقد حظي المدافع الصربي بمسيرة حافلة، خاصة في إيطاليا، حيث نجح في أن يُتوِّج مجهوداته بالفوز بلقب كأس إيطاليا والدوري المحلي مع لاتسيو وإنتر ميلان.
كان لاعباً محبوباً في ميلانو والعاصمة روما، الجميع يُشيد به كمدافع صلب، من الصعب مراوغته وتخطّيه. وما كان ينتظره الجمهور من ميهايلوفيتش هو تنفيذه الركلات الحرة، التي غالباً ما ينتهي بها الأمر في الشباك.
صراعٌ مع المرض
هذا ما قاله سينيشا في المؤتمر الصحفي الذي أقامه في يوليو/تموز الماضي، عندما أعلن إصابته بسرطان الدم.
علم المدرب الصربي بالخبر بينما كان يستعد رفقة فريقه بولونيا لخوض موسمه الأول الكامل مع الفريق، بعد أن تم تعيينه في منتصف الموسم الماضي (يناير/كانون الثاني)، في محاولة أخيرة من إدارة الفريق لتجنب الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية.
وبالفعل نجح ميهايلوفيتش في إنقاذ الفريق من خطر الهبوط للدرجة الثانية. بعد ذلك قرَّرت إدارة بولونيا مكافأة ميهايلوفيتش، ومنحه عقداً لثلاثة أعوام حتى يونيو/حزيران 2022، كردٍّ للجميل الذي فعله لعاصمة إقليم إميليا رومانيا.
قائد ثورة بولونيا
عندما كان الصربي يتنقل من تدريب أي سي ميلان إلى تورينو، كان فريق الروسو بلو في موقفٍ لا يُحسد عليه، بعد مروره بفترات صعبة، ساءت فيها النتائج وتدهورت، وسيطر شبح هبوط الفريق على المدينة. فكان لا بد من قرار جريء لإيقاف المهزلة وإبعاد الخطر. حينها تم تعيين سينيسا ميهايلوفيتش قائداً لثورة بولونيا، وليغدو فيما بعد بطلاً قومياً في إقليم إميليا رومانيا.
نجح نادي بولونيا في النجاة والهروب من الهبوط إلى الدرجة الثانية بصعوبة، وفي الجولات الأخيرة من الموسم. وبات بولونيا في عهد سينيسا فريقاً عنيداً بإمكانه عرقلة الكبار ولو بصعوبة.
الفريق الّذي كان يُهزم بنتائج ثقيلة في الماضي بات الآن محط أنظار الصحافة وكشافي المواهب الشابة والواعدة الّتي يضخها النادي، بسبب التنظيم الدفاعي وترابط الخطوط، والتحرك بشكل جيد بدون كرة، والانطلاق بشكل سريع ومنظم في الهجمات المرتدة.
سينيسا منح إقليم إميليا رومانيا فريقاً قادراً على المنافسة، لكن ما ينقصه فقط هو دعم مالي أكبر لسدّ بعض الثغرات بتشكيلة الفريق في الميركاتو الشتوي.
ميهايلوفيتش تم منحه لقب المواطن الفخري في بولونيا، كأول شخصية رياضية تنال هذه الجائزة. أعاد الصربي الروح لأبناء إقليم إميليا رومانيا، الّذين ظنوا أنه لا مكان لهم وسط كبار اللعبة في إيطاليا، وبيَّن لهم فيما بعد أن هذا الكلام عارٍ من الصحة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.