جوزيه مورينيو يكرهه الجميع ولكنهم يحبون هذا الكره ويعشقونه وربما يتسمرون أمام الشاشات ليتلذذوا بما يقوله هذا البغيض!! لست أعرف الكثير من المدربين في عالم كرة القدم ممن يمارسون السطوة على الإعلام والمتابعين بهذا الشغف ولكن جوزيه مورينيو الذي بدأ كمترجم صغير بين أحضان "الكامب نو" استطاع أن يستحوذ على اهتمام الملايين من عشاق كرة القدم في العالم، يعود من باب توتنهام هوتسبير، ولكنه يعود ليقول لنا الكثير من الحكمة بخصوص تجاربه الإنسانية.
يسأله الصحفي مستفزاً عن فشله في تجاربه السابقة:
هل ستكرر الأخطاء السابقة في ريال مدريد وتشلسي ومانشستر يونايتد؟
فيستحضر جوزيه الفلسفة ويجيب بلسان الفيلسوف الهادئ والغارق في العقلانية:
"لا لن أكرر نفس الأخطاء حتماً ولكنني سأقوم بأخطاء جديدة".
كانت الإجابة ملهمة للحد الذي يحتاج فيها المرء إلى تشريحها أكثر من مرة لمعرفة العلاقة المتلازمة بين الخطيئة والإبداع وبين الفشل و النجاح.
إن الخطيئة في االديانات السماوية جزء أصيل في تركيبة الإنسان المجتهد، بل إن هناك اقتراناً قوياً بين الإنتاجية الفكرية والخطيئة بحيث تفترض الديانات أن الإنسان أعلى بكثير من الملائكة لأنه يرتكب المعاصي ويتمرد على الأوامر ويحدث الكثير من الفوضى في طريقه الى اكتشاف الحقائق بعيداً عن النصوص الإلهية والمسلمات، فحركة الإنسان التي استطاع أن يبني بها كل هذه الإنجازات والحضارات العامرة ما كانت لتحدث لولا (فعل الخطيئة المشين) وإننا نقف أمام الخطيئة التي ارتكبها آدم عليه السلام عندما قضم من التفاحة ونظن أنها السوء العظيم، ولكن الحقيقة تتمثل في تلكم الخطيئة التي كانت سبباً في بداية التاريخ الإنساني.
لماذا يخطئ الإنسان؟ قد يكون هذا سؤالاً استهلاكياً، والإجابة عليه لا تستغرق الكثير من الوقت لأن طبيعته جبلت على القصور والنقصان ولكن ننقاد إلى سؤال آخر يتعلق بما منحته الخطيئة للإنسانية عبر تاريخها الطويل؟ يكتب لنا الأديب الروسي ليو تولستوي قصة أسطورية صغيرة مفعمة بالإيمان والتأمل الإنساني بعنوان What men live by علام يعيش الإنسان؟ وهي تروي أحداث تمرد ملك من ملائكة الموت التي تقبض أرواح البشر لأن الله أمره أن يقبض روح أم لطفلين توأمين، ولكن الملاك عصى وفسق عن أمر ربه ولم يستطع أن يقبض روحها رحمة بابنيها!! فعاقبه بأن أنزله إلى الأرض ليعيش كالبشر وأمره أن يحقق المعرفة في أمرين مهمين حتى يغفر له: 1/ ما الذي منحه الإنسان؟ وعلى ماذا يعيش الإنسان؟، فنزل الملك عارياً عليلاً في ليلة باردة فوجدة إسكافي فقير لا يملك إلا بيتاً وطعامه فآواه وأطعمه وأكرم نزله رغم أنه لا يعرفه، فقال الملك مجيباً على السؤال الأول: هذا ما منحه الله للإنسان "الحب" لا يمكنه أن يعيش دون حب الآخرين، ثم يحدث ويتصل الملك وقد تعلم عن الإسكافي مهنته بأحد أغنياء المدينة، وقد عرض عليهم أن سيجزي العطاء لمن يصنع له زوجين فاخرين من الأحذية، وقد اختار من يجيد فعل ذلك ولكن الغني قبضت روحه قبل أن تطال أقدامه الحذاءين، فقال الملك في نفسه: حياة لا تساوي زوجين من الأحذية وعرف أن الإنسان يعيش لأجل مساعدة الآخرين كما حدث له تماماً، وكما كان سيحدث للتوأمين لو أنه قبض روح أمهما.
إن الخطيئة هي الباب الواسع للمعرفة الإنسانية الخالصة لهذا كان الخطاؤون يتعلمون أكثر من غيرهم ويتفردون بالإبداع دون سواهم، لقد قال توماس أديسون إن دربة التعلم لا ترتبط بالنجاح أبداً بل تقف على طاولة الفشل I have not failed. I've just found 10,000 ways "لم أخفق ولكنني وجدت عشرة آلاف طريقة آخرى"
بالعودة إلى جوزيه مورينيو أنا لا أفهمه في الكثير من الأحيان لهذا يتبادر إلى ذهني أنه يعاني من الغرور وعداوة الصحفيين والكثير من الخصوم، ولكنني اليوم أفهم أنه ينجح كثيراً لهذا فإن الأعداء سيتساقطون من السماء، الأمر بسيط لا يمكننا أن ننتبه إلى هذه التفاصيل إلا إذا تعرضنا لهذه المواقف. دعونا نتفق أن جوزيه مورينيو يتجاوز في حديثه الظاهره الكروية وتعبيراتها إلى مستوى أعلى وهي الظاهرة الإنسانية والنموذج الأعلى الذي يستحق الإشادة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.