كثيرةٌ هي الأسباب التي أدت إلى الاحتجاجات واندلاع الثورات العربية في الأعوام الماضية، لكن من أهمها الشعور بالظلم والمعاناة نتيجة الفقر وقسوة الظروف المعيشية، وهي الظروف ذاتها التي تعانيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فارتفاع نسبة البطالة وعدم الاكتراث والتهميش، جنباً إلى جنب مع الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية، مجرد نماذج وأمثلة على القهر الاجتماعي والإنساني الذي يعانيه اللاجئ الفلسطيني في لبنان. اللاجئ، الذي من الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تضعف مناعته ضد المشاريع السياسية الكبرى التي تحاك ضده، وضد قضيته العادلة، وأن تضعف قدرته على مقاومة واقع مرير، لطالما عاناه سنوات طوالاً.
في توصيف الحالة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون بلبنان، لا تكفي رسالة موجهة أو بيان صادر من هذه الجهة أو تلك، والتي عادةً ما يقال في أجزاءٍ منها: "إننا نتابع بقلق شديد، الظروف التي يعيشها ويعانيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان..". تلك البيانات تقابلها حالة توصف بالاستهتار والاستخفاف من الجهات المسؤولة عنهم، وربما تكون سبباً في انفجار شعبي باحث عن الخبز ولقمة العيش، في حال لم يتم تدارك الأزمة قبل فوات الأوان.
هذه البيانات والرسائل لا يعتبرها اللاجئ الفلسطيني إلا كونها تأتي في سياق "إبر البنج" التي لن ترفع المعاناة مثل كونها لم تُعِد لهم الحقوق الإنسانية، كحق العمل والتملك، بذريعة الخوف من التوطين وممارسة سياسات تهدف إلى وضع الفلسطينيين في أوضاع معيشية صعبة، تكون نتيجتها اضطرار أعداد كبيرة منهم إلى الهجرة من لبنان.
فالوضع الاقتصادي في لبنان يشهد تراجعاً ملحوظاً منذ السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي أدى إلى اندلاع حراك ثوري ضد الطبقة السياسية المتحكمة في الاقتصاد بلبنان. وعلى اعتبار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين جزءاً من لبنان، انسحب الوضع الاقتصادي المتردي عليها وألقى بظلاله على حياة اللاجئين الفلسطينيين، الذين هم في الأصل يعيشون مأساة حقيقية، ولا عزاء لهم من قريب أو من بعيد، من صديق أو من عدو.
لا تزال المعاناة تفرش بُسطها وتستريح على أحلام هذه المخيمات وأبنائها، وسوء أحوالهم، التي لا تعد ولا تحصى، مع ارتفاع الأسعار متأثرة بارتفاع صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية. ازدادت التحديات المعيشية أمام اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما حملهم على دعوة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إلى إعلان حالة طوارئ عاجلة في المخيمات، على أن تستنفر الأونروا جهودها وتدعو الجهات المانحة، إلى تقديم معونات طارئة للاجئين، بما يكفي احتياجات اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، خاصة مع استمرار الأزمة اللبنانية وانعكاسها على واقع المخيمات الفلسطينية، وارتفاع نسبة البطالة.
ولعل من الأهمية بمكانٍ التذكير بحراك المخيمات الفلسطينية، فمنذ اللحظة الأولى من إجراءات وزير العمل، انطلق الشعب الفلسطيني في كل المخيمات، من الشبان المستقلين والعمّال والمهنيين ولجان السوق، بالإضافة إلى مجموعة من الطلاب الجامعيين. وبدأت حالة الغليان تسيطر حينها على المخيمات الفلسطينية في لبنان شماله وجنوبه، وأقفلت المداخل، وتواصلت المسيرات الاحتجاجية دون انقطاع ضد الخطة التي باشرت وزارة العمل اللبنانية بتنفيذها، دون استثناء الفلسطينيين، في حين ألزمتهم بالحصول على إجازات عمل للأفراد والمؤسسات، بما يخالف قانون العمل بوصفهم مقيمين دائمين بوثيقة لجوء منذ عام 1948 في لبنان.
وكان واضحاً أن الحراك حينها خرج للمطالبة بحقوقه المدنية والاجتماعية وإلغاء إجازة العمل نهائياً والخطة المجحفة بحق اللاجئ الفلسطيني وصفته القانونية في لبنان. التحركات الشعبية الفلسطينية أتت يومها بشكل عفوي، وقد لوحظ أن الشارع الفلسطيني سبق قياداته في تحركاته، واضطرت بعض القوى الفلسطينية المترددة إلى اللحاق بالتحركات الشعبية. وأظهرت التحركات، على الرغم من شمولها وعنفوانها، مقداراً عالياً من الانضباط والسلوك الحضاري. ثم إن الشارع الفلسطيني وضع سقوفاً قد تكون أكثر علواً من سقوف قيادته أحياناً كثيرة، فالشارع لا يراعي متطلبات الدبلوماسية السياسية، ولا يمعن في قراءة وتحليل الواقع كما يفعل السياسي، كأن لسان حال اللاجئ الفلسطيني يقول: لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزُّبى!
فهل تسمع القيادة الفلسطينية صرخة الجياع في المخيمات؟ وهل تستجيب وكالة الأونروا لوضع برنامج خطة طوارئ والمباشرة بتشغيلها؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.