في عام ألف وتسعمائة وستين حاول كليفورد جيرمان طرح مؤشر لقياس قوة الدول، بشكل أكثر تنوعاً من حيث العناصر التي تتشكل منها القوة، من خلال معادلة تعتمد على خمسة عناصر؛ وهي: العامل البشري، والموقع الجغرافي، والنمو الاقتصادي، والقوة العسكرية، وامتلاك السلاح النووي. إذا ما أسقطنا هذه المعادلة على أطراف القمة الإسلامية التي ستنعقد في ماليزيا، منتصف الشهر الجاري، فسنجد أننا أمام تحالف إسلامي جديد يمتلك، لأول مرة، عناصر القوة اللازمة التي أشار إليها جيرمان.
إندونيسيا هي الدولة الإسلامية الأكبر عدداً؛ وباكستان هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحاً نووياً مؤثراً؛ وتركيا صاحبة أعلى معدلات للنمو الاقتصادي إلى جانب عضويتها في حلف الناتو، وهي الأولى أوروبياً والسابعة عالمياً في الإنتاج الزراعي، وجيشها ضمن أقوى عشرة جيوش في العالم؛ وقطر بما تمثله من قوة اقتصادية ومالية ضخمة؛ وماليزيا باقتصادها المتصاعد ومواردها المتعددة وقياداتها التي تحلم بنهضة إسلامية حقيقية، أضف إليهم إيران بما تمثله من ثقل دولي وإقليمي حقيقي في المنطقة- ستجد أن هذا التحالف الجديد والمشارك في قمة كوالالمبور يمتلك إجمالي تعداد سكاني وقوة بشرية يقارب (674 مليون نسمة)، وإجمالي ناتج قومي (3.875 تريليون دولار أمريكي)، وإجمالي مساحة جغرافية (4660 ألف كيلومتر مربع)، بالإضافة إلى منشأة نووية واحدة بالغة الأهمية ودولة تستطيع تخصيب اليورانيوم، وهي مقومات قوة هائلة لم تتوافر في أي تحالف إسلامي قبل ذلك.
"في عالم تسوده الحدود، تتشابك تحدياتنا وحلولنا"، عبارة ستجدها باللغة الإنجليزية على الموقع الرسمي لمؤتمر كوالالمبور ديسمبر/كانون الأول 2019، كملخص لحكاية هذه القمة فيما حدث ويحدث وربما سيحدث بعد انعقادها، فمنذ إعلان مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي، عن هذه القمة ولا حديث يدور إلا حول التحديات التي تواجهها هذه القمة وما الحلول التي يمكن أن تطرحها، من أبرز تلك التحديات تلك الادعاءات التي ذهبت إلى أنها قمة بديلة ومُحاولة لخلق كيان موازٍ لمنظمة التعاون الإسلامي ومقرها جدة في المملكة العربية السعودية، فهناك من يرى أن قمة ليست فيها مصر ولم تباركها السعودية مصيرها حتماً الفشل، حقيقة الأمر أنه لا خلاف أن ارتباطاً نفسياً وشعورياً ودينياً قد تولَّد لدى قطاع كبير من المسلمين وهو أن واجهة الإسلام السُّني وقِبلة المسلمين ومنارة العلم قد تقاسمتهما بلاد الحرمين الشريفين وبلد الأزهر الشريف، فلا غنى عن مصر الأزهر ودورها الكبير تاريخياً ومكانتها عربياً وإسلامياً في إعطاء مزيد من القوة لأي تحالف إسلامي جديد.
مصر بموقعها الجغرافي وتعداد سكانها الذي جاوز مئة مليون نسمة تعد عنصراً فاعلاً وقوة شرائية كبيرة لأي مشروع في المنطقة، وكذلك المملكة العربية السعودية، فبخلاف مليار ونصف مليار مسلم ممن تهفو قلوبهم إلى زيارة بيت الله الحرام كل عام؛ لما لها من مكانة دينية وعقائدية في نفوس المسلمين، فإنها أيضاً تعد قوة مالية كبرى قادرة على إعطاء تحالف إسلامي كهذا دفعة حقيقية للأمام وضمانة لنجاح مشروعات الشراكة الكبرى. غياب السعودية ومصر أو تغيُّبهما عن القيام بدور حقيقي وفاعل لدعم قمة ماليزيا من أكبر التحديات التي يجب أن يبحث قادة القمة السداسية عن حلول سريعة لها.
التحديات العربية ممثلةً في غياب بعض الدول العربية والإسلامية الكبيرة عن هذه القمة، ليست أخطر ما يواجه هذا التحالف الإسلامي الجديد، فما ستواجهه تلك القمة الإسلامية من رفض غربي -وتحديداً من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- يعد أخطر تهديد لمسيرتها، على سبيل المثال إيران بمشاركتها باتت جزءاً رئيسياً من هذا التحالف، وهذا بالتأكيد لن يروق للدول الفاعلة دولياً، خاصة إذا ما حاولت إيران الخروج من عقوباتها الاقتصادية بتحالفات وشراكات مع بعض الأطراف المشاركة، إلا أن المُقلق حقاً لرافضي هذه القمة -وتحديداً الإدارة الأمريكية وبعض الأطراف الأوروبية- أن هذه القمة الإسلامية لم تكن قط وليدة الصدفة، وإنما جاءت نتاج مسيرة طويلة من الاتفاقات والتفاهمات الثنائية والثلاثية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بين عديد من الدول المشاركة.
قطر أعلنت عن إنشاء ثلاثة مراكز مالية عالمية تشمل الدوحة وإسطنبول وكوالالمبور، لتغطية جميع المعاملات المالية الإسلامية حول العالم، بعدها بأشهر قليلة كان الموعد مع اتفاق ثلاثي بين تركيا وماليزيا وباكستان، أعلنت عنه الدول الثلاث في يوليو/تموز الماضي، على لسان مهاتير محمد، الذي قال إنه تحالف لتحقيق النهضة الإسلامية، وإطلاق قناة تلفزيونية باللغة الإنجليزية لمحاربة الإسلاموفوبيا في العالم، إلى جانب عدد كبير من الاتفاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين الدول الثلاث، مع دعم وترحيب قطري كبير بهذه الخطوة، والتلويح بالاستعداد لتمويل عدد من المشروعات المشتركة بين الأطراف الثلاثة.
قمة إسلامية عنوانها "دور التنمية في تحقيق السيادة"، وضعت لنفسها خمسة أهداف رئيسية، فهي تسعى لإحياء الحضارة الإسلامية، ومحاولة إيجاد حلول جديدة وقابلة للتطبيق للمشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي" والمساهمة في تحسين الوضع بين المسلمين والأمة الإسلامية، كما تسعى إلى تشكيل شبكة قوية بين القادة الإسلاميين والمثقفين والعلماء والمفكرين حول العالم، إلى جانب الاتفاق على مبدأ عام وهو رفض الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والعمل على إيجاد حلول حقيقية للقضية الفلسطينية، وتشارك فيها ست دولٍ، علاقتها كانت منذ البداية علاقة تكاملية وبعيدة عن المشاحنات والمنافسة، ويتخللها كثير من المجاملات والزيارات والمساندات خلال أصعب الأوقات- هي نواة حقيقية لتحالف إسلامي أكبر يضم دولاً عربية وإسلامية أدمنت الجلوس في مقعد المتفرج، وهذا سيحدث فقط إذا ما استطاعت الدول المشارِكة في هذه القمة التغلب على التحديات الحقيقية الرافضة لأي شكل من أشكال الاتحاد الإسلامي.
لننتظر ونرى..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.