تكون فقيراً، حينما يكون مهر أمك في ذمة أبيك ديناً، ولذا يكتبك الملك الموكل بنفخ روحك، وأنت مضغة في رحم أمك شقيا مديناً، بناءً على السند الذي كتبه أبوك لأمك كصَداق لها.
وحينما تولد في اليمن، بلا شك تخلق فقيراً، وتكون طوال الأبد فقيراً، هذا إن لم تكن من نسل الحكام والساسة. ولا قرابة لك بفجّار الوطن المنشغلين بالتجارة، ولن يحتفل أحد بمولدك، ولن تعرف الشموع والأعياد. وعندما تكبر وتحتاج لبطاقة إثبات الهوية لتلتحق بحرج العمال يلحقك موظف الأحوال المدنية بمواليد 1/1.
وحينما تنشأ كأطفال الفقراء، فإنك تأكل الأتربة، وتلعب بالقراطيس الفارغة، وتلبس رث الثياب، وتطأ الأرض حافيَ القدمين، وقد تضرب وتعلق في المشانق إن كسرت إناءً، أو طلبت فاكهة لا سمح الله.
وحينما تكون فقيراً، وتلتحق بالمدرسة كأولاد الناس، فإنك تدرس من غير
رغبة ودراية بأهمية المدرسة، فتهرب منها كثيراً، وتجوع أكثر، ويضربك المعلم على الكراسة
والقلم الغائبين مرات ومرات دون أن يدري هو سبب الغياب.
وحين تكون طفلاً فقيراً، قد لا تدرك معنى الفقر والحاجة، وأنت ترى حقائب زملائك وألبستهم ومأكلهم ومشربهم، وقتها تعتقد أن أباك ليس كريماً كآبائهم.
حينما تكون فقيراً، لا تستطيع الحصول على وظيفة، لأنك تركت المدرسة ولم تلتحق بالجامعة. وإن درست فلن تجد شيئاً مما يجد الأغنياء وأصحاب الوجاهات في هذا البلد التعيس.
حينما تكون فقيراً تجوع، وحين تجوع تكفر، وحين تكفر بكل شيء حولك كذاتك، عزتك، كبريائك، أهلك، وأصدقائك، تتحوّل في أعين كثيرين إلى مجرد كائن تافه. وحينما تصير كذلك وتعجز عن تحقيق طموحاتك ومواجهة ما يعترض طريقك تتمنى أن تغادر هذا العالم المظلم الذي لم تجد فيه متسعاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.