في 20 أبريل/نيسان 2010 عرف البرتغالي جوزيه مورينيو طريق أكل كتف بيب غوارديولا في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، ومنذ تلك اللحظة أصبح الهجوم المضاد هو الضربة الموجعة دائماً لكتيبة المدرب الإسباني والكفيل بإنهاء آماله في الفوز بالبطولات. فعلها مورينيو مجدداً وألحق بالمدرب الإسباني الهزيمة الوحيدة داخل معقله "الكامب نو" في موسم 2011/2012 عندما فاز عليه بهدفين مقابل هدف ليتقدم سباق الليغا. وفي نفس العام وبنفس الطريقة أيضاً فعلها المدرب الإيطالي روبيرتو دي ماتيو واستطاع أن يطيح بالفريق الكاتالوني من نصف نهائي دوري الأبطال.
رحل بيب من إسبانيا وتولى مهمة تدريب بايرن ميونيخ الألماني، وفي 3 مواسم هناك أبى الهجوم المضاد أن يترك غوارديولا يعيش سعيداً هانئاً، حيث خرج مرتين من أصل ثلاث مرات وصل فيها إلى نصف نهائي البطولة الأعرق أوروبياً بنفس الطريقة وضد ذات الأسلوب. الأولى أمام ريال مدريد في موسم 2013/2014 والأخرى أمام أتليتكو مدريد في موسم 2015/2016.
المثير للعجب أنه وبعد كل تلك السنوات ما زال الهجوم المضاد صداعاً مزمناً يؤرق غوارديولا. مسيرته الأوروبية رفقة مانشستر سيتي شهدت خروجه على يد ليفربول من دور الثمانية في دوري الأبطال على يد يورغن كلوب بالتحديد، المدرب الذي أذاق غوارديولا مرارة التحولات والهجوم المضاد محلياً وقارياً، وفي الموسم الذي تلاه ودّع البطولة من نفس الدور وبنفس الطريقة المعتادة لكن هذه المرة أمام توتنهام.
وفي الموسم الحالي وبعد مرور 16 جولة فقط من عمر البريميرليغ تعرّض مانشستر سيتي لـ4 هزائم أمام (نوريتش سيتي، ولفرهامبتون، ليفربول، مانشستر يونايتد)، والأمر الأكثر عجباً أنها كانت جميعاً بنفس الطريقة التي وقفت عائقاً في وجه بيب غوارديولا مراراً وتكراراً مسبقاً.
نظام تكتيكي معقد في مواجهة التحولات
في المباراة محل التحليل والنقاش في هذه السطور، مباراة ديربي مانشستر والتي انتهت بفوز الشياطين الحمر بنتيجة 2-1 على أرض مضيفهم مانشستر سيتي. بدأ سولشاير المباراة بطريقته المعتادة 4/2/3/1، بعودة مارسيال ولوك شو إلى التشكيل الأساسي، وتتحول هذه الطريقة إلى 4/2/4 في حال فقدان الكرة. على الجانب الآخر، دخل غوارديولا اللقاء بخطته المفضلة 4/4/3 ، لكنها تتحول إلى 2/3/5 في حالة الاستحواذ على الكرة بصعود كايل ووكر وأنغلينو إلى منتصف الملعب بجوار رودري لتغطية انطلاقات دي بروين وديفيد سيلفا للأمام لاستغلال قدرة الثنائي الكبيرة في صناعة الفرص وعمل زيادة عددية في الثلث الأخير من الملعب.
كعادة مانشستر يونايتد سولشاير في المباريات الكبرى يترك الكرة للخصم ويؤجل الضغط لمنطقة وسط الملعب، طريقها قابلها غوارديولا بتعريض الملعب من قبل ستيرلينغ على اليسار، برناردو على اليمين لعمل فجوة / فراغ في المنطقة ما بين المدافع والظهير وخلق انصاف الفراغات لإتاحة الفرصة للثنائي ديبرونا وديفيد سيلفا للتحرك في تلك الأماكن الشاغرة، فطن سولشاير لهذا التكتيك جيداً من قبل المباراة ولعب بنظام الرقابة رجلاً لرجل في منتصف الملعب، مكتومناي كظل كيفين دي بروين، وفريد لا يفارق ديفيد سيلفا، مع سقوط الثنائي جيسي لينجارد ودانييل جيمس إلى منطقة وسط الملعب لتغطية أماكن زميليهما وغلق كافة الفراغات التي ينطلق منها لاعبو وسط السيتي، بالإضافة إلى تمركز كل من مارسيال وراشفورد على طرفي الملعب لضمان وجود مساحات شاغرة لانطلاقاتهم أثناء التحولات. وبالتالي تمكّن سولشاير من خلق وضعية هجومية مناسبة لاستغلال نقاط ضعف السيتي الدفاعية.
فريق واحد ووجهان متغيران
عانى مانشستر سيتي كثيراً أمام هجمات مانشستر يونايتد المرتدة، لم يكن ذلك الشيء الوحيد الذي عانى منه غوارديولا في الشوط الأول، فعانى أيضاً من ندرة التمريرات القطرية التي تشكل الفارق دوماً وميل لاعبيه إلى التمرير العرضي الآمن، الاستسلام للرقابة الدفاعية وتأخر القرارات، ضعف الضغط على الخصم ولأول مرة منذ سنوات طويلة نجد فريق غوارديولا يعاني من تطبيق الضغط على الخصم، ولكن لماذا ظهر فريق غوارديولا بهذا الضعف الشديد وضعف التماسك في الشوط الأول عنه في الشوط الثاني؟
في الشوط الأول كانت هناك مشكلة كبيرة في تمركز خط دفاع السيتي ما أدى إلى ظهور فجوة كبيرة بين خطي وسط ودفاع الفريق، أثناء التحولات الهجومية للفريق الضيف استغل جيسي لينغارد تلك الفجوة للربط بين خطوط فريقه الدفاعي والهجومي، أكثر من 63% من الكرات التي استلمها لينجارد كانت في تلك الفجوة.
في الشوط التاني يهرب دي بروين من الرقابة اللصيقة والضغط الشديد من قبل مكتومناي إلى الطرف الأيمن بتبديل مركزه مع برناردو، ويقوم غوارديولا بتعديل موضع خطه الدفاعي من خلال تقديمه بضعة أمتار للأمام من أجل سد تلك الفجوات ما بين الخطوط من جهة، وتقليل مساحة اللعب وزيادة الضغط على لاعب مانشستر يونايتد في نصف ملعبهم من جهة أخرى، نجح غوارديولا في سد تلك الفجوة من خلال تلك الطريقة، وظهر ذلك في أن نسبة 44% من مجريات اللقاء كانت في الثلث الدفاعي لمانشستر يونايتد، بالإضافة إلى انخفاض عدد محاولات لاعبي مانشستر يونايتد على المرمى من 7 تسديدات في الشوط الأول إلى 4 في نظيره التاني، وأيضاً انخفاض لمسات لاعبي الفريق الضيف للكرة من 269 لمسة فى الشوط الأول إلى 210 لمسات في الشوط التاني، وبالطبع ساعد غوارديولا في ذلك تراجع لاعبي يونايتد للوراء من أجل الحفاظ على تقدمهم في النتيجة.
منظومة دفاعية قوية
بعد عودة سكوت مكتومناي في المباراة السابقة أمام توتنهام، قام مع فريد بمجهود كبير من أجل السيطرة على منتصف الملعب ونجحا في ذلك بالفعل، ومما لا شك فيه أنهم كانوا أحد نجوم اللقاء إن لم يكونا الأفضل في المباراة السابقة، للمباراة الثانية على التوالي قام الثنائي بمباراة بلا أخطاء تقريباً، حائط صد دفاعي قوي للفريق، انتشار في كل مكان بوسط الملعب، الحصول على الكرة الثانية، القرب من خط الدفاع لتقليل الفراغات وإلغاء اللعب بين الخطوط، التزام بالرقابة الشديدة لكيفين دي بروين وديفيد سيلفا لدرجة أننا لم نشعر بخطورة ثنائي السيتي طوال فترة توجدهم بالملعب، نجح الثنائي في اعتراض الكرة 4 مرات ونجحا في تشتيت الكرة 6 مرات، ولم يقتصر دور هذا الثنائي -بالطبع مكتومناي وفريد- على الأدوار الدفاعية فقط وسط ملعب مانشستر يونايتد، بل نجد أن لهم إسهامات هجومية حقيقية أيضاً في المباراة، حيث قام فريد بصناعة فرصتين محققتين للتهديف.
كرة القدم تلعب للأمام
في حوار سابق لمدرب مانشستر يونايتد الأسطوري سير أليكس فيرغسون سئل: "لماذا لا يضم اليونايتد ارتكازاً دفاعياً صريحاً؟"، وأجاب فيرغسون "بأن كرة القدم تنظر دائماً إلى الأمام، وتحتاج إلى عقل مدبر في منطقة الوسط، يعود إلى الدفاع لكنه قادر على تحويل الكرة من الخلف إلى الأمام، نحن لا نضم لاعب وسط دفاعي فقط، حتى روي كين لعب إلى الأمام وكانت له ميول هجومية واضحة، ومن قبله براين روبسون، وبعده مايكل كاريك، الحلقة التي أعطت اليونايتد ما يفتقده في فترات سابقة".
وقام الرباعي الدفاعي لليونايتد أيضاً بمباراة جيدة على مختلف الأصعدة، هاري مجواير قام بتشتيت الكرة 10 مرات أكثر من أي لاعب آخر ويليه شريكه في قلب دفاع اليونايتد فيكتور ليندولوف بـ 8 مرات.
وشهدت المباراة أيضاً أداءً استثنائياً من الظهير الأيمن آرون وان بيساكا الذي أعاد للأذهان مستواه الرائع الموسم الماضي مع كريستال بالاس، حيث سيطر على الجانب الأيمن وألغى خطورة ستيرلينغ تماماً، كما قام بـ9 بلوكات "منع تسديدة أو عرضية" الأكثر في الملعب، ونجح في تشتيت الكرة 7 مرات واعتراض الكرة مرتين.
لا مجال للتغريد خارج السرب
غوارديولا مدرب يضع نظاماً تكتيكياً معقداً، يقيد اللاعبين بقواعد كثيرة أثناء الضغط وخلال الاستحواذ، يريد التحكم في كل شيء، السيطرة على متى وأين وكيف يتحرك اللاعبون؟ لا يريد أن يترك للصدفة مجالاً، يضع سيناريو كاملاً وعلى اللاعبين تنفيذ تعليماته بشكل مفصل، ولكن بقدر تحكم غوارديولا في المجموعة وقدرته على صياغة السيناريوهات فإن تلك الطريقة أيضاً تفقد لاعبيه عنصر الارتجال والمباغتة الفردية، لن تجد ديبرونا أو سترلينغ أو بيرناردو مثلاً يراوغ 4 لاعبين من الخصم ويضع الكرة في المرمى، بالطبع تحول هذه الطريقة اللاعبين إلى مجموعة آلات تنفذ تعليمات محددة وغير مقبول الخروج عن النص والتغريد خارج السرب، ومن هنا يمكننا أن نفهم السر وراء عدم إشراك جواو كانسيلو "أفضل ظهير أيمن في الدوري الإيطالي الموسم الماضي" وعدم البدء بمحرز وإشراك برناردو سيلفا في مركزه المفضل في عمق الملعب، ولماذا لم يأخذ "ليروي ساني" المزيد من دقائق اللعب أو الاعتماد عليه أساسياً بشكل مستمر، لا مجال للمفاجآت لأنها لا تؤدي إلا إلى أخطاء في فلسفة غواديولا، ولكن ماذا سيحدث إذا نسج غوارديولا سيناريو خاطئاً عن مباراة ما أو فاجأه الخصم بطريقة أخرى لم تكن في حسبانه؟!
هنا يبدو غوارديولا أمام مفترق طرق، الأول أنه يستمر على نفس نهجه الحالي ويلغي شخصية اللاعبين ومدى قدرتهم على التأثير في المباريات المغلقة وعديمة الحلول الجماعية، أما الثاني فهو الخيار الأصعب على بيب بالتأكيد وهو ترك مساحات من الابتكار والارتجال للاعيبه، وهنا سيخسر بيب قدرته على التحكم في لاعبيه ولن يبالوا بتنفيذ تعليماته التفصيلية.
في النهاية مباراة تكتيكية جيدة أخرى من سولشاير أمام الكبار، تفوق واضح في الشوط الأول كأنه حلم بالمباراة وتفاصيلها، حينما يتعلق الأمر بمواجهة فريق يعتمد على الاستحواذ والدفاع المتقدم فتحولات سولشاير ستفي بالغرض دائماً، سيتي غوارديولا أصبح فريقاً مملّاً نسبياً، روتينياً، فاقداً للشغف، وفي أشد الاحتياج لتجديد الحوافز، إنها خسارة جديدة لغوارديولا في الدوري تقتل آماله في المنافسة على لقب البريميرليغ بعد أن أصبح الفارق بينه وبين ليفربول المتصدر 14 نقطة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.